responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 4  صفحه : 175
يُطِيعُونَهُمْ فَيُحِلُّونَ لِمَكَانِ طَاعَتِهِمْ مَا حَرَّمَ اللَّهُ، وَيُحَرِّمُونَ مَا أَحَلَّ اللَّهُ، عَنِ السُّدِّيِّ، وَالْقَائِلُونَ بِهَذَا الْقَوْلِ رَجَّحُوا هَذَا الْقَوْلَ عَلَى الْأَوَّلِ مِنْ وُجُوهٍ. الْأَوَّلُ: أَنَّ قَوْلَهُ: يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ الْهَاءُ وَالْمِيمُ فِيهِ ضَمِيرُ الْعُقَلَاءِ.
الثَّانِي: أَنَّهُ يَبْعُدُ أَنَّهُمْ كَانُوا يُحِبُّونَ الْأَصْنَامَ كَمَحَبَّتِهِمُ اللَّهِ تَعَالَى مَعَ عِلْمِهِمْ بِأَنَّهَا لَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ. الثَّالِثُ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَكَرَهُ بَعْدَ هَذِهِ الْآيَةِ: إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا
[الْبَقَرَةِ: 166] وَذَلِكَ لَا يَلِيقُ إلا بمن اتخذ الرجال أنداد وَأَمْثَالًا لِلَّهِ تَعَالَى، يَلْتَزِمُونَ مِنْ تَعْظِيمِهِمْ وَالِانْقِيَادِ لَهُمْ، مَا يَلْتَزِمُهُ الْمُؤْمِنُونَ مِنَ الِانْقِيَادِ لِلَّهِ تَعَالَى.
الْقَوْلُ الثَّالِثُ: فِي تَفْسِيرِ الْأَنْدَادِ قَوْلُ الصُّوفِيَّةِ وَالْعَارِفِينَ، وَهُوَ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ شَغَلْتَ قبلك بِهِ سِوَى اللَّهِ تَعَالَى، فَقَدْ جَعَلْتَهُ فِي قبلك نِدًّا لِلَّهِ تَعَالَى وَهُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ: أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ [الفرقان: 43] .
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ مَحَبَّةَ ذَاتِهِمْ فَلَا بُدَّ مِنْ مَحْذُوفٍ، وَالْمُرَادُ يُحِبُّونَ عَادَتَهُمْ أَوِ التَّقَرُّبَ إِلَيْهِمْ وَالِانْقِيَادَ لَهُمْ، أَوْ جَمِيعَ ذَلِكَ، وَقَوْلُهُ: كَحُبِّ اللَّهِ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: قِيلَ فِيهِ كَحُبِّهِمْ لِلَّهِ، وَقِيلَ فِيهِ: كَالْحُبِّ اللَّازِمِ عَلَيْهِمْ لِلَّهِ، وَقِيلَ فِيهِ: كَحُبِّ الْمُؤْمِنِينَ لِلَّهِ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا هَذَا الِاخْتِلَافَ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي أَنَّهُمْ هَلْ كَانُوا يَعْرِفُونَ اللَّهَ أَمْ لا؟ فمن قال: كانوا يعرفون مَعَ اتِّخَاذِهِمُ الْأَنْدَادَ تَأَوَّلَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ كَحُبِّهِمْ لِلَّهِ وَمَنْ قَالَ إِنَّهُمْ مَا كَانُوا عَارِفِينَ بِرَبِّهِمْ حَمَلَ الْآيَةَ عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ الْبَاقِيَيْنِ إِمَّا كَالْحُبِّ اللَّازِمِ لَهُمْ أَوْ كَحُبِّ الْمُؤْمِنِينَ لِلَّهِ وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَقْرَبُ لِأَنَّ قَوْلَهُ: يُحِبُّونَهُمْ/ كَحُبِّ اللَّهِ رَاجِعٌ إِلَى النَّاسِ الَّذِينَ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُمْ، وَظَاهِرُ قَوْلِهِ: كَحُبِّ اللَّهِ يَقْتَضِي حُبًّا لِلَّهِ ثَابِتًا فِيهِمْ، فَكَأَنَّهُ تَعَالَى بَيَّنَ فِي الْآيَةِ السَّالِفَةِ أَنَّ الْإِلَهَ وَاحِدٌ، وَنَبَّهَ عَلَى دَلَائِلِهِ، ثُمَّ حَكَى قَوْلَ مَنْ يُشْرِكُ مَعَهُ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي كَوْنَهُمْ مُقِرِّينَ بِاللَّهِ تَعَالَى.
فَإِنْ قِيلَ: الْعَاقِلُ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ حُبُّهُ لِلْأَوْثَانِ كَحُبِّهِ لِلَّهِ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ بِضَرُورَةِ الْعَقْلِ يَعْلَمُ أَنَّ هَذِهِ الْأَوْثَانَ أَحْجَارٌ لَا تَنْفَعُ، وَلَا تَضُرُّ، وَلَا تَسْمَعُ، وَلَا تُبْصِرُ وَلَا تَعْقِلُ، وَكَانُوا مُقِرِّينَ بِأَنَّ لِهَذَا الْعَالَمِ صَانِعًا مُدَبِّرًا حَكِيمًا وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ [الزمر: 38] وَمَعَ هَذَا الِاعْتِقَادِ كَيْفَ يُعْقَلُ أَنْ يَكُونَ حُبُّهُمْ لِتِلْكَ الْأَوْثَانِ كَحُبِّهِمْ لِلَّهِ تَعَالَى، وَأَيْضًا فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَكَى عَنْهُمْ أَنَّهُمْ قَالُوا: مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى [الزُّمَرِ: 3] وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ، كَانَ الْمَقْصُودُ الْأَصْلِيُّ طلب مرضات اللَّهِ تَعَالَى، فَكَيْفَ يُعْقَلُ الِاسْتِوَاءُ فِي الْحُبِّ مَعَ هَذَا الْقَوْلِ، قُلْنَا قَوْلُهُ: يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ أَيْ فِي الطَّاعَةِ لَهَا، وَالتَّعْظِيمِ لَهَا، فَالِاسْتِوَاءُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ فِي الْمَحَبَّةِ لَا يُنَافِي مَا ذَكَرْتُمُوهُ.
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ فَفِيهِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: فِي الْبَحْثِ عَنْ مَاهِيَّةِ مَحَبَّةِ الْعَبْدِ لِلَّهِ تَعَالَى، اعْلَمْ أَنَّهُ لَا نِزَاعَ بَيْنَ الْأُمَّةِ فِي إِطْلَاقِ هَذِهِ اللَّفْظَةِ، وَهِيَ أَنَّ الْعَبْدَ قَدْ يُحِبُّ اللَّهَ تَعَالَى، وَالْقُرْآنُ نَاطِقٌ بِهِ، كَمَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ، وَكَمَا فِي قَوْلِهِ: يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ [الْمَائِدَةِ: 54] وَكَذَا الْأَخْبَارُ،
رُوِيَ أَنَّ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ لِمَلَكِ الْمَوْتِ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَقَدْ جَاءَهُ لِقَبْضِ رُوحِهِ: هَلْ رَأَيْتَ خَلِيلًا يُمِيتُ خَلِيلَهُ؟ فَأَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إِلَيْهِ: هَلْ رَأَيْتَ خَلِيلًا يَكْرَهُ لِقَاءَ خَلِيلِهِ؟ فَقَالَ: يَا مَلَكَ الْمَوْتِ الْآنَ فَاقْبِضْ،
وَجَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ مَتَى السَّاعَةُ؟ فَقَالَ مَا أَعْدَدْتَ لَهَا؟
فَقَالَ مَا أَعْدَدْتُ كَثِيرَ صَلَاةٍ وَلَا صِيَامٍ، إِلَّا أَنِّي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: الْمَرْءُ مَعَ من

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 4  صفحه : 175
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست