responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 4  صفحه : 41
وَالْعُبُودِيَّةِ لَمَا قَدَرْنَا عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّا مِنْ أَوَّلِ الْحَيَاةِ إِلَى آخِرِهَا مَا صِرْنَا مُنْفَكِّينَ لَحْظَةً وَاحِدَةً مِنْ أَنْوَاعِ نِعَمِهِ عَلَى ظَاهِرِنَا وَبَاطِنِنَا وَكُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْ تِلْكَ النِّعَمِ تَسْتَدْعِي شُكْرًا عَلَى حِدَةٍ وَخِدْمَةً عَلَى حِدَةٍ، ثُمَّ إِنَّا مَا أَتَيْنَا بِهَا بَلْ مَا تَنَبَّهْنَا لَهَا وَمَا عَرَفْنَا كَيْفِيَّتَهَا وَكَمِّيَّتَهَا، ثُمَّ إِنَّهُ سُبْحَانَهُ عَلَى تَزَايُدِ غَفْلَتِنَا وَتَقْصِيرِنَا يَزِيدُ فِي أَنْوَاعِ النِّعَمِ وَالرَّحْمَةِ وَالْكَرَمِ، فَكُنَّا مِنْ أَوَّلِ عُمْرِنَا إِلَى آخِرِهِ لَا نَزَالُ نَتَزَايَدُ فِي دَرَجَاتِ النُّقْصَانِ وَالتَّقْصِيرِ وَاسْتِحْقَاقِ الذَّمِّ، وَهُوَ سُبْحَانَهُ لَا يَزَالُ يَزِيدُ فِي الْإِحْسَانِ وَاللُّطْفِ وَالْكَرَمِ، وَاسْتِحْقَاقِ الْحَمْدِ وَالثَّنَاءِ فَإِنَّهُ كُلَّمَا كَانَ تَقْصِيرُنَا أَشَدَّ كَانَ إِنْعَامُهُ عَلَيْنَا بَعْدَ ذَلِكَ أَعْظَمَ وَقْعًا وَكُلَّمَا كَانَ إِنْعَامُهُ عَلَيْنَا أَكْثَرَ وَقْعًا، كَانَ تَقْصِيرُنَا فِي شُكْرِهِ أَقْبَحَ وَأَسْوَأَ، فَلَا تَزَالُ أَفْعَالُنَا تَزْدَادُ قَبَائِحَ وَمَحَاسِنُ أَفْعَالِهِ عَلَى سَبِيلِ الدَّوَامِ بِحَيْثُ لَا تُفْضِي إِلَى الِانْقِطَاعِ ثُمَّ إِنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: لَا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ وَهَذَا تَخْوِيفٌ شَدِيدٌ لَكُنَّا نَقُولُ: إِلَهَنَا صَدَرَ مِنْكَ مَا يَلِيقُ بِكَ مِنَ الْكَرَمِ وَالْعَفْوِ وَالرَّحْمَةِ وَالْإِحْسَانِ وَصَدَرَ مِنَّا مَا يَلِيقُ بِنَا مِنَ الْجَهْلِ وَالْغَدْرِ وَالتَّقْصِيرِ وَالْكَسَلِ، فَنَسْأَلُكَ بِكَ وَبِفَضْلِكَ الْعَمِيمِ أَنْ تَتَجَاوَزَ عنا يا أرحم الراحمين.

[سورة البقرة (2) : آية 125]
وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (125)
اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى بَيَّنَ كَيْفِيَّةَ حَالِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ حِينَ كَلَّفَهُ بِالْإِمَامَةِ، وَهَذَا شَرْحُ التَّكْلِيفِ الثَّانِي، وَهُوَ التَّكْلِيفُ بِتَطْهِيرِ الْبَيْتِ، ثُمَّ نَقُولُ: أَمَّا الْبَيْتُ فَإِنَّهُ يُرِيدُ الْبَيْتَ الْحَرَامَ، وَاكْتَفَى بِذِكْرِ الْبَيْتِ مُطْلَقًا لِدُخُولِ الْأَلِفِ وَاللَّامِ عَلَيْهِ، إِذَا كَانَتَا تَدْخُلَانِ لِتَعْرِيفِ الْمَعْهُودِ أَوِ الْجِنْسِ، وَقَدْ عَلِمَ الْمُخَاطَبُونَ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهِ الْجِنْسَ فَانْصَرَفَ إِلَى الْمَعْهُودِ عِنْدَهُمْ وَهُوَ الْكَعْبَةُ، ثُمَّ نَقُولُ: لَيْسَ الْمُرَادُ نَفْسَ الْكَعْبَةِ، لِأَنَّهُ تَعَالَى وَصَفَهُ بِكَوْنِهِ أَمْناً وَهَذَا صِفَةُ جَمِيعِ الْحَرَمِ لَا صِفَةُ الْكَعْبَةِ فَقَطْ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ إِطْلَاقُ الْبَيْتِ وَالْمُرَادُ مِنْهُ كُلُّ الْحَرَمِ قَوْلُهُ تَعَالَى: هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ [الْمَائِدَةِ: 95] وَالْمُرَادُ الْحَرَمُ كُلُّهُ لَا الْكَعْبَةُ نَفْسُهَا، لِأَنَّهُ لَا يُذْبَحُ فِي الْكَعْبَةِ، وَلَا فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هَذَا
[التَّوْبَةِ: 28] ، وَالْمُرَادُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ مَنْعُهُمْ مِنَ الْحَجِّ حُضُورَ مَوَاضِعِ النُّسُكِ، وَقَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً [الْعَنْكَبُوتِ: 67] وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي آيَةٍ أُخْرَى مُخْبِرًا عَنْ إِبْرَاهِيمَ: رَبِّ/ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً [إِبْرَاهِيمَ: 35] فَدَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّهُ وَصَفَ الْبَيْتَ بِالْأَمْنِ فَاقْتَضَى جَمِيعَ الْحَرَمِ، وَالسَّبَبُ فِي أَنَّهُ تَعَالَى أَطْلَقَ لَفْظَ الْبَيْتِ وَعَنَى بِهِ الْحَرَمَ كُلَّهُ أَنَّ حرمة الحرم لما كانت معلقة بِالْبَيْتِ جَازَ أَنْ يُعَبَّرَ عَنْهُ بِاسْمِ الْبَيْتِ.
أما قوله: مَثابَةً لِلنَّاسِ فَفِيهِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ: أَصْلُهُ مِنْ ثَابَ يَثُوبُ مَثَابَةً وَثَوْبًا إِذَا رَجَعَ يُقَالُ: ثَابَ الْمَاءُ إِذَا رَجَعَ إِلَى النَّهْرِ بَعْدَ انْقِطَاعِهِ، وَثَابَ إِلَى فُلَانٍ عَقْلُهُ أَيْ رَجَعَ وَتَفَرَّقَ عَنْهُ النَّاسُ، ثُمَّ ثَابُوا: أَيْ عَادُوا مُجْتَمِعِينَ، وَالثَّوَابُ مِنْ هَذَا أُخِذَ، كَأَنَّ مَا أَخْرَجَهُ مِنْ مَالٍ أَوْ غَيْرِهِ فَقَدْ رَجَعَ إِلَيْهِ، وَالْمَثَابُ مِنَ الْبِئْرِ: مُجْتَمَعُ الْمَاءِ فِي أَسْفَلِهَا، قَالَ الْقَفَّالُ قِيلَ: إِنَّ مَثَابًا وَمَثَابَةً لُغَتَانِ مِثْلُ: مَقَامٍ وَمَقَامَةٍ وَهُوَ قَوْلُ الْفَرَّاءِ وَالزَّجَّاجِ، وَقِيلَ: الْهَاءُ إِنَّمَا دَخَلَتْ فِي مَثَابَةٍ مُبَالَغَةً كَمَا فِي قولهم: نسابة وعلامة، وأصل مثابة مثوبة مَفْعُلَةٍ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَالَ الْحَسَنُ: مَعْنَاهُ أَنَّهُمْ يَثُوبُونَ إِلَيْهِ فِي كُلِّ عَامٍ، وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٍ: أَنَّهُ لَا يَنْصَرِفُ

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 4  صفحه : 41
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست