responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 5  صفحه : 319
عَلَيْهِ الْحَجُّ فِي وَقْتِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَهُوَ الْمُرَادُ
بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ: «أَلَا إِنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خلق الله السموات وَالْأَرْضَ»
فَهَذَا مَجْمُوعُ مَا قَالَهُ الْمُفَسِّرُونَ فِي هَذَا الْبَابِ.
وَذَكَرَ الْقَاضِي كَلَامًا حَسَنًا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ فَقَالَ: قَوْلُهُ تَعَالَى: فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ خَبَرًا وَأَنْ يَكُونَ نَهْيًا كَقَوْلِهِ: لا رَيْبَ فِيهِ [السجدة: 2] أَيْ لَا تَرْتَابُوا فِيهِ، وَظَاهِرُ اللَّفْظِ لِلْخَبَرِ فَإِذَا حَمَلْنَاهُ عَلَى الْخَبَرِ كَانَ مَعْنَاهُ أَنَّ الْحَجَّ لَا يَثْبُتُ مَعَ وَاحِدَةٍ مِنْ هَذِهِ الْخِلَالِ بَلْ يَفْسُدُ لِأَنَّهُ كَالضِّدِّ لَهَا وَهِيَ مَانِعَةٌ مِنْ صِحَّتِهِ، وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ لَا يَسْتَقِيمُ الْمَعْنَى، إِلَّا أَنْ يُرَادَ بِالرَّفَثِ الْجِمَاعُ الْمُفْسِدُ لِلْحَجِّ، وَيُحْمَلَ الْفُسُوقُ عَلَى الزِّنَا لِأَنَّهُ يُفْسِدُ الْحَجَّ، وَيُحْمَلُ الْجِدَالُ عَلَى الشَّكِّ فِي الْحَجِّ وَوُجُوبِهِ لِأَنَّ ذَلِكَ يَكُونُ كُفْرًا فَلَا يَصِحُّ مَعَهُ الْحَجُّ وَإِنَّمَا حَمَلْنَا هَذِهِ الْأَلْفَاظَ الثَّلَاثَةَ عَلَى هَذِهِ الْمَعَانِي حَتَّى يَصِحَّ خَبَرُ اللَّهِ بِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ لَا تُوجَدُ مَعَ الْحَجِّ، فَإِنْ قِيلَ: أَلَيْسَ أَنَّ مَعَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ يَصِيرُ الْحَجُّ فَاسِدًا وَيَجِبُ عَلَى صَاحِبِهِ الْمُضِيُّ فِيهِ، وَإِذَا كَانَ الْحَجُّ بَاقِيًا مَعَهَا لَمْ يَصْدُقِ الْخَبَرُ بِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ لَا تُوجَدُ مَعَ الْحَجِّ، قُلْنَا: الْمُرَادُ مِنَ الْآيَةِ حُصُولُ الْمُضَادَّةِ بَيْنَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَبَيْنَ الْحَجَّةِ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا ابْتِدَاءً وَتِلْكَ الْحَجَّةُ الصَّحِيحَةُ لَا تَبْقَى مَعَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَجِبُ قَضَاؤُهَا، وَالْحَجَّةُ الْفَاسِدَةُ الَّتِي يَجِبُ عَلَيْهِ الْمُضِيُّ فِيهَا شَيْءٌ آخَرُ سِوَى تِلْكَ الْحَجَّةِ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا ابْتِدَاءً، وَأَمَّا الْجِدَالُ الْحَاصِلُ بِسَبَبِ الشَّكِّ فِي وُجُوبِ الْحَجِّ فَظَاهِرٌ أَنَّهُ لَا يَبْقَى مَعَهُ عَمَلُ الْحَجِّ لِأَنَّ ذَلِكَ كُفْرٌ وَعَمَلُ الْحَجِّ مَشْرُوطٌ بِالْإِسْلَامِ فَثَبَتَ أَنَّا إِذَا حَمَلْنَا اللَّفْظَ على الخبر وجب حمل الرفث والفسوق الجدال عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ، أَمَّا إِذَا حَمَلْنَاهُ عَلَى النَّهْيِ وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ عُدُولٌ عَنْ ظَاهِرِ اللَّفْظِ فَقَدْ يَصِحُّ أَنْ يُرَادَ بِالرَّفَثِ الْجِمَاعُ وَمُقَدِّمَاتُهُ وَقَوْلُ الْفُحْشِ، وَأَنْ يُرَادَ بِالْفُسُوقِ جَمِيعُ أَنْوَاعِهِ، وَبِالْجِدَالِ جَمِيعُ أَنْوَاعِهِ، لِأَنَّ اللَّفْظَ مُطْلَقٌ وَمُتَنَاوِلٌ لِكُلِّ هَذِهِ الْأَقْسَامِ فَيَكُونُ النَّهْيُ عَنْهَا نَهْيًا عَنْ جَمِيعِ أَقْسَامِهَا، وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ تَكُونُ هَذِهِ الْآيَةُ كَالْحَثِّ عَلَى الْأَخْلَاقِ الْجَمِيلَةِ، وَالتَّمَسُّكِ بِالْآدَابِ الْحَسَنَةِ، وَالِاحْتِرَازِ عَمَّا/ يُحْبِطُ ثَوَابَ الطَّاعَاتِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: الْحِكْمَةُ فِي أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَكَرَ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ الثَّلَاثَةَ لَا أَزْيَدَ وَلَا أَنْقَصَ، وَهُوَ قَوْلُهُ: فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ هِيَ أَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ فِي الْعُلُومِ الْعَقْلِيَّةِ أَنَّ الْإِنْسَانَ فِيهِ قُوًى أَرْبَعَةٌ: قُوَّةٌ شَهْوَانِيَّةٌ بَهِيمِيَّةٌ، وَقُوَّةٌ غَضَبِيَّةٌ سَبُعِيَّةٌ، وَقُوَّةٌ وَهْمِيَّةٌ شَيْطَانِيَّةٌ، وَقُوَّةٌ عَقْلِيَّةٌ مَلَكِيَّةٌ، وَالْمَقْصُودُ مِنْ جَمِيعِ الْعِبَادَاتِ قَهْرُ الْقُوَى الثَّلَاثَةِ، أَعْنِي الشَّهْوَانِيَّةَ، وَالْغَضَبِيَّةَ، وَالْوَهْمِيَّةَ، فَقَوْلُهُ فَلا رَفَثَ إشارة إلى قهر الشَّهْوَانِيَّةِ، وَقَوْلُهُ: وَلا فُسُوقَ إِشَارَةٌ إِلَى قَهْرِ الْقُوَّةِ الْغَضَبِيَّةِ الَّتِي تُوجِبُ التَّمَرُّدَ وَالْغَضَبَ، وَقَوْلُهُ: وَلا جِدالَ إِشَارَةٌ إِلَى الْقُوَّةِ الْوَهْمِيَّةِ الَّتِي تَحْمِلُ الْإِنْسَانَ عَلَى الْجِدَالِ فِي ذَاتِ اللَّهِ، وَصِفَاتِهِ، وَأَفْعَالِهِ، وَأَحْكَامِهِ، وَأَسْمَائِهِ، وَهِيَ الْبَاعِثَةُ لِلْإِنْسَانِ عَلَى مُنَازَعَةِ النَّاسِ وَمُمَارَاتِهِمْ، وَالْمُخَاصِمَةِ مَعَهُمْ فِي كُلِّ شَيْءٍ، فَلَمَّا كَانَ مَنْشَأُ الشَّرِّ مَحْصُورًا فِي هَذِهِ الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ لَا جَرَمَ قَالَ: فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ أَيْ فَمَنْ قَصَدَ مَعْرِفَةَ اللَّهِ وَمَحَبَّتَهُ وَالِاطِّلَاعَ عَلَى نُورِ جَلَالِهِ، وَالِانْخِرَاطَ فِي سِلْكِ الْخَوَاصِّ مِنْ عِبَادِهِ، فَلَا يَكُونُ فِيهِ هَذِهِ الأمور، وهذه أسرار نفسية هِيَ الْمَقْصِدُ الْأَقْصَى مِنْ هَذِهِ الْآيَاتِ، فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْعَاقِلُ غَافِلًا عَنْهَا، وَمِنَ اللَّهِ التَّوْفِيقُ فِي كُلِّ الْأُمُورِ.
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: مِنَ النَّاسِ مَنْ عَابَ الِاسْتِدْلَالَ وَالْبَحْثَ وَالنَّظَرَ وَالْجِدَالَ وَاحْتَجَّ بِوُجُوهٍ أَحَدُهَا: أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ: وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ وَهَذَا يَقْتَضِي نَفْيَ جَمِيعِ أَنْوَاعِ الْجِدَالِ، وَلَوْ كَانَ الْجِدَالُ فِي الدِّينِ طَاعَةً وَسَبِيلًا

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 5  صفحه : 319
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست