responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 7  صفحه : 113
عِلْمِ الْمَبْدَأِ، ثُمَّ قَالَ: وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ [الصَّافَّاتُ: 181] وَهُوَ إِشَارَةٌ إِلَى عِلْمِ الْوَسَطِ، ثُمَّ قَالَ:
وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ [الصَّافَّاتِ: 182] وَهُوَ إِشَارَةٌ إِلَى عِلْمِ الْمَعَادِ عَلَى مَا قَالَ فِي صِفَةِ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ [يُونُسَ: 100] .
إِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَنَقُولُ: تَعْرِيفُ هَذِهِ الْمَرَاتِبِ الثَّلَاثَةِ مَذْكُورٌ فِي آخِرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، فَقَوْلُهُ آمَنَ الرَّسُولُ إِلَى قَوْلُهُ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ إِشَارَةٌ إِلَى مَعْرِفَةِ الْمَبْدَأِ، وَقَوْلُهُ وَقالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا إِشَارَةٌ إِلَى عِلْمِ الْوَسَطِ، وَهُوَ مَعْرِفَةُ الْأَحْوَالِ الَّتِي يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْإِنْسَانُ عَالِمًا مُشْتَغِلًا بِهَا، مَا دَامَ يَكُونُ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَقَوْلُهُ غُفْرانَكَ رَبَّنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ إِشَارَةٌ إِلَى عِلْمِ الْمَعَادِ، وَالْوُقُوفُ عَلَى هَذِهِ الْأَسْرَارِ يُنَوِّرُ الْقَلْبَ وَيَجْذِبُهُ مِنْ ضِيقِ عَالَمِ الْأَجْسَامِ إِلَى فُسْحَةِ عالم الأفلاك، وأنوار بهجة السموات.
الْوَجْهُ الثَّالِثُ فِي النَّظْمِ: أَنَّ الْمَطَالِبَ قِسْمَانِ أَحَدُهُمَا: الْبَحْثُ عَنْ حَقَائِقِ الْمَوْجُودَاتِ وَالثَّانِي: الْبَحْثُ عَنْ أَحْكَامِ الْأَفْعَالِ فِي الْوُجُوبِ وَالْجَوَازِ وَالْحَظْرِ، أَمَّا الْقِسْمُ الْأَوَّلُ فَمُسْتَفَادٌ مِنَ الْعَقْلِ وَالثَّانِي مُسْتَفَادٌ مِنَ السَّمْعِ وَالْقِسْمُ الْأَوَّلُ هُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْقِسْمُ الثَّانِي هُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ وَقالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَالَ الْوَاحِدِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ قَوْلُهُ سَمِعْنا وَأَطَعْنا أَيْ سَمْعِنَا قَوْلَهُ وَأَطَعْنَا أَمْرَهُ، إِلَّا أَنَّهُ حَذَفَ الْمَفْعُولَ، لِأَنَّ فِي الْكَلَامِ دَلِيلًا عَلَيْهِ مِنْ حَيْثُ مُدِحُوا بِهِ.
وَأَقُولُ: هَذَا مِنَ الْبَابِ الَّذِي ذَكَرَهُ عَبْدُ الْقَاهِرِ النَّحْوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ حَذْفَ الْمَفْعُولِ فِيهِ ظَاهِرًا وَتَقْدِيرًا أَوْلَى لِأَنَّكَ إِذَا جَعَلْتَ التَّقْدِيرَ: سَمِعْنَا قوله، وأطعنا أمره، فإذن هاهنا قَوْلٌ آخَرُ غَيْرُ قَوْلِهِ، وَأَمْرٌ آخَرُ يُطَاعُ سِوَى أَمْرِهِ، فَإِذَا لَمْ يُقَدَّرْ فِيهِ ذَلِكَ الْمَفْعُولُ أَفَادَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْوُجُودِ قَوْلٌ يَجِبُ سَمْعُهُ إِلَّا قَوْلَهُ وَلَيْسَ فِي الْوُجُودِ أَمْرٌ يُقَالُ فِي مُقَابَلَتِهِ: أَطَعْنَا إِلَّا أَمْرَهُ فَكَانَ حَذْفُ الْمَفْعُولِ صُورَةً وَمَعْنًى فِي هَذَا الْمَوْضِعِ أَوْلَى.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا وَصَفَ إِيمَانَ هَؤُلَاءِ الْمُؤْمِنِينَ وَصَفَهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ يَقُولُونَ: سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا، فَقَوْلُهُ سَمِعْنا لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْهُ السَّمَاعَ الظَّاهِرَ، لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُفِيدُ الْمَدْحَ، بَلِ الْمُرَادُ أَنَّا سَمِعْنَاهُ بِآذَانِ عُقُولِنَا، أَيْ عَقَلْنَاهُ وَعَلِمْنَا صِحَّتَهُ، وَتَيَقَّنَّا أَنَّ كُلَّ تَكْلِيفٍ وَرَدَ عَلَى لِسَانِ الْمَلَائِكَةِ وَالْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ إِلَيْنَا فَهُوَ حَقٌّ صَحِيحٌ وَاجِبُ الْقَبُولِ وَالسَّمْعُ بِمَعْنَى الْقَبُولِ وَالْفَهْمِ وَارِدٌ فِي الْقُرْآنِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ [ق: 37] وَالْمَعْنَى: لِمَنْ سَمِعَ الذِّكْرَى بِفَهْمٍ حَاضِرٍ، وَعَكْسُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً [لُقْمَانَ: 7] ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ وَأَطَعْنا فَدَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّهُ كَمَا صَحَّ اعْتِقَادُهُمْ فِي هَذِهِ التَّكَالِيفِ فَهُمْ مَا أَخَلُّوا بِشَيْءٍ مِنْهَا فَجَمَعَ اللَّهُ تَعَالَى بِهَذَيْنِ اللَّفْظَيْنِ كُلَّ مَا يَتَعَلَّقُ بِأَبْوَابِ التَّكْلِيفِ عِلْمًا وَعَمَلًا.
ثُمَّ حَكَىَ عَنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّهُمْ قَالُوا غُفْرانَكَ رَبَّنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ وَفِيهِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: فِي هَذِهِ الْآيَةِ سُؤَالٌ، وَهُوَ أَنَّ الْقَوْمَ لَمَّا قَبِلُوا التَّكَالِيفَ وَعَمِلُوا بِهَا، فَأَيُّ حَاجَةٍ بِهِمْ إِلَى طَلَبِهِمُ الْمَغْفِرَةَ.
وَالْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ الْأَوَّلُ: أَنَّهُمْ وَإِنَّ بَذَلُوا مَجْهُودَهُمْ فِي أَدَاءِ هَذِهِ التَّكَالِيفِ إِلَّا أَنَّهُمْ كَانُوا خَائِفِينَ مِنْ تَقْصِيرٍ يَصْدُرُ عَنْهُمْ، فَلَمَّا جَوَّزُوا ذَلِكَ قَالُوا غُفْرانَكَ رَبَّنا وَمَعْنَاهُ أَنَّهُمْ يَلْتَمِسُونَ مِنْ قَبْلِهِ الْغُفْرَانَ فِيمَا يَخَافُونَ

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 7  صفحه : 113
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست