responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 32  صفحه : 295
سَوَاءٌ فِي الْمَعْنَى، هَذَا قَوْلُ الْفَرَّاءِ، فَهَذِهِ احْتِمَالَاتٌ ثَلَاثَةٌ تَوَجَّهَتْ عَلَى تَقْدِيرِ تَعْلِيقِ اللَّامِ بِالسُّورَةِ الَّتِي قَبْلَ هَذِهِ، وَبَقِيَ مِنْ مَبَاحِثِ هَذَا الْقَوْلِ أَمْرَانِ:
الْأَوَّلُ: أَنَّ لِلنَّاسِ فِي تَعْلِيقِ هَذِهِ اللَّامِ بِالسُّورَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ جَعَلُوا السُّورَتَيْنِ سُورَةً وَاحِدَةً وَاحْتَجُّوا عَلَيْهِ بِوُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ السُّورَتَيْنِ لَا بُدَّ وَأَنْ تَكُونَ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مُسْتَقِلَّةً بِنَفْسِهَا، وَمَطْلَعُ هَذِهِ السُّورَةِ لَمَّا كَانَ مُتَعَلِّقًا بِالسُّورَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَجَبَ أَنْ لَا تَكُونَ سُورَةً مُسْتَقِلَّةً وَثَانِيهَا: أَنَّ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ جَعَلَهُمَا فِي مُصْحَفِهِ سُورَةً وَاحِدَةً وَثَالِثُهَا: مَا رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ قَرَأَ فِي صَلَاةِ الْمَغْرِبِ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى وَالتِّينِ وَفِي الثَّانِيَةِ أَلَمْ تَرَ ولِإِيلافِ قُرَيْشٍ مَعًا، مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَهُمَا بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْقَوْلُ الثَّانِي: وَهُوَ الْمَشْهُورُ الْمُسْتَفِيضُ أَنَّ هَذِهِ السُّورَةَ مُنْفَصِلَةٌ عَنْ سُورَةِ الْفِيلِ، وَأَمَّا تَعَلُّقُ أَوَّلِ هَذِهِ السُّورَةِ بِمَا قَبْلَهَا فَلَيْسَ بِحُجَّةٍ عَلَى مَا قَالُوهُ، لِأَنَّ الْقُرْآنَ كُلَّهُ كَالسُّورَةِ الْوَاحِدَةِ وَكَالْآيَةِ الْوَاحِدَةِ يُصَدِّقُ بَعْضُهَا بَعْضًا وَيُبَيِّنُ بَعْضُهَا مَعْنَى بَعْضٍ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْآيَاتِ الدَّالَّةَ عَلَى الْوَعِيدِ مُطْلَقَةٌ، ثُمَّ إنها متعلقة بآيات التوبة وبآيات العفو عنه مَنْ يَقُولُ بِهِ، وَقَوْلُهُ: إِنَّا أَنْزَلْناهُ [الْقَدْرِ: [1]] مُتَعَلِّقٌ بِمَا قَبْلَهُ مِنْ ذِكْرِ الْقُرْآنِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: إِنَّ أُبَيًّا لَمْ يَفْصِلْ بَيْنَهُمَا فَهُوَ مُعَارَضٌ بِإِطْبَاقِ الْكُلِّ عَلَى الْفَصْلِ بَيْنَهُمَا، وَأَمَّا قِرَاءَةُ عُمَرَ فَإِنَّهَا لَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمَا سُورَةٌ وَاحِدَةٌ لِأَنَّ الْإِمَامَ قَدْ يَقْرَأُ سُورَتَيْنِ.
الْبَحْثُ الثَّانِي: فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِهَذَا الْقَوْلِ بَيَانُ أَنَّهُ لِمَ صَارَ مَا فَعَلَهُ اللَّهُ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ سَبَبًا لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ؟
فَنَقُولُ: لَا شَكَّ أَنَّ مَكَّةَ كَانَتْ خَالِيَةً عَنِ الزَّرْعِ وَالضَّرْعِ عَلَى مَا قَالَ تَعَالَى: بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ إِلَى قَوْلِهِ:
فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ [إِبْرَاهِيمَ: 37] فَكَانَ أَشْرَافُ أَهْلِ مَكَّةَ يَرْتَحِلُونَ لِلتِّجَارَةِ هَاتَيْنِ الرِّحْلَتَيْنِ، وَيَأْتُونَ لِأَنْفُسِهِمْ وَلِأَهْلِ بَلَدِهِمْ بِمَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ مِنَ الْأَطْعِمَةِ وَالثِّيَابِ، وَهُمْ إِنَّمَا كَانُوا يَرْبَحُونَ فِي أَسْفَارِهِمْ، وَلِأَنَّ مُلُوكَ النَّوَاحِي كَانُوا يُعَظِّمُونَ أَهْلَ مَكَّةَ، وَيَقُولُونَ: هَؤُلَاءِ جِيرَانُ بَيْتِ اللَّهِ وَسُكَّانُ حَرَمِهِ وَوُلَاةُ الْكَعْبَةِ حَتَّى إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَمُّونَ أَهْلَ مَكَّةَ أَهْلَ اللَّهِ، فَلَوْ تَمَّ لِلْحَبَشَةِ مَا عَزَمُوا عَلَيْهِ مِنْ هَدْمِ الْكَعْبَةِ، لَزَالَ عَنْهُمْ هَذَا الْعِزُّ وَلَبَطَلَتْ تِلْكَ الْمَزَايَا فِي التَّعْظِيمِ وَالِاحْتِرَامِ وَلَصَارَ سُكَّانُ مَكَّةَ كَسُكَّانِ سَائِرِ النَّوَاحِي يُتَخَطَّفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ وَيُتَعَرَّضُ لَهُمْ فِي نُفُوسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ، فَلَمَّا أَهْلَكَ اللَّهُ أَصْحَابَ الْفِيلِ وَرَدَّ كَيْدَهُمْ فِي نَحْرِهِمُ ازْدَادَ وَقْعُ أَهْلِ مَكَّةَ فِي الْقُلُوبِ، وَازْدَادَ تَعْظِيمُ مُلُوكِ الْأَطْرَافِ لَهُمْ فَازْدَادَتْ تِلْكَ الْمَنَافِعُ وَالْمَتَاجِرُ، فَلِهَذَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ ... رِحْلَةَ [1] الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي:
فِيمَا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ هَذَا الْقَوْلِ أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى فِي آخِرِ هَذِهِ السُّورَةِ: فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ/ هذَا الْبَيْتِ الَّذِي [قريش: 3، 4] إِشَارَةٌ إِلَى أَوَّلِ سُورَةِ الْفِيلِ، كَأَنَّهُ قَالَ: فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ الَّذِي قَصَدَهُ أَصْحَابُ الْفِيلِ، ثُمَّ إِنَّ رَبَّ الْبَيْتِ دَفَعَهُمْ عَنْ مَقْصُودِهِمْ لِأَجْلِ إِيلَافِكُمْ وَنَفْعِكُمْ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْعِبَادَةِ إِنَّمَا يَحْسُنُ مُرَتَّبًا عَلَى إِيصَالِ الْمَنْفَعَةِ، فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى تَعَلُّقِ أَوَّلِ هَذِهِ السُّورَةِ بِالسُّورَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ.
الْقَوْلُ الثَّانِي: وَهُوَ أَنَّ اللَّامَ فِي: لِإِيلافِ متعلقة بقوله: لْيَعْبُدُوا
وَهُوَ قَوْلُ الْخَلِيلِ وَسِيبَوَيْهِ وَالتَّقْدِيرُ: فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ أَيْ: لِيَجْعَلُوا عِبَادَتَهُمْ شُكْرًا لِهَذِهِ النِّعْمَةِ وَاعْتِرَافًا بِهَا، فَإِنْ قِيلَ: فلم دخلت الفاء في قوله: لْيَعْبُدُوا
؟ قُلْنَا: لِمَا فِي الْكَلَامِ مِنْ مَعْنَى الشَّرْطِ، وذلك لأن نعم الله عليهم

[1] في الأصل: (رحلتي الشتاء) ولعلها قراءة ولكن القراءة المشهورة رحلة بالإفراد لا بالتثنية، وهو مفرد مضاف فيعم الواحد والإثنين.
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 32  صفحه : 295
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست