responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 7  صفحه : 102
الْوَجْهُ الثَّالِثُ: فِي كِتْمَانِ الشَّهَادَةِ وَالِامْتِنَاعِ مِنْ أَدَائِهَا عِنْدَ الْحَاجَةِ إِلَى إِقَامَتِهَا، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا مَا دُعُوا [الْبَقَرَةِ: 282] وَذَلِكَ لِأَنَّهُ مَتَى امْتَنَعَ عَنْ إِقَامَةِ الشَّهَادَةِ فَقَدْ بَطَلَ حَقُّهُ، وَكَانَ هُوَ بِالِامْتِنَاعِ مِنَ الشَّهَادَةِ كَالْمُبْطِلِ لِحَقِّهِ، وَحُرْمَةُ مَالِ الْمُسْلِمِ كَحُرْمَةِ دَمِهِ، فَهَذَا بَالِغٌ فِي الْوَعِيدِ.
ثُمَّ قَالَ: وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَفِيهِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: الْآثِمُ الْفَاجِرُ، رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ كَانَ يُعَلِّمُ أَعْرَابِيًّا إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ طَعامُ الْأَثِيمِ [الدُّخَانِ:
43، 44] فَكَانَ يَقُولُ: طَعَامُ الْيَتِيمِ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: طَعَامُ الْفَاجِرِ. فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْإِثْمَ بِمَعْنَى الْفُجُورِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَالَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» : آثِمٌ خَبَرُ إِنَّ وَقَلْبُهُ رُفِعَ بِآثِمٍ عَلَى الْفَاعِلِيَّةِ كَأَنَّهُ قِيلَ فَإِنَّهُ يَأْثَمُ قَلْبُهُ وَقُرِئَ قَلْبَهُ بِالْفَتْحِ كَقَوْلِهِ سَفِهَ نَفْسَهُ [الْبَقَرَةِ: 130] وَقَرَأَ ابْنُ أَبِي عَبْلَةَ أَثَّمَ قَلْبَهُ أَيْ جَعَلَهُ آثِمًا.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: اعْلَمْ أَنَّ كَثِيرًا مِنَ الْمُتَكَلِّمِينَ قَالُوا: إِنَّ الْفَاعِلَ وَالْعَارِفَ وَالْمَأْمُورَ وَالْمَنْهِيَّ هُوَ الْقَلْبُ، وَقَدِ اسْتَقْصَيْنَا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي سُورَةِ الشُّعَرَاءِ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلى قَلْبِكَ [الشُّعَرَاءِ: 193، 194] وَذَكَرْنَا طَرَفًا مِنْهُ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ [الْبَقَرَةِ: 97] وَهَؤُلَاءِ يَتَمَسَّكُونَ بِهَذِهِ الْآيَةِ وَيَقُولُونَ: إِنَّهُ تَعَالَى أَضَافَ الْآثِمَ إِلَى الْقَلْبِ فَلَوْلَا أَنَّ الْقَلْبَ هُوَ الْفَاعِلُ وَإِلَّا لَمَا كَانَ آثِمًا.
وَأَجَابَ مَنْ خَالَفَ فِي هَذَا الْقَوْلِ بِأَنَّ إِضَافَةَ الْفِعْلِ إِلَى جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الْبَدَنِ إِنَّمَا يَكُونُ لِأَجْلِ أَنَّ أَعْظَمَ أَسْبَابِ الْإِعَانَةِ عَلَى ذَلِكَ الْفِعْلِ إِنَّمَا يَحْصُلُ مِنْ ذَلِكَ الْعُضْوِ، فَيُقَالُ: هَذَا مِمَّا أَبْصَرَتْهُ عَيْنِي وَسَمِعَتْهُ أُذُنِي وَعَرَفَهُ قَلْبِي، وَيُقَالُ: فُلَانٌ خَبِيثُ الْفَرْجِ وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ أَفْعَالَ الْجَوَارِحِ تَابِعَةٌ لِأَفْعَالِ الْقُلُوبِ وَمُتَوَلِّدَةٌ مِمَّا يَحْدُثُ فِي الْقُلُوبِ مِنَ الدَّوَاعِي وَالصَّوَارِفِ، فَلَمَّا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَلِهَذَا السَّبَبِ أُضِيفَ الآثم هاهنا إِلَى الْقَلْبِ.
ثُمَّ قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ وَهُوَ تَحْذِيرٌ مِنَ الْإِقْدَامِ عَلَى هَذَا الْكِتْمَانِ، لِأَنَّ الْمُكَلَّفَ إِذَا عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَعْزُبُ عَنْ عِلْمِ اللَّهِ ضَمِيرُ قَلْبِهِ كَانَ خَائِفًا حَذِرًا مِنْ مُخَالَفَةِ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى، فَإِنَّهُ يَعْلَمُ أَنَّهُ تَعَالَى يُحَاسِبُهُ عَلَى كُلِّ تِلْكَ الْأَفْعَالِ، وَيُجَازِيهِ عَلَيْهَا إِنْ خيراً فخيراً، وإن شرًّا فشراً.

[سورة البقرة (2) : آية 284]
لِلَّهِ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (284)
[في قَوْلُهُ تَعَالَى لِلَّهِ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ] فِي الْآيَةِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: فِي كَيْفِيَّةِ النَّظْمِ وُجُوهٌ الْأَوَّلُ: قَالَ الْأَصَمُّ: إِنَّهُ تَعَالَى لَمَّا جَمَعَ فِي هَذِهِ السُّورَةِ أَشْيَاءَ كَثِيرَةً مِنْ عِلْمِ الْأُصُولِ، وَهُوَ دَلِيلُ التَّوْحِيدِ وَالنُّبُوَّةِ، وَأَشْيَاءَ كَثِيرَةً مِنْ عِلْمِ الْأُصُولِ بِبَيَانِ الشَّرَائِعِ وَالتَّكَالِيفِ، وَهِيَ فِي الصَّلَاةِ، وَالزَّكَاةِ، وَالْقِصَاصِ، وَالصَّوْمِ، وَالْحَجِّ، وَالْجِهَادِ، وَالْحَيْضِ، وَالطَّلَاقِ، وَالْعِدَّةِ، وَالصَّدَاقِ، وَالْخُلْعِ، وَالْإِيلَاءِ، وَالرَّضَاعِ، وَالْبَيْعِ، وَالرِّبَا، وَكَيْفِيَّةِ الْمُدَايَنَةِ خَتَمَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ السُّورَةَ بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى سَبِيلِ التَّهْدِيدِ.
وَأَقُولُ إِنَّهُ قَدْ ثَبَتَ أَنَّ الصِّفَاتِ الَّتِي هِيَ كِمَالَاتٌ حَقِيقِيَّةٌ لَيْسَتْ إِلَّا الْقُدْرَةَ وَالْعِلْمَ، فَعَبَّرَ سُبْحَانَهُ عَنْ كَمَالِ

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 7  صفحه : 102
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست