responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 7  صفحه : 136
فِي الْأَرْحامِ كَيْفَ يَشاءُ
وَالْمَعْنَى أَنَّ حُصُولَ الْإِحْيَاءِ وَالْإِمَاتَةِ عَلَى وَفْقِ قَوْلِهِ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ لَا يَدُلُّ عَلَى كَوْنِهِ إِلَهًا، لِاحْتِمَالِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَكْرَمَهُ بِذَلِكَ الْإِحْيَاءِ إِظْهَارًا لِمُعْجِزَتِهِ وَإِكْرَامًا لَهُ.
أَمَّا الْعَجْزُ عَنِ الْإِحْيَاءِ وَالْإِمَاتَةِ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْإِلَهِيَّةِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْإِلَهَ هُوَ الَّذِي يَكُونُ قَادِرًا عَلَى أَنْ يُصَوِّرَ فِي الْأَرْحَامِ مِنْ قَطْرَةٍ صَغِيرَةٍ مِنَ النُّطْفَةِ هَذَا التَّرْكِيبَ الْعَجِيبَ، / وَالتَّأْلِيفَ الْغَرِيبَ وَمَعْلُومٌ أَنَّ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ مَا كَانَ قَادِرًا عَلَى الْإِحْيَاءِ وَالْإِمَاتَةِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَكَيْفَ، وَلَوْ قَدَرَ عَلَى ذَلِكَ لَأَمَاتَ أُولَئِكَ الَّذِينَ أَخَذُوهُ عَلَى زَعْمِ النَّصَارَى وَقَتَلُوهُ، فَثَبَتَ أَنَّ حُصُولَ الْإِحْيَاءِ وَالْإِمَاتَةِ عَلَى وَفْقِ قَوْلِهِ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ لَا يَدُلُّ عَلَى كَوْنِهِ إِلَهًا، أَمَّا عَدَمُ حُصُولِهِمَا عَلَى وَفْقِ مُرَادِهِ فِي سَائِرِ الصُّوَرِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مَا كَانَ إِلَهًا، فَظَهَرَ بِمَا ذَكَرَ أَنَّ هَذِهِ الشُّبْهَةَ الثَّانِيَةَ أَيْضًا سَاقِطَةٌ.
وَأَمَّا النَّوْعُ الثَّانِي مِنَ الشُّبَهِ: فَهِيَ الشُّبَهُ الْمَبْنِيَّةُ عَلَى مُقَدِّمَاتٍ إِلْزَامِيَّةٍ، وَحَاصِلُهَا يَرْجِعُ إِلَى نَوْعَيْنِ.
النَّوْعُ الْأَوَّلُ: أَنَّ النَّصَارَى يَقُولُونَ: أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ أَنْتُمْ تُوَافِقُونَنَا عَلَى أَنَّهُ مَا كَانَ لَهُ أَبٌ مِنَ الْبَشَرِ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ ابْنًا لَهُ فَأَجَابَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَيْضًا بِقَوْلِهِ هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحامِ كَيْفَ يَشاءُ لِأَنَّ هَذَا التَّصْوِيرَ لَمَّا كَانَ مِنْهُ فَإِنْ شَاءَ صَوَّرَهُ مِنْ نُطْفَةِ الْأَبِ وَإِنْ شَاءَ صَوَّرَهُ ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ الْأَبِ.
وَالنَّوْعُ الثَّانِي: أَنَّ النَّصَارَى قَالُوا لِلرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلَسْتَ تَقُولُ: إِنَّ عِيسَى رُوحُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ، فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ ابْنُ اللَّهِ، فَأَجَابَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ بِأَنَّ هَذَا إِلْزَامٌ لَفْظِيٌّ، وَاللَّفْظُ مُحْتَمِلٌ لِلْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ، فَإِذَا وَرَدَ اللَّفْظُ بِحَيْثُ يَكُونُ ظَاهِرُهُ مُخَالِفًا لِلدَّلِيلِ الْعَقْلِيِّ كَانَ مِنْ بَابِ الْمُتَشَابِهَاتِ، فَوَجَبَ رَدُّهُ إِلَى التَّأْوِيلِ، وَذَلِكَ هُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ [آلِ عِمْرَانَ: 7] فَظَهَرَ بِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ قَوْلَهُ الْحَيُّ الْقَيُّومُ إِشَارَةٌ إِلَى مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَسِيحَ لَيْسَ بإله ولا ابن لَهُ، وَأَمَّا قَوْلُهُ إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ فَهُوَ جَوَابٌ عَنِ الشُّبْهَةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْعِلْمِ، وَقَوْلُهُ هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحامِ كَيْفَ يَشاءُ جَوَابٌ عَنْ تَمَسُّكِهِمْ بِقُدْرَتِهِ عَلَى الْإِحْيَاءِ وَالْإِمَاتَةِ، وَعَنْ تَمَسُّكِهِمْ بِأَنَّهُ مَا كَانَ لَهُ أَبٌ مِنَ الْبَشَرِ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ ابْنًا لِلَّهِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ [آلِ عِمْرَانَ: 7] فَهُوَ جَوَابٌ عَنْ تَمَسُّكِهِمْ بِمَا وَرَدَ فِي الْقُرْآنِ أَنَّ عِيسَى رُوحُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ، وَمَنْ أَحَاطَ عِلْمًا بِمَا ذَكَرْنَاهُ وَلَخَّصْنَاهُ عَلِمَ أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ عَلَى اخْتِصَارِهِ أَكْثَرُ تَحْصِيلًا مِنْ كُلِّ مَا ذَكَرَهُ الْمُتَكَلِّمُونَ فِي هَذَا الْبَابِ، وَأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْمَسْأَلَةِ حُجَّةٌ وَلَا شُبْهَةٌ وَلَا سُؤَالٌ وَلَا جَوَابٌ إِلَّا وَقَدِ اشْتَمَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَيْهِ، فَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ، وَأَمَّا كَلَامُ مَنْ قَبْلَنَا مِنَ الْمُفَسِّرِينَ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَاتِ فَلَمْ نَذْكُرْهُ لِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إِلَيْهِ فَمَنْ أَرَادَ ذَلِكَ طَالَعَ الْكُتُبَ، ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى لَمَّا أَجَابَ عَنْ شُبَهِهِمْ أَعَادَ كَلِمَةَ التَّوْحِيدِ زَجْرًا لِلنَّصَارَى عَنْ قَوْلِهِمْ بِالتَّثْلِيثِ، فَقَالَ: لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ فَالْعَزِيزُ إِشَارَةٌ إِلَى كَمَالِ الْقُدْرَةِ وَالْحَكِيمُ إِشَارَةٌ إِلَى كَمَالِ الْعِلْمِ، وَهُوَ تَقْرِيرٌ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ عِلْمَ الْمَسِيحِ بِبَعْضِ الْغُيُوبِ، وَقُدْرَتَهُ عَلَى الْإِحْيَاءِ وَالْإِمَاتَةِ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ لَا يَكْفِي فِي كَوْنِهِ إِلَهًا فَإِنَّ الْإِلَهَ لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ كَامِلَ الْقُدْرَةِ/ وَهُوَ الْعَزِيزُ، وَكَامِلَ الْعِلْمِ وَهُوَ الْحَكِيمُ، وَبَقِيَ فِي الْآيَةِ أَبْحَاثٌ لَطِيفَةٌ، أَمَّا قَوْلُهُ لَا يَخْفى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ فَالْمُرَادُ أَنَّهُ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ.
فَإِنْ قِيلَ: مَا الْفَائِدَةُ فِي قَوْلِهِ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ مَعَ أَنَّهُ لَوْ أَطْلَقَ كَانَ أَبْلَغَ.

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 7  صفحه : 136
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست