responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 4  صفحه : 96
واعلم أنه على أي الوجهين كان قد صَارَ مَنْسُوخًا، وَاحْتَجَّ الذَّاهِبُونَ إِلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ بِالْقُرْآنِ وَالْخَبَرِ، أَمَّا الْقُرْآنُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ [الْبَقَرَةِ: 115] وَذَلِكَ يَقْتَضِي كَوْنَهُ مُخَيَّرًا فِي التَّوَجُّهِ إِلَى أَيِّ جِهَةٍ شَاءَ، وَأَمَّا الْخَبَرُ فَمَا
رَوَى أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيُّ فِي كِتَابِ «أَحْكَامِ الْقُرْآنِ» : أَنَّ نَفَرًا قَصَدُوا الرَّسُولَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى مَكَّةَ لِلْبَيْعَةِ قَبْلَ الْهِجْرَةِ، وَكَانَ فِيهِمُ الْبَرَاءُ بْنُ مَعْرُورٍ، فَتَوَجَّهَ بِصَلَاتِهِ إِلَى الْكَعْبَةِ فِي طَرِيقِهِ، وَأَبَى الْآخَرُونَ وَقَالُوا: إِنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَتَوَجَّهُ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَلَمَّا قَدِمُوا مَكَّةَ سَأَلُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُ: قَدْ كُنْتَ عَلَى قِبْلَةٍ- يَعْنِي بَيْتَ الْمَقْدِسِ- لَوْ ثَبَتَّ عَلَيْهَا أَجْزَأَكَ وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِاسْتِئْنَافِ الصَّلَاةِ
فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُمْ قَدْ كَانُوا مُخَيَّرِينَ، وَاحْتَجَّ الذَّاهِبُونَ إِلَى الْقَوْلِ الثَّانِي بِأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ: فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَا كَانَ يَرْتَضِي الْقِبْلَةَ الْأُولَى، فَلَوْ كَانَ مُخَيَّرًا بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْكَعْبَةِ مَا كَانَ يَتَوَجَّهُ إِلَيْهَا فَحَيْثُ تَوَجَّهَ إِلَيْهَا مَعَ أَنَّهُ كَانَ مَا يَرْتَضِيهَا عَلِمْنَا أَنَّهُ مَا كَانَ مُخَيَّرًا بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْكَعْبَةِ.
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: الْمَشْهُورُ أَنَّ التَّوَجُّهَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ إِنَّمَا صَارَ مَنْسُوخًا بِالْأَمْرِ بِالتَّوَجُّهِ إِلَى الْكَعْبَةِ، وَمِنَ النَّاسِ مَنْ قَالَ: التَّوَجُّهُ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ صَارَ مَنْسُوخًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ ثُمَّ إِنَّ ذَلِكَ صَارَ مَنْسُوخًا بِقَوْلِهِ: فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَاحْتَجُّوا عَلَيْهِ بِالْقُرْآنِ وَالْأَثَرِ، أَمَّا الْقُرْآنُ فَهُوَ أَنَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ أَوَّلًا قَوْلَهُ: وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ ثم ذكر بعد:
سَيَقُولُ السُّفَهاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها [البقرة: 142] ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَهُ: فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَهَذَا التَّرْتِيبُ يَقْتَضِي صِحَّةَ الْمَذْهَبِ الَّذِي قُلْنَاهُ بِأَنَّ التَّوَجُّهَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ صَارَ مَنْسُوخًا بِقَوْلِهِ: فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ فَلَزِمَ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ تَعَالَى: سَيَقُولُ السُّفَهاءُ مِنَ النَّاسِ مُتَأَخِّرًا فِي النُّزُولِ وَالدَّرَجَةِ عَنْ قوله تعالى: فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ تَقْدِيمُهُ عَلَيْهِ فِي التَّرْتِيبِ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ، فَثَبَتَ مَا قُلْنَاهُ، وَأَمَّا الْأَثَرُ فما روي عن ابن عباس أَمْرَ الْقِبْلَةِ أَوَّلُ مَا نُسِخَ مِنَ الْقُرْآنِ، وَالْأَمْرُ بِالتَّوَجُّهِ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ غَيْرُ مَذْكُورٍ فِي الْقُرْآنِ، إِنَّمَا الْمَذْكُورُ فِي الْقُرْآنِ: وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ نَاسِخًا لِذَلِكَ، لَا لِلْأَمْرِ بِالتَّوَجُّهِ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ.
أَمَّا قَوْلُهُ: فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها فَفِيهِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: فَلَنُوَلِّيَنَّكَ فَلَنُعْطِيَنَّكَ وَلَنُمَكِّنَنَّكَ مِنِ اسْتِقْبَالِهَا مِنْ قَوْلِكَ وَلَّيْتُهُ كَذَا، إذا جعلته والياً له، أو فلنجعلنك تلي سمتها دون سمة بَيْتِ الْمَقْدِسِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ: تَرْضاها فِيهِ وُجُوهٌ. أَحَدُهَا: تَرْضَاهَا تُحِبُّهَا وَتَمِيلُ إِلَيْهَا، لِأَنَّ الْكَعْبَةَ/ كَانَتْ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ غَيْرِهَا بِحَسَبِ مَيْلِ الطَّبْعِ، قَالَ الْقَاضِي: هَذَا لَا يَجُوزُ فَإِنَّهُ مِنَ الْمُحَالِ أَنْ يَقُولَ اللَّهُ تَعَالَى:
فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً يَمِيلُ طَبْعُكَ إِلَيْهَا، لِأَنَّ ذَلِكَ يَقْدَحُ فِي حِكْمَتِهِ تَعَالَى فِيمَا يُكَلِّفُ، وَيَقْدَحُ فِي حَالِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِيمَا يُرِيدُهُ فِي حَالِ التَّكْلِيفِ، وَهَذَا الِاعْتِرَاضُ ضَعِيفٌ لِأَنَّ الطَّعْنَ إِنَّمَا يَتَوَجَّهُ لَوْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:
إِنَّا حَوَّلْنَاكَ إِلَى الْقِبْلَةِ الَّتِي مَالَ طَبْعُكَ إِلَيْهَا بِمُجَرَّدِ مَيْلِ طَبْعِكَ فَأَمَّا لَوْ قَالَ: إِنَّا حَوَّلْنَاكَ إِلَى الْقِبْلَةِ الَّتِي مَالَ طَبْعُكَ إِلَيْهَا لِأَجْلِ أَنَّ الْحِكْمَةَ وَالْمَصْلَحَةَ وَافَقَتْ مَيْلَ طَبْعِكَ فَأَيُّ ضَرَرٍ يَلْزَمُ مِنْهُ
وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «وَجُعِلَتْ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاةِ»
فَكَانَ طَبْعُهُ يَمِيلُ إِلَى الصَّلَاةِ مَعَ أَنَّ الْمَصْلَحَةَ كَانَتْ مُوَافِقَةً لِذَلِكَ. وَثَانِيهَا: قِبْلَةً

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 4  صفحه : 96
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست