responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 4  صفحه : 126
الْقَوْلُ الثَّالِثُ: أَنَّ الْمُشْرِكِينَ كَانُوا يَقُولُونَ: إِنَّ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْتُلُونَ أَنْفُسَهُمْ وَيَخْسَرُونَ حَيَاتَهُمْ فَيَخْرُجُونَ مِنَ الدُّنْيَا بِلَا فَائِدَةٍ وَيُضَيِّعُونَ أَعْمَارَهُمْ إِلَى غَيْرِ شَيْءٍ، وَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ قَالُوا ذَلِكَ، يُحْتَمَلُ أَنَّهُمْ كَانُوا دَهْرِيَّةً، يُنْكِرُونَ الْمَعَادَ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُمْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ بِالْمَعَادِ إِلَّا أَنَّهُمْ كَانُوا مُنْكِرِينَ لِنُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، فَلِذَلِكَ قَالُوا هَذَا الْكَلَامَ، فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَلَا تَقُولُوا كَمَا قَالَ الْمُشْرِكُونَ إِنَّهُمْ أَمْوَاتٌ لَا يُنْشَرُونَ وَلَا يَنْتَفِعُونَ بِمَا تَحَمَّلُوا مِنَ الشَّدَائِدِ فِي الدُّنْيَا، وَلَكِنِ اعْلَمُوا أَنَّهُمْ أَحْيَاءٌ، أَيْ سَيَحْيَوْنَ فَيُثَابُونَ وَيُنَعَّمُونَ فِي الْجَنَّةِ وَتَفْسِيرُ قَوْلِهِ: أَحْياءٌ بِأَنَّهُمْ سَيَحْيَوْنَ غَيْرُ بَعِيدٍ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ [الِانْفِطَارِ: 13، 14] وَقَالَ: أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها [الْكَهْفِ: 29] وَقَالَ: إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ [النِّسَاءِ: 145] وَقَالَ: فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ [الْحَجِّ: 56] عَلَى مَعْنَى أَنَّهُمْ سَيَصِيرُونَ كَذَلِكَ وَهَذَا الْقَوْلُ اخْتِيَارُ الْكَعْبِيِّ وَأَبِي مُسْلِمٍ الْأَصْفَهَانِيِّ وَاعْلَمْ أَنَّ أَكْثَرَ الْعُلَمَاءِ عَلَى تَرْجِيحِ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ، وَالَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ وُجُوهٌ. أَحَدُهَا: الْآيَاتُ الدَّالَّةُ عَلَى عَذَابِ الْقَبْرِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: قالُوا رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ [غَافِرٍ: 11] وَالْمَوْتَتَانِ لَا تَحْصُلُ إِلَّا عِنْدَ حُصُولِ الْحَيَاةِ فِي الْقَبْرِ، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا [نُوحٍ: 25] وَالْفَاءُ لِلتَّعْقِيبِ، وَقَالَ: النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ [غَافِرٍ: 46] وَإِذَا ثَبَتَ عَذَابُ الْقَبْرِ وَجَبَ الْقَوْلُ بِثَوَابِ الْقَبْرِ أَيْضًا لِأَنَّ الْعَذَابَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الْعَبْدِ وَالثَّوَابَ حَقٌّ للعبد على الله تعالى، فاسقط الْعِقَابِ أَحْسَنُ مِنْ إِسْقَاطِ الثَّوَابِ فَحَيْثُمَا أَسْقَطَ الْعِقَابَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ بَلْ حَقَّقَهُ فِي الْقَبْرِ، كَانَ ذَلِكَ فِي الثَّوَابِ أَوْلَى. وَثَانِيهَا: أَنَّ الْمَعْنَى لَوْ كَانَ عَلَى مَا قِيلَ فِي الْقَوْلِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ لَمْ يَكُنْ لِقَوْلِهِ: وَلكِنْ لَا تَشْعُرُونَ مَعْنًى لِأَنَّ الْخِطَابَ لِلْمُؤْمِنِينَ وَقَدْ كَانُوا لَا يَعْلَمُونَ أَنَّهُمْ سَيَحْيَوْنَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَأَنَّهُمْ مَاتُوا عَلَى هُدًى وَنُورٍ، فَعُلِمَ أَنَّ الْأَمْرَ عَلَى مَا قُلْنَا مِنْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَحْيَاهُمْ فِي قُبُورِهِمْ. وَثَالِثُهَا: أَنَّ قَوْلَهُ: وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ [آلِ عِمْرَانَ: 170] دَلِيلٌ عَلَى حُصُولِ الْحَيَاةِ فِي الْبَرْزَخِ قَبْلَ الْبَعْثِ. وَرَابِعُهَا:
قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «الْقَبْرُ رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ أَوْ حُفْرَةٌ مِنْ حُفَرِ النِّيرَانِ»
وَالْأَخْبَارُ فِي ثَوَابِ الْقَبْرِ وَعَذَابِهِ كَالْمُتَوَاتِرَةِ،
وَكَانَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ يَقُولُ فِي آخِرِ/ صَلَاتِهِ: «وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ» .
وَخَامِسُهَا: أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ: أَنَّهُمْ أَحْيَاءٌ أَنَّهُمْ سَيَحْيَوْنَ، فَحِينَئِذٍ لَا يَبْقَى لِتَخْصِيصِهِمْ بِهَذَا فَائِدَةٌ، أَجَابَ عَنْهُ أَبُو مُسْلِمٍ بِأَنَّهُ تَعَالَى إِنَّمَا خَصَّهُمْ بِالذِّكْرِ لِأَنَّ دَرَجَتَهُمْ فِي الْجَنَّةِ أَرْفَعُ وَمَنْزِلَتَهُمْ أَعْلَى وَأَشْرَفُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ [النِّسَاءِ: 69] فَأَرَادَهُمْ بِالذِّكْرِ تَعْظِيمًا.
وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْجَوَابَ ضَعِيفٌ وَذَلِكَ لِأَنَّ مَنْزِلَةَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ أَعْظَمُ مَعَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مَا خَصَّهُمْ بِالذِّكْرِ. وَسَادِسُهَا: أَنَّ النَّاسَ يَزُورُونَ قُبُورَ الشُّهَدَاءِ وَيُعَظِّمُونَهَا وَذَلِكَ يَدُلُّ مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ، وَاحْتَجَّ أَبُو مُسْلِمٍ عَلَى تَرْجِيحِ قَوْلِهِ بِأَنَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ هَذِهِ الْآيَةَ فِي آلِ عِمْرَانَ فَقَالَ: بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ [آل عمران: 169] وَهَذِهِ الْعِنْدِيَّةُ لَيْسَتْ بِالْمَكَانِ، بَلْ بِالْكَوْنِ فِي الْجَنَّةِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ أَهْلَ الثَّوَابِ لَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ إِلَّا بَعْدَ الْقِيَامَةِ. وَالْجَوَابُ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ هَذِهِ الْعِنْدِيَّةَ لَيْسَتْ إِلَّا بِالْكَوْنِ فِي الْجَنَّةِ بَلْ بِإِعْلَاءِ الدَّرَجَاتِ وَإِيصَالِ الْبِشَارَاتِ إِلَيْهِ وَهُوَ فِي الْقَبْرِ أَوْ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ، وَاعْلَمْ أَنَّ فِي الْآيَةِ قَوْلًا آخَرَ وَهُوَ: أَنَّ ثَوَابَ الْقَبْرِ وَعَذَابَهُ لِلرُّوحِ لَا لِلْقَالَبِ، وَهَذَا الْقَوْلُ بِنَاءً عَلَى مَعْرِفَةِ الرُّوحِ، وَلْنُشِرْ إِلَى خُلَاصَةِ حَاصِلِ قَوْلِ هَؤُلَاءِ فَنَقُولُ:

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 4  صفحه : 126
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست