responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 7  صفحه : 121
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: عُلِمَ أَنَّ النِّسْيَانَ وَالْخَطَأَ الْمَذْكُورَيْنِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ إِمَّا أَنْ يَكُونَا مُفَسَّرَيْنِ بِتَفْسِيرٍ يَنْبَغِي فِيهِ الْقَصْدُ إِلَى فِعْلِ مَا لَا يَنْبَغِي، أَوْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا كَذَلِكَ دُونَ الْآخَرِ، فَأَمَّا الِاحْتِمَالُ الْأَوَّلُ فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى حُصُولِ الْعَفْوِ لِأَصْحَابِ الْكَبَائِرِ، لِأَنَّ الْعَمْدَ إِلَى الْمَعْصِيَةِ لَمَّا كَانَ حَاصِلًا فِي النِّسْيَانِ وَفِي الْخَطَأِ ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى أَمَرَ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَدْعُوهُ بِقَوْلِهِمْ لَا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا فَكَانَ ذَلِكَ أَمْرًا مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لَهُمْ بِأَنْ يَطْلُبُوا مِنَ اللَّهِ أَنْ لَا يُعَذِّبَهُمْ عَلَى الْمَعَاصِي، وَلَمَّا أَمَرَهُمْ بِطَلَبِ ذَلِكَ، دَلَّ عَلَى أَنَّهُ يُعْطِيهِمْ هَذَا الْمَطْلُوبَ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى حُصُولِ الْعَفْوِ لِأَصْحَابِ الْكَبَائِرِ، وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّانِي وَالثَّالِثُ فَبَاطِلَانِ لِأَنَّ الْمُؤَاخَذَةَ عَلَى ذَلِكَ قَبِيحَةٌ عِنْدَ الْخَصْمِ، وَمَا يُقَبَّحُ فِعْلُهُ مِنَ اللَّهِ يَمْتَنِعُ أَنْ يُطْلَبَ بِالدُّعَاءِ.
فَإِنْ قِيلَ: النَّاسِي قَدْ يُؤَاخَذُ فِي تَرْكِ التَّحَفُّظِ قَصْدًا وَعَمْدًا عَلَى مَا قَرَّرْتُمْ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ.
قُلْنَا: فَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ مُؤَاخَذٌ بِتَرْكِ التَّحَفُّظِ قَصْدًا وَعَمْدًا، فَالْمُؤَاخَذَةُ إِنَّمَا حَصَلَتْ عَلَى مَا تَرَكَهُ/ عَمْدًا، وَظَاهِرُ مَا ذَكَرْنَا دَلَالَةُ هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى رَجَاءِ الْعَفْوِ لِأَهْلِ الْكَبَائِرِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا.
اعْلَمْ أَنَّ هَذَا هُوَ النَّوْعُ الثَّانِي مِنَ الدُّعَاءِ وَفِيهِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: الْإِصْرُ فِي اللُّغَةِ: الثِّقَلُ وَالشِّدَّةُ، قَالَ النَّابِغَةُ:
يَا مَانِعَ الضَّيْمِ أَنْ يُغْشَى سُرَاتُهُمُ ... وَالْحَامِلَ الْإِصْرَ عَنْهُمْ بَعْدَ مَا عَرَفُوا
ثُمَّ سُمِّيَ الْعَهْدُ إِصْرًا لِأَنَّهُ ثَقِيلٌ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَأَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي [آلِ عِمْرَانَ: 81] أَيْ عَهْدِي وَمِيثَاقِي وَالْإِصْرُ الْعَطْفُ، يُقَالُ: مَا يَأْصِرُنِي عَلَيْهِ آصِرَةٌ، أَيْ رَحِمٌ وَقَرَابَةٌ، وَإِنَّمَا سُمِّيَ الْعَطْفُ إِصْرًا لِأَنَّ عَطْفَكَ عَلَيْهِ يَثْقُلُ عَلَى قَلْبِكَ كُلُّ مَا يَصِلُ إِلَيْهِ مِنَ الْمَكَارِهِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: ذَكَرَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ فِيهِ وَجْهَيْنِ الْأَوَّلُ: لَا تُشَدِّدُ عَلَيْنَا فِي التَّكَالِيفِ كَمَا شَدَدْتَ عَلَى مَنْ قَبْلَنَا مِنَ الْيَهُودِ، قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسِينَ صَلَاةً، وَأَمَرَهُمْ بِأَدَاءِ رُبُعِ أَمْوَالِهِمْ فِي الزَّكَاةِ، وَمَنْ أَصَابَ ثَوْبَهُ نَجَاسَةٌ أُمِرَ بِقَطْعِهَا، وَكَانُوا إِذَا نَسُوا شَيْئًا عُجِّلَتْ لَهُمُ الْعُقُوبَةُ فِي الدُّنْيَا، وَكَانُوا إِذَا أَتَوْا بِخَطِيئَةٍ حُرِّمَ عَلَيْهِمْ مِنَ الطَّعَامِ بَعْضُ مَا كَانَ حَلَالًا لَهُمْ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ [النِّسَاءِ: 160] وَقَالَ تَعَالَى: وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ [النِّسَاءِ: 66] وَقَدْ حُرِّمَ عَلَى الْمُسَافِرِينَ مِنْ قَوْمِ طَالُوتَ الشُّرْبُ مِنَ النَّهْرِ، وَكَانَ عَذَابُهُمْ مُعَجَّلًا فِي الدُّنْيَا، كَمَا قال: مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً [النساء: 47] وَكَانُوا يُمْسَخُونَ قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ، قَالَ الْقَفَّالُ: وَمَنْ نَظَرَ فِي السِّفْرِ الْخَامِسِ مِنَ التَّوْرَاةِ الَّتِي تَدَّعِيهَا هَؤُلَاءِ الْيَهُودُ وَقَفَ عَلَى مَا أُخِذَ عَلَيْهِمْ مِنْ غِلَظِ الْعُهُودِ وَالْمَوَاثِيقِ، وَرَأَى الْأَعَاجِيبَ الْكَثِيرَةَ، فَالْمُؤْمِنُونَ سَأَلُوا رَبَّهُمْ أَنَّ يَصُونَهُمْ عَنْ أَمْثَالِ هَذِهِ التَّغْلِيظَاتِ، وَهُوَ بِفَضْلِهِ وَرَحْمَتِهِ قَدْ أَزَالَ ذَلِكَ عَنْهُمْ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي صِفَةِ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ [الْأَعْرَافِ: 157]
وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْمَسْخُ وَالْخَسْفُ وَالْغَرَقُ»
وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ [الأنفال: 33] وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «بُعِثْتُ بِالْحَنِيفِيَّةِ السَّهْلَةِ السَّمْحَةِ» وَالْمُؤْمِنُونَ إِنَّمَا طَلَبُوا هَذَا التَّخْفِيفَ لِأَنَّ التشديد مظنة

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 7  صفحه : 121
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست