responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 32  صفحه : 218
عَنِ الْمَذَمَّةِ كُلُّهُ عِوَضٌ، وَلِهَذَا قَالَ أَصْحَابُنَا: إِنَّهُ تَعَالَى يَسْتَحِيلُ أَنْ يَفْعَلَ فِعْلًا لِغَرَضٍ لِأَنَّهُ لَوْ فَعَلَ فِعْلًا لِغَرَضٍ لَكَانَ حُصُولُ ذَلِكَ الْغَرَضِ أَوْلَى لَهُ مِنْ لَا حُصُولِهِ، فَحِينَئِذٍ يَسْتَفِيدُ بِفِعْلِ ذَلِكَ الشَّيْءِ حُصُولَ تِلْكَ الْأَوْلَوِيَّةِ، وَلَوْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ الْفِعْلَ لَمَا كَانَ يَحْصُلُ لَهُ تِلْكَ الْأَوْلَوِيَّةُ، فَيَكُونُ نَاقِصًا بِذَاتِهِ مُسْتَكْمِلًا بِغَيْرِهِ وَذَلِكَ مُحَالٌ، ثُمَّ ذَكَرُوا فِي بَيَانِ أَكْرَمِيَّتِهِ تَعَالَى وُجُوهًا أَحَدُهَا: أَنَّهُ كَمْ مِنْ كَرِيمٍ يَحْلُمُ وَقْتَ الْجِنَايَةِ، لَكِنَّهُ لَا يَبْقَى إِحْسَانُهُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي كَانَ قَبْلَ الْجِنَايَةِ، وَهُوَ تَعَالَى أَكْرَمُ لِأَنَّهُ يَزِيدُ بِإِحْسَانِهِ بَعْدَ الْجِنَايَةِ، وَمِنْهُ قَوْلُ الْقَائِلِ:
مَتَى زِدْتُ تَقْصِيرًا تَزِدْ لِي تَفَضُّلَا ... كَأَنِّي بِالتَّقْصِيرِ أَسْتَوْجِبُ الْفَضْلَا
وَثَانِيهَا: إِنَّكَ كَرِيمٌ لَكِنَّ رَبَّكَ أَكْرَمُ وَكَيْفَ لَا وَكُلُّ كَرِيمٍ يَنَالُ بِكَرَمِهِ نَفْعًا إِمَّا مَدْحًا أَوْ ثَوَابًا أَوْ يَدْفَعُ ضَرَرًا، أَمَّا أَنَا فَالْأَكْرَمُ إِذْ لَا أَفْعَلُهُ إِلَّا لِمَحْضِ الْكَرَمِ وَثَالِثُهَا: أَنَّهُ الْأَكْرَمُ لِأَنَّ لَهُ الِابْتِدَاءَ فِي كُلِّ كَرَمٍ وَإِحْسَانٍ وَكَرَمُهُ غَيْرُ مَشُوبٍ بِالتَّقْصِيرِ وَرَابِعُهَا: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا حَثًّا عَلَى الْقِرَاءَةِ أَيْ هَذَا الْأَكْرَمُ لِأَنَّهُ يُجَازِيكَ بِكُلِّ حَرْفٍ عَشْرًا أَوْ حَثًّا عَلَى الْإِخْلَاصِ، أَيْ لَا تَقْرَأْ لِطَمَعٍ وَلَكِنْ لِأَجْلِي وَدَعْ عَلَيَّ أَمْرَكَ فَأَنَا أَكْرَمُ مِنْ أَنْ لَا أُعْطِيَكَ مَا لَا يُخْطَرُ بِبَالِكَ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمَعْنَى تَجَرَّدْ لِدَعْوَةِ الْخَلْقِ وَلَا تَخَفْ أَحَدًا فَأَنَا أَكْرَمُ مِنْ أَنْ آمُرَكَ بِهَذَا التَّكْلِيفِ الشَّاقِّ ثُمَّ لَا أَنْصُرُكَ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: أَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَصَفَ نَفْسَهُ بِأَنَّهُ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ وَثَانِيًا بِأَنَّهُ عَلَقَةٌ وَهِيَ بِالْقَلَمِ، وَلَا مُنَاسَبَةَ فِي الظَّاهِرِ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ، لَكِنَّ التَّحْقِيقَ أَنَّ أَوَّلَ أَحْوَالِ الْإِنْسَانِ كَوْنُهُ عَلَقَةً وَهِيَ أَخَسُّ الْأَشْيَاءِ وَآخِرُ أَمْرِهِ هُوَ صَيْرُورَتُهُ عَالِمًا بِحَقَائِقِ الْأَشْيَاءِ، وَهُوَ أَشْرَفُ مَرَاتِبِ الْمَخْلُوقَاتِ فَكَأَنَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: انْتَقَلْتَ مِنْ أَخَسِّ الْمَرَاتِبِ إِلَى أَعْلَى الْمَرَاتِبِ فَلَا بُدَّ لَكَ مِنْ مُدَبِّرٍ مُقَدِّرٍ يَنْقُلُكَ مِنْ تِلْكَ الْحَالَةِ الْخَسِيسَةِ إِلَى هَذِهِ الْحَالَةِ الشَّرِيفَةِ، ثُمَّ فِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ الْعِلْمَ أَشْرَفُ الصِّفَاتِ/ الْإِنْسَانِيَّةِ، كَأَنَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: الْإِيجَادُ وَالْإِحْيَاءُ وَالْإِقْدَارُ وَالرِّزْقُ كَرَمٌ وَرُبُوبِيَّةٌ، أَمَّا الْأَكْرَمُ هُوَ الَّذِي أَعْطَاكَ الْعِلْمَ لِأَنَّ الْعِلْمَ هُوَ النِّهَايَةُ فِي الشَّرَفِ.
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: قَوْلُهُ: بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ إِشَارَةٌ إِلَى الدَّلَالَةِ الْعَقْلِيَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى كَمَالِ الْقُدْرَةِ وَالْحِكْمَةِ وَالْعِلْمِ وَالرَّحْمَةِ، وَقَوْلُهُ: الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ إِشَارَةٌ إِلَى الْأَحْكَامِ الْمَكْتُوبَةِ الَّتِي لَا سَبِيلَ إِلَى مَعْرِفَتِهَا إِلَّا بِالسَّمْعِ، فَالْأَوَّلُ كَأَنَّهُ إِشَارَةٌ إِلَى مَعْرِفَةِ الرُّبُوبِيَّةِ وَالثَّانِي إِلَى النُّبُوَّةِ، وَقُدِّمَ الْأَوَّلُ عَلَى الثَّانِي تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ مَعْرِفَةَ الرُّبُوبِيَّةِ غَنِيَّةٌ عَنِ النُّبُوَّةِ، وَأَمَّا النُّبُوَّةُ فَإِنَّهَا مُحْتَاجَةٌ إِلَى مَعْرِفَةِ الرُّبُوبِيَّةِ.
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ: فِي قَوْلِهِ: عَلَّمَ بِالْقَلَمِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْمُرَادَ مِنَ الْقَلَمِ الْكِتَابَةُ الَّتِي تُعْرَفُ بِهَا الْأُمُورُ الْغَائِبَةُ، وَجُعِلَ الْقَلَمُ كِنَايَةً عَنْهَا وَالثَّانِي: أَنَّ الْمُرَادَ عَلَّمَ الْإِنْسَانَ الْكِتَابَةَ بِالْقَلَمِ وَكِلَا الْقَوْلَيْنِ مُتَقَارِبٌ، إِذِ الْمُرَادُ التَّنْبِيهُ عَلَى فَضِيلَةِ الْكِتَابَةِ، يُرْوَى أَنَّ سُلَيْمَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ سَأَلَ عِفْرِيتًا عَنِ الْكَلَامِ، فَقَالَ: رِيحٌ لَا يَبْقَى، قَالَ: فَمَا قَيْدُهُ، قَالَ: الْكِتَابَةُ، فَالْقَلَمُ صَيَّادٌ يَصِيدُ الْعُلُومَ يَبْكِي وَيَضْحَكُ، بِرُكُوعِهِ تَسْجُدُ الْأَنَامُ، وَبِحَرَكَتِهِ تَبْقَى الْعُلُومُ عَلَى مَرِّ اللَّيَالِي وَالْأَيَّامِ، نَظِيرُهُ قَوْلُ زَكَرِيَّا: إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِداءً خَفِيًّا [مَرْيَمَ: 3] أَخْفَى وَأَسْمَعَ فَكَذَا الْقَلَمُ لَا يَنْطِقُ ثُمَّ يُسْمِعُ الشَّرْقَ وَالْغَرْبَ، فَسُبْحَانَهُ مِنْ قَادِرٍ بِسَوَادِهَا جَعَلَ الدِّينَ مُنَوَّرًا، كَمَا أَنَّهُ جَعَلَكَ بِالسَّوَادِ مُبْصِرًا، فَالْقَلَمُ قَوَامُ الْإِنْسَانِ وَالْإِنْسَانُ قَوَامُ الْعَيْنِ، وَلَا تَقُلْ الْقَلَمُ نَائِبُ اللِّسَانِ، فَإِنَّ الْقَلَمَ يَنُوبُ عَنِ اللِّسَانِ وَاللِّسَانُ لَا يَنُوبُ عَنِ الْقَلَمِ، التُّرَابُ طَهُورٌ، وَلَوْ إِلَى عَشْرِ حِجَجٍ، وَالْقَلَمُ بَدَلٌ [عَنِ اللِّسَانِ] وَلَوْ [بُعِثَ] إِلَى الْمَشْرِقِ والمغرب [1] . أما قوله تعالى:

[1] هذه العبارة كما هي في الأصل، وهي مضطربة، قوله التراب طهور إلخ أي إنه يغني عن الماء في التيمم به، وما بين الأقواس المعكفة لزيادة الإيضاح، وهو يقصد إلى أن المقارنة بين الماء والتراب كالمقارنة بين القلم واللسان والله أعلم.
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 32  صفحه : 218
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست