responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 32  صفحه : 340
رِسَالَتَهُ،
فَإِنْ قِيلَ: إِنَّهُمْ إِنَّمَا دَخَلُوا فِي الْإِسْلَامِ بَعْدَ مُدَّةٍ طَوِيلَةٍ وَتَقْصِيرٍ كَثِيرٍ، فَكَيْفَ اسْتَحَقُّوا هَذَا الْمَدْحَ الْعَظِيمَ؟ قُلْنَا: هَذَا فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى سِعَةِ رَحْمَةِ اللَّهِ، فَإِنَّ الْعَبْدَ بَعْدَ أَنْ أَتَى بِالْكُفْرِ وَالْمَعْصِيَةِ طُولَ عُمْرِهِ، فَإِذَا أَتَى بِالْإِيمَانِ فِي آخِرِ عُمْرِهِ يَقْبَلُ إِيمَانَهُ، وَيَمْدَحُهُ هَذَا الْمَدْحَ الْعَظِيمَ،
وَيُرْوَى أَنَّ الْمَلَائِكَةَ يَقُولُونَ لِمِثْلِ هَذَا الْإِنْسَانِ:
أَتَيْتَ وَإِنْ كُنْتَ قَدْ أَبَيْتَ.
وَيُرْوَى أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ: «لَلَّهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ أَحَدِكُمْ مِنَ الضَّالِّ الْوَاجِدِ، وَالظَّمْآنِ الْوَارِدِ»
وَالْمَعْنَى كَانَ الرَّبُّ تَعَالَى يَقُولُ: رَبَّيْتُهُ سَبْعِينَ سَنَةً، فَإِنْ مَاتَ عَلَى كُفْرِهِ فَلَا بُدَّ وَأَنْ أَبْعَثَهُ إِلَى النَّارِ، فَحِينَئِذٍ يَضِيعُ إِحْسَانِي إِلَيْهِ فِي سَبْعِينَ سَنَةً، فَكُلَّمَا كَانَتْ مُدَّةُ الْكُفْرِ وَالْعِصْيَانِ أَكْثَرَ كَانَتِ التَّوْبَةُ عَنْهَا أَشَدَّ قَبُولًا الْوَجْهُ الثَّانِي: فِي الْجَوَابِ، رُوِيَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالنَّاسِ أَهْلُ الْيَمَنِ،
قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ السُّورَةُ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللَّهُ أَكْبَرُ جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ، وَجَاءَ أَهْلُ الْيَمَنِ قَوْمٌ رَقِيقَةٌ قُلُوبُهُمُ الْإِيمَانُ يَمَانٍ وَالْفِقْهُ يَمَانٍ وَالْحِكْمَةُ يَمَانِيَّةٌ، وَقَالَ: أَجِدُ نَفَسَ رَبِّكُمْ مِنْ قِبَلِ الْيَمَنِ» .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: قَالَ جمهور الفقهاء وكثير من المتكلمون: إِنَّ إِيمَانَ الْمُقَلِّدِ صَحِيحٌ، وَاحْتَجُّوا بِهَذِهِ الْآيَةِ، قَالُوا: إِنَّهُ تَعَالَى حَكَمَ بِصِحَّةِ إِيمَانِ أُولَئِكَ الْأَفْوَاجِ وَجَعَلَهُ مِنْ أَعْظَمِ الْمِنَنِ عَلَى مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ إِيمَانُهُمْ صَحِيحًا لَمَا ذَكَرَهُ فِي هَذَا الْمَعْرِضِ، ثُمَّ إِنَّا نَعْلَمُ قَطْعًا أَنَّهُمْ مَا كَانُوا عَالِمِينَ حُدُوثَ الْأَجْسَادِ بِالدَّلِيلِ وَلَا إِثْبَاتَ كَوْنِهِ تَعَالَى مُنَزَّهًا عَنِ الْجِسْمِيَّةِ وَالْمَكَانِ وَالْحَيِّزِ وَلَا إِثْبَاتَ كَوْنِهِ تَعَالَى عَالِمًا بِجَمِيعِ الْمَعْلُومَاتِ الَّتِي لَا نِهَايَةَ لَهَا وَلَا إِثْبَاتَ قِيَامِ الْمُعْجِزِ التَّامِّ عَلَى يَدِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا إِثْبَاتَ أَنَّ قِيَامَ الْمُعْجِزِ كَيْفَ يَدُلُّ عَلَى الصِّدْقِ وَالْعِلْمُ بِأَنَّ أُولَئِكَ الْأَعْرَابَ مَا كَانُوا عَالِمِينَ بِهَذِهِ الدَّقَائِقِ ضَرُورِيٌّ، فَعَلِمْنَا أَنَّ إِيمَانَ الْمُقَلِّدِ صَحِيحٌ، وَلَا يُقَالُ:
إِنَّهُمْ كَانُوا عَالِمِينَ بِأُصُولِ دَلَائِلِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ لِأَنَّ أُصُولَ هَذِهِ الدَّلَائِلِ ظَاهِرَةٌ، بَلْ إِنَّمَا كَانُوا جَاهِلِينَ بِالتَّفَاصِيلِ إِلَّا أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ شَرْطِ كَوْنِ الْإِنْسَانِ مُسْتَدِلًّا كَوْنُهُ عَالِمًا بِهَذِهِ التَّفَاصِيلِ، لِأَنَّا نَقُولُ: إِنَّ الدَّلِيلَ لَا يَقْبَلُ الزِّيَادَةَ وَالنُّقْصَانَ، فَإِنَّ الدَّلِيلَ إِذَا كَانَ مَثَلًا مُرَكَّبًا مِنْ عَشْرِ مُقَدِّمَاتٍ، فَمَنْ عَلِمَ تِسْعَةً/ مِنْهَا، وَكَانَ فِي الْمُقَدِّمَةِ الْعَاشِرَةِ مُقَلِّدًا كَانَ فِي النَّتِيجَةِ مُقَلِّدًا لَا مَحَالَةَ لِأَنَّ فَرْعَ التَّقْلِيدِ أَوْلَى أَنْ يَكُونَ تَقْلِيدًا وَإِنْ كَانَ عَالِمًا بِمَجْمُوعِ تِلْكَ الْمُقَدِّمَاتِ الْعَشْرَةِ اسْتَحَالَ كَوْنُ غَيْرِهِ أَعْرَفَ مِنْهُ بِذَلِكَ الدَّلِيلِ، لِأَنَّ تِلْكَ الزِّيَادَةَ إِنْ كَانَتْ جزأ مُعْتَبَرًا فِي دَلَالَةِ هَذَا الدَّلِيلِ لَمْ تَكُنِ الْمُقْدِمَاتُ الْعَشَرَةُ الْأُولَى تَمَامَ الدَّلِيلِ، فَإِنَّهُ لَا بُدَّ مَعَهَا مِنْ هَذِهِ الْمُقَدِّمَةِ الزَّائِدَةِ، وَقَدْ كُنَّا فَرَضْنَا تِلْكَ الْعَشَرَةَ كَافِيَةً، وَإِنْ لَمْ تَكُنِ الزِّيَادَةُ مُعْتَبَرَةً فِي دَلَالَةِ ذَلِكَ الدَّلِيلِ كَانَ ذَلِكَ أَمْرًا مُنْفَصِلًا عَنْ ذَلِكَ الدَّلِيلِ غَيْرَ مُعْتَبَرٍ فِي كَوْنِهِ دَلِيلًا عَلَى ذَلِكَ الْمَدْلُولِ، فَثَبَتَ أَنَّ الْعِلْمَ بِكَوْنِ الدَّلِيلِ دَلِيلًا لَا يَقْبَلُ الزِّيَادَةَ وَالنُّقْصَانَ، فَأَمَّا أَنْ يُقَالَ: إِنَّ أُولَئِكَ الْأَعْرَابَ كَانُوا عَالِمِينَ بِجَمِيعِ مُقَدِّمَاتِ دَلَائِلِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ بِحَيْثُ مَا شَذَّ عَنْهُمْ مِنْ تِلْكَ الْمُقَدِّمَاتِ وَاحِدَةٌ، وَذَلِكَ مُكَابَرَةٌ أَوْ مَا كَانُوا كَذَلِكَ فَحِينَئِذٍ ثَبَتَ أَنَّهُمْ كَانُوا مُقَلِّدِينَ، وَمِمَّا يُؤَكِّدُ مَا ذَكَرْنَا مَا رُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ قَالَ: لَمَّا فَتَحَ رَسُولُ اللَّهِ مَكَّةَ أَقْبَلَتِ الْعَرَبُ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ فَقَالُوا: إِذَا ظَفِرَ بِأَهْلِ الْحَرَمِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ عَلَى الْحَقِّ، وَقَدْ كَانَ اللَّهُ أَجَارَهُمْ مِنْ أَصْحَابِ الْفِيلِ، وَكُلِّ مَنْ أَرَادَهُمْ بِسُوءٍ ثُمَّ أَخَذُوا يَدْخُلُونَ فِي الْإِسْلَامِ أَفْوَاجًا مِنْ غَيْرِ قِتَالٍ، هَذَا مَا رَوَاهُ الْحَسَنُ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الِاسْتِدْلَالَ بِأَنَّهُ لَمَّا ظَفِرَ بِأَهْلِ مَكَّةَ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ عَلَى الْحَقِّ لَيْسَ بِجَيِّدٍ، فَعَلِمْنَا أَنَّهُمْ مَا كَانُوا مُسْتَدِلِّينَ بَلْ مُقَلِّدِينَ.
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: دِينُ اللَّهِ هُوَ الْإِسْلَامُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ [آلِ عِمْرَانَ: 19] وَلِقَوْلِهِ: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ [آلِ عِمْرَانَ: 85] وَلِلدِّينِ أَسْمَاءٌ أُخْرَى، مِنْهَا الْإِيمَانُ قَالَ

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 32  صفحه : 340
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست