responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 7  صفحه : 130
الْمِسْكِينَ إِلَيْهِ، وَلَهُ الشُّكْرُ عَلَى نِعَمِهِ الَّتِي لَا حَدَّ لَهَا وَلَا حَصْرَ.
وَلَمَّا لَخَّصْنَا مَا هُوَ الْمَقْصُودُ الْكُلِّيُّ مِنَ الْكَلَامِ فَلْنَرْجِعْ إِلَى تَفْسِيرِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْأَلْفَاظِ.
أَمَّا قَوْلُهُ اللَّهُ لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَهُوَ رَدٌّ عَلَى النَّصَارَى لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ بِعِبَادَةِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فَبَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ أَحَدًا لَا يَسْتَحِقُّ الْعِبَادَةَ سِوَاهُ.
ثُمَّ أَتْبَعَ ذَلِكَ بِمَا يَجْرِي مَجْرَى الدَّلَالَةِ عَلَيْهِ فَقَالَ: الْحَيُّ الْقَيُّومُ فَأَمَّا الْحَيُّ فَهُوَ الْفَعَّالُ الدَّرَّاكُ وَأَمَّا الْقَيُّومُ فَهُوَ الْقَائِمُ بِذَاتِهِ، وَالْقَائِمُ بِتَدْبِيرِ الْخَلْقِ وَالْمَصَالِحِ لِمَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ فِي مَعَاشِهِمْ، مِنَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَالْحَرِّ وَالْبَرْدِ، وَالرِّيَاحِ وَالْأَمْطَارِ، وَالنِّعَمِ الَّتِي لَا يَقْدِرُ عَلَيْهَا سِوَاهُ، وَلَا يُحْصِيهَا غَيْرُهُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوها [إِبْرَاهِيمَ: 34] وَقَرَأَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْحَيُّ الْقَيُّومُ! قَالَ قَتَادَةُ، الْحَيُّ الَّذِي لَا يَمُوتُ، وَالْقَيُّومُ الْقَائِمُ عَلَى خَلْقِهِ بِأَعْمَالِهِمْ، وَآجَالِهِمْ، وَأَرْزَاقِهِمْ، وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: الْحَيُّ قَبْلَ كُلِّ حَيٍّ، وَالْقَيُّومُ الَّذِي لَا نِدَّ لَهُ، وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ أَنَّ قَوْلَنَا: الْحَيُّ الْقَيُّومُ مُحِيطٌ بِجَمِيعِ الصِّفَاتِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي الْإِلَهِيَّةِ، وَلَمَّا ثَبَتَ أَنَّ الْمَعْبُودَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ حَيًّا قَيُّومًا وَدَلَّتِ البديهة والحسن عَلَى أَنَّ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ مَا كَانَ حَيًّا قَيُّومًا، وَكَيْفَ وَهُمْ يَقُولُونَ بِأَنَّهُ قُتِلَ وَأَظْهَرَ الْجَزَعَ مِنَ الْمَوْتِ عَلِمْنَا قَطْعًا أَنَّ عِيسَى مَا كَانَ إِلَهًا، وَلَا وَلَدًا لِلْإِلَهِ تَعَالَى وَتَقَدَّسَ عَمَّا يَقُولُ الظَّالِمُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا.

[سورة آل عمران (3) : آية 3]
نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ (3)
[في قَوْلُهُ تَعَالَى نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ] فَاعْلَمْ أَنَّ الْكِتَابَ هَاهُنَا هُوَ الْقُرْآنُ، وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي أَوَّلِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ اشْتِقَاقَهُ، وَإِنَّمَا خُصَّ الْقُرْآنُ بِالتَّنْزِيلِ، وَالتَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ بِالْإِنْزَالِ، لِأَنَّ التَّنْزِيلَ لِلتَّكْثِيرِ، وَاللَّهُ تَعَالَى نَزَّلَ الْقُرْآنَ نَجْمًا نَجْمًا، فَكَانَ مَعْنَى التَّكْثِيرِ حَاصِلًا فِيهِ، وَأَمَّا التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ فَإِنَّهُ تَعَالَى أَنْزَلَهُمَا دَفْعَةً وَاحِدَةً، فَلِهَذَا خَصَّهُمَا بِالْإِنْزَالِ، وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: هَذَا يُشْكِلُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ [الْكَهْفِ: 1] وَبِقَوْلِهِ وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ [الْإِسْرَاءِ: 105] .
وَاعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى وَصَفَ الْقُرْآنَ الْمُنَزَّلَ بِوَصْفَيْنِ:
الْوَصْفُ الْأَوَّلُ: قَوْلُهُ بِالْحَقِّ قال أبو مسلم: إنه يحتمل وجوهاًأحدها: أَنَّهُ صَدَقَ فِيمَا تَضَمَّنَهُ مِنَ الْأَخْبَارِ عَنِ الْأُمَمِ السَّالِفَةِ وَثَانِيهَا: أَنَّ مَا فِيهِ مِنَ الْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ يَحْمِلُ الْمُكَلَّفَ عَلَى مُلَازَمَةِ الطَّرِيقِ الْحَقِّ فِي الْعَقَائِدِ وَالْأَعْمَالِ، وَيَمْنَعُهُ عَنْ سُلُوكِ الطَّرِيقِ الْبَاطِلِ وَثَالِثُهَا: أَنَّهُ/ حَقٌّ بِمَعْنَى أَنَّهُ قَوْلٌ فَصْلٌ، وَلَيْسَ بِالْهَزْلِ وَرَابِعُهَا: قَالَ الْأَصَمُّ: الْمَعْنَى أَنَّهُ تَعَالَى أَنْزَلَهُ بِالْحَقِّ الَّذِي يَجِبُ لَهُ عَلَى خَلْقِهِ مِنَ الْعُبُودِيَّةِ، وَشُكْرِ النِّعْمَةِ، وَإِظْهَارِ الْخُضُوعِ، وَمَا يَجِبُ لِبَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ مِنَ الْعَدْلِ وَالْإِنْصَافِ فِي الْمُعَامَلَاتِ وَخَامِسُهَا: أَنْزَلَهُ بِالْحَقِّ لَا بِالْمَعَانِي الْفَاسِدَةِ الْمُتَنَاقِضَةِ، كَمَا قَالَ: أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً وَقَالَ: وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً [النِّسَاءِ: 82] .
وَالْوَصْفُ الثَّانِي: لِهَذَا الْكِتَابِ قَوْلُهُ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ وَالْمَعْنَى أَنَّهُ مُصَدِّقٌ لِكُتُبِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَلِمَا أُخْبِرُوا بِهِ عَنِ اللَّهِ عَزَّ وجلّ، ثم في الآية ووجهان الْأَوَّلُ: أَنَّهُ تَعَالَى دَلَّ بِذَلِكَ عَلَى صِحَّةِ الْقُرْآنِ، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَمْ يَكُنْ مُوَافِقًا لِسَائِرِ الْكُتُبِ، لِأَنَّهُ كَانَ أُمِّيًّا لَمْ يَخْتَلِطْ بِأَحَدٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ، ولا

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 7  صفحه : 130
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست