responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 5  صفحه : 307
إِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَنَقُولُ: الْمَرَضُ قَدْ يُحْوِجُ إِلَى اللِّبَاسِ، فَتَكُونُ الرُّخْصَةُ فِي اللِّبَاسِ كَالرُّخْصَةِ فِي الْحَلْقِ، وَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ بِغَيْرِ الْمَرَضِ مِنْ شِدَّةِ الْبَرْدِ وَمَا شَاكَلَهُ فَأُبِيحَ لَهُ بِشَرْطِ الْفِدْيَةِ، وَقَدْ يَحْتَاجُ أَيْضًا إِلَى اسْتِعْمَالِ الطِّيبِ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرَاضِ فَيَكُونُ الْحُكْمُ فِيهِ ذَاكَ، وَأَمَّا مَنْ يَكُونُ بِهِ أَذًى/ مَنْ رَأْسِهِ فَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ بِسَبَبِ الْقَمْلِ وَالصِّئْبَانِ وَقَدْ يَكُونُ بِسَبَبِ الصُّدَاعِ وَقَدْ يَكُونُ عِنْدَ الْخَوْفِ مِنْ حُدُوثِ مَرَضٍ أَوْ أَلَمٍ، وَبِالْجُمْلَةِ فَهَذَا الْحُكْمُ عَامٌّ فِي جَمِيعِ مَحْظُورَاتِ الْحَجِّ.
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: اخْتَلَفُوا فِي أَنَّهُ هَلْ يُقَدِّمُ الْفِدْيَةَ ثُمَّ يَتَرَخَّصُ أَوْ يُؤَخِّرُ الْفِدْيَةَ عَنِ التَّرَخُّصِ وَالَّذِي يَقْتَضِيهِ الظَّاهِرُ أَنَّهُ يُؤَخِّرُ الْفِدْيَةَ عَنِ التَّرَخُّصِ لِأَنَّ الْإِقْدَامَ عَلَى التَّرَخُّصِ كَالْعِلَّةِ فِي وُجُوبِ الْفِدْيَةِ فَكَانَ مُقَدَّمًا عَلَيْهِ، وَأَيْضًا فَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ تَقْدِيرَ الْآيَةِ: فَحَلَقَ فَعَلَيْهِ فِدْيَةٌ، وَلَا يَنْتَظِمُ الْكَلَامُ إِلَّا عَلَى هَذَا الْحَدِّ، فَإِذَنْ يَجِبُ تَأْخِيرُ الْفِدْيَةِ.
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَالْمُرَادُ أَنَّ تِلْكَ الْفِدْيَةَ أَحَدُ هَذِهِ الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ وَفِي الْآيَةِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: أَصْلُ النُّسُكِ الْعِبَادَةُ، قَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ النُّسُكُ سَبَائِكُ الْفِضَّةِ كُلُّ سَبِيكَةٍ مِنْهَا نَسِيكَةٌ، ثُمَّ قِيلَ لِلْمُتَعَبِّدِ: نَاسِكٌ لِأَنَّهُ خَلَّصَ نَفْسَهُ مِنْ دَنَسِ الْآثَامِ وَصَفَّاهَا كَالسَّبِيكَةِ الْمُخَلَّصَةِ مِنَ الْخَبَثِ، هَذَا أَصْلُ مَعْنَى النُّسُكِ، ثُمَّ قِيلَ لِلذَّبِيحَةِ: نسك مِنْ أَشْرَفِ الْعِبَادَاتِ الَّتِي يُتَقَرَّبُ بِهَا إِلَى اللَّهِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: اتَّفَقُوا فِي النُّسُكِ عَلَى أَنَّ أَقَلَّهُ شَاةٌ، لِأَنَّ النُّسُكَ لَا يَتَأَدَّى إِلَّا بِأَحَدِ الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ: الْجَمَلُ، وَالْبَقَرَةُ، وَالشَّاةُ، وَلَمَّا كَانَ أَقَلُّهَا الشَّاةَ، لَا جَرَمَ كَانَ أَقَلُّ الْوَاجِبِ فِي النُّسُكِ هُوَ الشَّاةَ، أَمَّا الصِّيَامُ وَالْإِطْعَامُ فَلَيْسَ فِي الْآيَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى كِمِّيَّتِهِمَا وَكَيْفِيَّتِهِمَا، وَبِمَاذَا يَحْصُلُ بَيَانُهُ فِيهِ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ حَصَلَ عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ، وَهُوَ مَا
رَوَى أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَمَّا مَرَّ بِكَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ وَرَأَى كَثْرَةَ الْهَوَامِّ فِي رَأْسِهِ، قَالَ لَهُ: احْلِقْ ثُمَّ اذْبَحْ شَاةً نُسُكًا أَوْ صُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، أَوْ أَطْعِمْ ثَلَاثَةَ آصُعٍ مِنْ تَمْرٍ عَلَى سِتَّةِ مَسَاكِينَ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: مَا يُرْوَى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنِ أَنَّهُمَا قَالَا: الصِّيَامُ لِلْمُتَمَتِّعِ عَشْرَةُ أَيَّامٍ، وَالْإِطْعَامُ مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْعِدَّةِ، وَحُجَّتُهُمَا أَنَّ الصِّيَامَ وَالْإِطْعَامَ لَمَّا كَانَا مُجْمَلَيْنِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَجَبَ حَمْلُهُمَا عَلَى الْمُفَسَّرِ فِيمَا جَاءَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَهُوَ الَّذِي يَلْزَمُ الْمُتَمَتِّعَ إِذَا لَمْ يَجِدِ الْهَدْيَ، وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: الْآيَةُ دَلَّتْ عَلَى حُكْمِ مَنْ أَقْدَمَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ مَحْظُورَاتِ الْحَجِّ بعذر، أم مَنْ حَلَقَ رَأْسَهُ عَامِدًا بِغَيْرِ عُذْرٍ فَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَبِي حَنِيفَةَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ الدَّمُ، وَقَالَ مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: حُكْمُهُ حُكْمُ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ بِعُذْرٍ، وَالْآيَةُ حُجَّةٌ عَلَيْهِ، لِأَنَّ قَوْلَهُ: فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ يَدُلُّ عَلَى اشْتِرَاطِ هَذَا الْحُكْمِ بِهَذِهِ الْأَعْذَارِ، وَالْمَشْرُوطُ بِالشَّيْءِ عُدِمَ عِنْدَ عَدَمِ الشَّرْطِ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى:
فَإِذا أَمِنْتُمْ فَاعْلَمْ أَنَّ تَقْدِيرَهُ: فَإِذَا أَمِنْتُمْ مِنَ الْإِحْصَارِ، وَقَوْلُهُ: فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فِيهِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: مَعْنَى التَّمَتُّعِ التَّلَذُّذُ، يُقَالُ: تَمَتَّعَ بِالشَّيْءِ أَيْ تَلَذَّذَ بِهِ، وَالْمَتَاعُ: كُلُّ شَيْءٍ يُتَمَتَّعُ بِهِ، وَأَصْلُهُ مِنْ قَوْلِهِمْ: حَبْلٌ مَاتِعٌ أَيْ طَوِيلٌ، وَكُلُّ مَنْ طَالَتْ صُحْبَتُهُ مَعَ الشَّيْءِ فَهُوَ مُتَمَتِّعٌ بِهِ، وَالْمُتَمَتِّعُ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ هُوَ أَنْ يَقْدُمَ مَكَّةَ فَيَعْتَمِرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، ثُمَّ يُقِيمَ بِمَكَّةَ حَلَالًا يُنْشِئُ مِنْهَا الْحَجَّ، فَيَحُجُّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا سُمِّيَ مُتَمَتِّعًا لِأَنَّهُ يَكُونُ مُسْتَمْتِعًا بِمَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ فِيمَا بَيْنَ تَحَلُّلِهِ مِنَ الْعُمْرَةِ إِلَى إِحْرَامِهِ بِالْحَجِّ،

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 5  صفحه : 307
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست