responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 4  صفحه : 181
لَا يَنْتَفِعُونَ بِالْأَسْبَابِ عَلَى اخْتِلَافِهَا مِنْ مَنْزِلَةٍ وسبب ونسب وخلف وَعَقْدٍ وَعَهْدٍ، وَذَلِكَ نِهَايَةُ مَا يَكُونُ مِنَ الْيَأْسِ فَحَصَلَ فِيهِ التَّوْكِيدُ الْعَظِيمُ فِي الزَّجْرِ.
المسألة الثانية: الباء في قوله: بِهِمُ الْأَسْبابُ بمعنى (عن) كقوله تعالى: فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً [الْفُرْقَانِ: 59] أَيْ عَنْهُ قَالَ عَلْقَمَةُ بْنُ عَبْدَةَ:
فَإِنْ تَسْأَلُونِي بِالنِّسَاءِ فَإِنَّنِي ... بَصِيرٌ بِأَدْوَاءِ النِّسَاءِ طَبِيبُ
أَيْ عَنِ النِّسَاءِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: أَصْلُ السَّبَبِ فِي اللُّغَةِ الْحَبْلُ قَالُوا: وَلَا يُدْعَى الْحَبْلُ سَبَبًا حَتَّى يَنْزِلَ وَيَصْعَدَ بِهِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّماءِ [الْحَجِّ: 15] ثُمَّ قِيلَ لِكُلِّ شَيْءٍ وَصَلْتَ بِهِ إِلَى مَوْضِعٍ أَوْ حَاجَةٍ تُرِيدُهَا سَبَبٌ. يُقَالُ: مَا بَيْنِي وَبَيْنَكَ سَبَبٌ أَيْ رَحِمٌ وَمَوَدَّةٌ، وَقِيلَ لِلطَّرِيقِ: سَبَبٌ لِأَنَّكَ بِسُلُوكِهِ تَصِلُ الْمَوْضِعَ الَّذِي تُرِيدُهُ، قَالَ تَعَالَى: فَأَتْبَعَ سَبَباً [الكهف: 85] أي طريقا، وأسباب السموات: أَبْوَابُهَا لِأَنَّ الْوُصُولَ إِلَى السَّمَاءِ يَكُونُ بِدُخُولِهَا، قَالَ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ فِرْعَوْنَ: لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ أَسْبابَ السَّماواتِ [غَافِرٍ: 36، 37] قَالَ زُهَيْرٌ:
وَمَنْ هَابَ أَسْبَابَ الْمَنَايَا تَنَالُهُ ... وَلَوْ رَامَ أَسْبَابَ السَّمَاءِ بِسُلَّمِ
وَالْمَوَدَّةُ بَيْنَ الْقَوْمِ تُسَمَّى سَبَبًا لِأَنَّهُمْ بِهَا يَتَوَاصَلُونَ.
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: وَقالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَما تَبَرَّؤُا مِنَّا فَذَلِكَ تَمَنٍّ مِنْهُمْ لِأَنْ يَتَمَكَّنُوا مِنَ الرَّجْعَةِ إِلَى الدُّنْيَا وَإِلَى حَالِ التَّكْلِيفِ فَيَكُونُ الاختيار إليهم حتى يتبرءون منهم في الدنيا كما تبرؤا مِنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَفْهُومُ الْكَلَامِ أَنَّهُمْ تَمَنَّوْا لَهُمْ فِي الدُّنْيَا مَا يُقَارِبُ الْعَذَابَ فَيَتَبَرَّءُونَ مِنْهُمْ وَلَا يُخَلِّصُونَهُمْ وَلَا يَنْصُرُونَهُمْ كَمَا فَعَلُوا بِهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَتَقْدِيرُهُ: فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ وَقَدْ دَهَمَهُمْ مِثْلُ هَذَا الخطب كما تبرؤا منا والحالة هذه لأنهم إن تمنوا التبرأ مِنْهُمْ مَعَ سَلَامَةٍ فَلَيْسَ فِيهِ فَائِدَةٌ.
أَمَّا قَوْلُهُ: كَذلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمالَهُمْ حَسَراتٍ عَلَيْهِمْ فَفِيهِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: فِي قَوْلِهِ: كَذلِكَ يُرِيهِمُ وَجْهَانِ. الْأَوَّلُ: كَتَبَرُّؤِ بَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ وَذَلِكَ لِانْقِطَاعِ الرَّجَاءِ مِنْ كُلِّ أَحَدٍ. الثَّانِي: كَمَا أَرَاهُمُ الْعَذَابَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ، لِأَنَّهُمْ أَيْقَنُوا بِالْهَلَاكِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: فِي الْمُرَادِ بِالْأَعْمَالِ أَقْوَالٌ. الْأَوَّلُ: الطَّاعَاتُ يَتَحَسَّرُونَ لِمَ ضَيَّعُوهَا عَنِ السُّدِّيِّ. الثَّانِي:
الْمَعَاصِي وَأَعْمَالُهُمُ الْخَبِيثَةُ عَنِ الرَّبِيعِ وَابْنِ زَيْدٍ يَتَحَسَّرُونَ لِمَ عَمِلُوهَا. الثَّالِثُ: ثَوَابُ طَاعَاتِهِمُ الَّتِي أَتَوْا بِهَا فَأَحْبَطُوهُ بِالْكُفْرِ عَنِ الْأَصَمِّ. الرَّابِعُ: أَعْمَالُهُمُ الَّتِي تَقَرَّبُوا بِهَا إِلَى رُؤَسَائِهِمْ مِنْ تَعْظِيمِهِمْ وَالِانْقِيَادِ لِأَمْرِهِمْ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ الْأَعْمَالُ الَّتِي اتَّبَعُوا فِيهَا السَّادَةَ، وَهُوَ كُفْرُهُمْ وَمَعَاصِيهِمْ، وَإِنَّمَا تَكُونُ حَسْرَةً بِأَنْ رَأَوْهَا فِي صَحِيفَتِهِمْ، وَأَيْقَنُوا بِالْجَزَاءِ عَلَيْهَا، وَكَانَ يُمْكِنُهُمْ تَرْكُهَا وَالْعُدُولُ إِلَى الطَّاعَاتِ، وَفِي هَذَا الْوَجْهِ الْإِضَافَةُ حَقِيقِيَّةٌ لِأَنَّهُمْ عَمِلُوهَا، وَفِي الثَّانِي مَجَازٌ بِمَعْنَى لَزِمَهُمْ فَلَمْ يَقُومُوا بِهِ.

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 4  صفحه : 181
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست