responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 4  صفحه : 6
أَوْ نَصارى
وتِلْكَ أَمانِيُّهُمْ اعْتِرَاضٌ،
قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «الْكَيِّسُ مَنْ دَانَ نَفْسَهُ، وَعَمِلَ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ، وَالْعَاجِزُ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا، وَتَمَنَّى عَلَى اللَّهِ الْأَمَانِيَّ»
وَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «لَا تَتَّكِلْ عَلَى الْمُنَى فَإِنَّهَا بَضَائِعُ التَّوَلِّي» .
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ فَفِيهِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: هَاتِ: صَوْتٌ بِمَنْزِلَةِ هَاءِ فِي مَعْنَى أَحْضِرْ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: دَلَّتِ الْآيَةُ عَلَى أَنَّ الْمُدَّعِيَ سَوَاءٌ ادَّعَى نَفْيًا، أَوْ إِثْبَاتًا، فَلَا بُدَّ لَهُ مِنَ الدَّلِيلِ وَالْبُرْهَانِ، وَذَلِكَ مِنْ أَصْدَقِ الدَّلَائِلِ عَلَى بُطْلَانِ الْقَوْلِ بِالتَّقْلِيدِ قَالَ الشَّاعِرُ:
مَنِ ادَّعَى شَيْئًا بِلَا شَاهِدٍ ... لَا بُدَّ أَنْ تَبْطُلَ دَعْوَاهُ
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: بَلى فَفِيهِ وُجُوهٌ. الْأَوَّلُ: أَنَّهُ إِثْبَاتٌ لِمَا نَفَوْهُ مِنْ دُخُولِ غَيْرِهِمُ الْجَنَّةَ. الثَّانِي: أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا نَفَى أَنْ يَكُونَ لَهُمْ بُرْهَانٌ أَثْبَتَ أَنَّ لِمَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ بُرْهَانًا. الثَّالِثُ: كَأَنَّهُ قِيلَ لَهُمْ: أَنْتُمْ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ لَا تَفُوزُونَ بِالْجَنَّةِ، بَلَى إِنْ غَيَّرْتُمْ طَرِيقَتَكُمْ وَأَسْلَمْتُمْ وَجْهَكُمْ لِلَّهِ وَأَحْسَنْتُمْ فَلَكُمُ الْجَنَّةُ، فَيَكُونُ ذَلِكَ تَرْغِيبًا لَهُمْ فِي الْإِسْلَامِ، وَبَيَانًا لِمُفَارَقَةِ حَالِهِمْ لِحَالِ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ لِكَيْ يُقْلِعُوا عَمَّا هُمْ عَلَيْهِ وَيَعْدِلُوا إِلَى هَذِهِ الطَّرِيقَةِ، فَأَمَّا مَعْنَى: مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ فَهُوَ إِسْلَامُ النَّفْسِ لِطَاعَةِ اللَّهِ، وَإِنَّمَا خَصَّ الْوَجْهَ بِالذِّكْرِ لِوُجُوهٍ. أَحَدُهَا: لِأَنَّهُ أَشْرَفُ الْأَعْضَاءِ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ مَعْدِنُ الْحَوَاسِّ وَالْفِكْرِ وَالتَّخَيُّلِ، فَإِذَا تَوَاضَعَ الْأَشْرَفُ كَانَ غَيْرُهُ أَوْلَى. وَثَانِيهَا: أَنَّ الْوَجْهَ قَدْ يُكَنَّى بِهِ عَنِ النَّفْسِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ، [الْقَصَصِ: 88] إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى [اللَّيْلِ: 20] . وَثَالِثُهَا: أَنَّ أَعْظَمَ الْعِبَادَاتِ السَّجْدَةُ وَهِيَ إِنَّمَا تَحْصُلُ بِالْوَجْهِ فَلَا جَرَمَ خَصَّ الْوَجْهَ بِالذِّكْرِ، وَلِهَذَا قَالَ زَيْدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ.
وَأَسْلَمْتُ وَجْهِي لِمَنْ أَسْلَمَتْ ... لَهُ الْأَرْضُ تَحْمِلُ صَخْرًا ثِقَالًا
وَأَسْلَمْتُ وَجْهِي لِمَنْ أَسْلَمَتْ ... لَهُ الْمُزْنُ تَحْمِلُ عَذْبًا زُلَالًا
فَيَكُونُ الْمَرْءُ وَاهِبًا نَفْسَهُ لِهَذَا الْأَمْرِ بِإِذْلَالِهَا، وَذَكَرَ الْوَجْهَ وَأَرَادَ بِهِ نَفْسَ الشَّيْءِ، وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إِلَّا بِالِانْقِيَادِ وَالْخُضُوعِ وَإِذْلَالِ النَّفْسِ فِي طَاعَتِهِ وَتَجَنُّبِ مَعَاصِيهِ، وَمَعْنَى (لِلَّهِ) أَيْ: خَالِصًا لِلَّهِ لَا يَشُوبُهُ شِرْكٌ، فَلَا يَكُونُ عَابِدًا مَعَ اللَّهِ غَيْرَهُ، أَوْ مُعَلِّقًا رَجَاءَهُ بِغَيْرِهِ، وَفِي ذَلِكَ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْمَرْءَ لَا يَنْتَفِعُ بِعَمَلِهِ إِلَّا إِذَا فَعَلَهُ عَلَى وَجْهِ الْعِبَادَةِ فِي الْإِخْلَاصِ وَالْقُرْبَةِ.
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: وَهُوَ مُحْسِنٌ أَيْ: لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ تَوَاضُعُهُ لِلَّهِ بِفِعْلٍ حَسَنٍ لَا بِفِعْلٍ قَبِيحٍ، فَإِنَّ الْهِنْدَ يَتَوَاضَعُونَ لِلَّهِ لَكِنْ بِأَفْعَالٍ قَبِيحَةٍ، وَمَوْضِعُ قَوْلِهِ: وَهُوَ مُحْسِنٌ مَوْضِعُ حَالٍ كَقَوْلِكَ: جَاءَ فُلَانٌ وَهُوَ رَاكِبٌ، أَيْ جَاءَ فُلَانٌ رَاكِبًا، ثُمَّ بَيَّنَ أَنَّ مَنْ جَمَعَ بَيْنَ هَذَيْنِ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ، يَعْنِي بِهِ الثَّوَابَ الْعَظِيمَ، ثُمَّ مَعَ هَذَا النَّعِيمِ لَا يَلْحَقُهُ خَوْفٌ وَلَا حُزْنٌ، فَأَمَّا الْخَوْفُ فَلَا يَكُونُ إِلَّا مِنَ الْمُسْتَقْبَلِ، وَأَمَّا الْحُزْنُ فَقَدْ يَكُونُ مِنَ الْوَاقِعِ وَالْمَاضِي كَمَا قَدْ يَكُونُ مِنَ الْمُسْتَقْبَلِ فَنَبَّهَ تَعَالَى بِالْأَمْرَيْنِ عَلَى نِهَايَةِ السَّعَادَةِ لِأَنَّ النَّعِيمَ الْعَظِيمَ إِذَا دَامَ وَكَثُرَ وَخَلُصَ مِنَ الْخَوْفِ وَالْحُزْنِ فَلَا يَحْزَنُ عَلَى أَمْرٍ فَاتَهُ وَلَا عَلَى أَمْرٍ يَنَالُهُ وَلَا يَخَافُ انْقِطَاعَ مَا هُوَ فِيهِ وَتَغَيُّرَهُ فَقَدْ بَلَغَ النِّهَايَةَ وَفِي ذَلِكَ تَرْغِيبٌ فِي هَذِهِ الطَّرِيقَةِ وَتَحْذِيرٌ مِنْ خِلَافِهَا الَّذِي هُوَ طَرِيقَةُ الْكُفَّارِ الْمَذْكُورِينَ مِنْ قَبْلُ، وَاعْلَمْ أنه تعالى

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 4  صفحه : 6
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست