responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 4  صفحه : 178
لِلْبَشَرِ، فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ كَمَالَاتُهُمْ حَاضِرَةٌ بِالْفِعْلِ، وَالْبَهَائِمُ لَا تَسْتَعِدُّ لَهَا أَمَّا الْبَشَرُ فَهُمُ الْمُتَرَدِّدُونَ بَيْنَ جِهَتَيِ السَّفَالَةِ وَالْعُلُوِّ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: فِي بَيَانِ أَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا هُمْ أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ، أَمَّا الْمُتَكَلِّمُونَ فَقَالُوا: إِنَّ حُبَّهُمْ لِلَّهِ/ يكون من وجهين. أحدهما: أنه مَا يَصْدُرُ مِنْهُمْ مِنَ التَّعْظِيمِ، وَالْمَدْحِ، وَالثَّنَاءِ وَالْعِبَادَةِ خَالِصَةٌ عَنِ الشِّرْكِ وَعَمَّا لَا يَنْبَغِي مِنَ الِاعْتِقَادِ وَمَحَبَّةُ غَيْرِهِمْ لَيْسَتْ كَذَلِكَ. وَالثَّانِي: أَنَّ حُبَّهُمْ لِلَّهِ اقْتَرَنَ بِهِ الرَّجَاءُ وَالثَّوَابُ وَالرَّغْبَةُ فِي عَظِيمِ مَنْزِلَتِهِ وَالْخَوْفُ مِنَ الْعِقَابِ وَالْأَخْذُ فِي طَرِيقِ التَّخَلُّصِ مِنْهُ، وَمَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَيُعَظِّمُهُ عَلَى هَذَا الْحَدِّ تَكُونُ مَحَبَّتُهُ لِلَّهِ أَشَدَّ، وَأَمَّا الْعَارِفُونَ فَقَالُوا: الْمُؤْمِنُونَ هُمُ الَّذِينَ عَرَفُوا اللَّهَ بِقَدْرِ الطَّاقَةِ الْبَشَرِيَّةِ، وَقَدْ دَلَّلْنَا عَلَى أَنَّ الْحُبَّ مِنْ لَوَازِمِ الْعِرْفَانِ فكلما كان عرفناهم أَتَمَّ وَجَبَ أَنْ تَكُونَ مَحَبَّتُهُمْ أَشَدَّ، فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ مَحَبَّةُ الْمُؤْمِنِينَ لِلَّهِ تَعَالَى أَشَدُّ مَعَ أَنَّا نَرَى الْهُنُودَ يَأْتُونَ بِطَاعَاتٍ شَاقَّةٍ لَا يَأْتِي بِشَيْءٍ مِنْهَا أَحَدٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَلَا يَأْتُونَ بِهَا إِلَّا لِلَّهِ تَعَالَى ثُمَّ يَقْتُلُونَ أَنْفُسَهُمْ حُبًّا لِلَّهِ.
وَالْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ. أَحَدُهَا: أَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَتَضَرَّعُونَ إِلَّا إِلَى اللَّهِ بِخِلَافِ الْمُشْرِكِينَ فَإِنَّهُمْ يَعْدِلُونَ إِلَى اللَّهِ عِنْدَ الْحَاجَةِ، وَعِنْدَ زَوَالِ الْحَاجَةِ، يَرْجِعُونَ إِلَى الْأَنْدَادِ، قَالَ تَعَالَى: فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ [الْعَنْكَبُوتِ: 6] إِلَى آخِرِهِ وَالْمُؤْمِنُ لَا يُعْرِضُ عَنِ اللَّهِ فِي الضَّرَّاءِ وَالسَّرَّاءِ وَالشِّدَّةِ وَالرَّخَاءِ، وَالْكَافِرُ قَدْ يُعْرِضُ عَنْ رَبِّهِ، فَكَانَ حُبُّ الْمُؤْمِنِ أَقْوَى. وَثَانِيهَا: أَنَّ مَنْ أَحَبَّ غَيْرَهُ رَضِيَ بِقَضَائِهِ، فَلَا يَتَصَرَّفُ فِي مِلْكِهِ، فَأُولَئِكَ الْجُهَّالُ قَتَلُوا أَنْفُسَهُمْ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، أَمَّا الْمُؤْمِنُونَ فَقَدْ يَقْتُلُونَ أَنْفُسَهُمْ بِإِذْنِهِ، وَذَلِكَ فِي الْجِهَادِ.
وَثَالِثُهَا: أَنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا ابْتُلِيَ بِالْعَذَابِ الشَّدِيدِ لَا يُمْكِنُهُ الِاشْتِغَالُ بِمَعْرِفَةِ الرَّبِّ، فَالَّذِي فَعَلُوهُ بَاطِلٌ. وَرَابِعُهَا:
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّ الْمُشْرِكِينَ كَانُوا يَعْبُدُونَ صَنَمًا، فَإِذَا رَأَوْا شَيْئًا أَحْسَنَ مِنْهُ تَرَكُوا ذَلِكَ وَأَقْبَلُوا عَلَى عِبَادَةِ الْأَحْسَنِ. وَخَامِسُهَا: أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ يُوَحِّدُونَ رَبَّهَمْ، وَالْكُفَّارَ يَعْبُدُونَ مَعَ الصَّنَمِ أَصْنَامًا فَتَنْقُصُ مَحَبَّةُ الْوَاحِدِ، أَمَّا الْإِلَهُ الْوَاحِدُ فَتَنْضَمُّ مَحَبَّةُ الْجَمِيعِ إِلَيْهِ.
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً فَفِيهِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: اعْلَمْ أَنَّ فِي قِرَاءَةِ هَذِهِ الْآيَةِ أَبْحَاثًا:
الْبَحْثُ الْأَوَّلُ: قَرَأَ نَافِعٌ وَابْنُ عُمَرَ: (وَلَوْ تَرَى) بِالتَّاءِ الْمَنْقُوطَةِ مِنْ فَوْقُ خِطَابًا لِلنَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ، كَأَنَّهُ قَالَ: لَوْ تَرَى يَا مُحَمَّدُ الَّذِينَ ظَلَمُوا، وَالْبَاقُونَ بِالْيَاءِ الْمَنْقُوطَةِ مِنْ تَحْتُ عَلَى الْإِخْبَارِ عَمَّنْ جَرَى ذِكْرُهُمْ كَأَنَّهُ قَالَ: وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ بِاتِّخَاذِ الْأَنْدَادِ، ثُمَّ قَالَ بَعْضُهُمْ: هَذِهِ الْقِرَاءَةُ أَوْلَى، لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُسْلِمِينَ قَدْ عَلِمُوا قَدْرَ مَا يُشَاهِدُهُ الْكُفَّارُ، وَيُعَايِنُونَ مِنَ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، أَمَّا الْمُتَوَعَّدُونَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ فَهُمُ الَّذِينَ لَمْ يَعْلَمُوا ذَلِكَ، فَوَجَبَ إِسْنَادُ الْفِعْلِ إِلَيْهِمْ.
الْبَحْثُ الثَّانِي: اخْتَلَفُوا فِي يَرَوْنَ فَقَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ: (يُرَوْنَ) بِضَمِّ الْيَاءِ عَلَى التَّعْدِيَةِ وَحُجَّتُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى:
كَذلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمالَهُمْ حَسَراتٍ عَلَيْهِمْ وَالْبَاقُونَ (يَرَوْنَ) بِالْفَتْحِ عَلَى إِضَافَةِ الرُّؤْيَةِ إِلَيْهِمْ.
البحث الثالث: اخْتَلَفُوا فِي أَنَّ فَقَرَأَ بَعْضُ الْقُرَّاءِ (إِنَّ) بِكَسْرِ الْأَلِفِ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ وَأَمَّا الْقُرَّاءُ السَّبْعُ فَعَلَى فَتْحِ الْأَلِفِ فِيهَا.

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 4  صفحه : 178
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست