responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 7  صفحه : 108
قَلْبِكَ
[الْبَقَرَةِ: 97] وَقَالَ: نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلى قَلْبِكَ [الشُّعَرَاءِ: 193، 194] وَقَالَ: عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى [النَّجْمِ: 5] فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ وَحْيَ اللَّهِ تَعَالَى إِنَّمَا يَصِلُ إِلَى الْبَشَرِ بِوَاسِطَةِ الْمَلَائِكَةِ فَالْمَلَائِكَةُ يَكُونُونَ كَالْوَاسِطَةِ بَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَبَيْنَ الْبَشَرِ، فَلِهَذَا السَّبَبِ جَعَلَ ذِكْرَ الْمَلَائِكَةِ فِي الْمَرْتَبَةِ الثَّانِيَةِ، وَلِهَذَا السِّرِّ قَالَ أَيْضًا:
شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ [آلِ عِمْرَانَ: 18] .
وَالْمَرْتَبَةُ الثَّالِثَةُ: الْكُتُبُ، وَهُوَ الْوَحْيُ الَّذِي يَتَلَقَّفُهُ الْمَلَكُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى وَيُوصِلُهُ إِلَى الْبَشَرِ وَذَلِكَ فِي ضَرْبِ الْمِثَالِ يَجْرِي مَجْرَى اسْتِنَارَةِ سَطْحِ الْقَمَرِ مِنْ نُورِ الشَّمْسِ فَذَاتُ الْمَلَكِ كَالْقَمَرِ وَذَاتُ الْوَحْيِ كَاسْتِنَارَةِ الْقَمَرِ فَكَمَا أَنَّ ذَاتَ الْقَمَرِ مُقَدَّمَةٌ فِي الرُّتْبَةِ عَلَى اسْتِنَارَتِهِ فَكَذَلِكَ ذَاتُ الْمَلَكِ مُتَقَدِّمٌ عَلَى حُصُولِ ذَلِكَ الْوَحْيِ الْمُعَبَّرِ عَنْهُ بِهَذِهِ الْكُتُبِ، فَلِهَذَا السَّبَبِ كَانَتِ الْكُتُبُ مُتَأَخِّرَةً فِي الرُّتْبَةِ عَنِ الْمَلَائِكَةِ، فَلَا جَرَمَ أَخَّرَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرَ الْكُتُبِ عَنْ ذِكْرِ الْمَلَائِكَةِ.
وَالْمَرْتَبَةُ الرَّابِعَةُ: الرُّسُلُ، وَهُمُ الَّذِينَ يَقْتَبِسُونَ أَنْوَارَ الْوَحْيِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، فَيَكُونُونَ مُتَأَخِّرِينَ فِي الدَّرَجَةِ عَنِ الْكُتُبِ فَلِهَذَا السَّبَبِ جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرَ الرُّسُلِ فِي الْمَرْتَبَةِ الرَّابِعَةِ، وَاعْلَمْ أن تَرْتِيبِ هَذِهِ الْمَرَاتِبِ الْأَرْبَعَةِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ أسرار غَامِضَةً، وَحِكَمًا عَظِيمَةً لَا يَحْسُنُ إِيدَاعُهَا فِي الْكُتُبِ وَالْقَدْرُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ كَافٍ فِي التَّشْرِيفِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: الْمُرَادُ بِالْإِيمَانِ بِاللَّهِ عِبَارَةٌ عَنِ الْإِيمَانِ بِوُجُودِهِ، وَبِصِفَاتِهِ، وَبِأَفْعَالِهِ، وَبِأَحْكَامِهِ، وَبِأَسْمَائِهِ.
أَمَّا الْإِيمَانُ بِوُجُودِهِ، فَهُوَ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ وَرَاءَ الْمُتَحَيِّزَاتِ مَوْجُودًا خَالِقًا لَهَا، وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ فَالْمُجَسِّمُ لَا يَكُونُ مُقِرًّا بِوُجُودِ الْإِلَهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ لَا يُثْبِتُ مَا وَرَاءَ الْمُتَحَيِّزَاتِ شَيْئًا آخَرَ فَيَكُونُ اخْتِلَافُهُ مَعَنَا فِي إِثْبَاتِ ذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى أَمَّا الْفَلَاسِفَةُ وَالْمُعْتَزِلَةُ فَإِنَّهُمْ مُقِرُّونَ بِإِثْبَاتِ مَوْجُودٍ سِوَى الْمُتَحَيِّزَاتِ مُوجِدٌ لَهَا، فَيَكُونُ الْخِلَافُ مَعَهُمْ لَا فِي الذَّاتِ بَلْ فِي الصِّفَاتِ.
وَأَمَّا الْإِيمَانُ بِصِفَاتِهِ، فَالصِّفَاتُ إِمَّا سَلْبِيَّةٌ، وَإِمَّا ثُبُوتِيَّةٌ.
فَأَمَّا السَّلْبِيَّةُ: فَهِيَ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ فَرْدٌ مُنَزَّهٌ عَنْ جَمِيعِ جِهَاتِ التَّرْكِيبِ، فَإِنَّ كُلَّ مُرَكَّبٍ مُفْتَقِرٌ إِلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ أَجْزَائِهِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ أَجْزَائِهِ غَيْرُهُ، فَهُوَ مُرَكَّبٌ، فَهُوَ مُفْتَقِرٌ إِلَى غَيْرِهِ مُمْكِنٌ لِذَاتِهِ، فَإِذَنْ كُلُّ مُرَكَّبٍ فَهُوَ مُمْكِنٌ لِذَاتِهِ، وَكُلُّ مَا لَيْسَ مُمْكِنًا لِذَاتِهِ، بَلْ كَانَ وَاجِبًا لِذَاتِهِ امْتَنَعَ أَنْ/ يَكُونَ مُرَكَّبًا بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ، بَلْ كَانَ فَرْدًا مُطْلَقًا، وَإِذَا كَانَ فَرْدًا فِي ذَاتِهِ لَزِمَ أَنْ لَا يَكُونَ مُتَحَيِّزًا، وَلَا جِسْمًا، وَلَا جَوْهَرًا، وَلَا فِي مَكَانٍ، وَلَا حَالًّا، وَلَا فِي مَحَلٍّ، وَلَا مُتَغَيِّرًا، وَلَا مُحْتَاجًا بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ الْبَتَّةَ.
وَأَمَّا الصِّفَاتُ الثُّبُوتِيَّةُ: فَبِأَنْ يَعْلَمَ أَنَّ الْمُوجِبَ لِذَاتِهِ نِسْبَتُهُ إِلَى بَعْضِ الْمُمْكِنَاتِ كَنِسْبَتِهِ إِلَى الْبَوَاقِي، فَلَمَّا رَأَيْنَا أَنَّ هَذِهِ الْمَخْلُوقَاتِ وَقَعَتْ عَلَى وَجْهٍ يُمْكِنُ وُقُوعُهَا عَلَى خِلَافِ تِلْكَ الْأَحْوَالِ، عَلِمْنَا أَنَّ الْمُؤَثِّرَ فِيهَا قَادِرٌ مُخْتَارٌ لَا مُوجِبٌ بِالذَّاتِ، ثُمَّ يَسْتَدِلُّ بِمَا فِي أَفْعَالِهِ مِنَ الْإِحْكَامِ وَالْإِتْقَانِ عَلَى كَمَالِ عِلْمِهِ، فَحِينَئِذٍ يَعْرِفُهُ قَادِرًا عَالِمًا حَيًّا سَمِيعًا بَصِيرًا مَوْصُوفًا مَنْعُوتًا بِالْجَلَالِ وَصِفَاتِ الْكَمَالِ، وَقَدِ اسْتَقْصَيْنَا ذَلِكَ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ اللَّهُ لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ [الْبَقَرَةِ: 255] .

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 7  صفحه : 108
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست