responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 31  صفحه : 50
واعلم أن هذين الوصفين مضادات لِلْوَصْفَيْنِ اللَّذَيْنِ وَصَفَ اللَّهُ أَهْلَ النَّارِ بِهِمَا فَقَوْلُهُ: وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ ضِدُّ قوله: فَأَمَّا مَنْ طَغى [النازعات: 17] وقوله: وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى ضد ققوله: وَآثَرَ الْحَياةَ الدُّنْيا [النازعات: 38] وَاعْلَمْ أَنَّ الْخَوْفَ مِنَ اللَّهِ، لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ مَسْبُوقًا بِالْعِلْمِ بِاللَّهِ عَلَى مَا قَالَ:
إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ [فَاطِرٍ: 28] وَلَمَّا كَانَ الْخَوْفُ مِنَ اللَّهِ هُوَ السَّبَبَ الْمُعِينَ لِدَفْعِ الْهَوَى، لَا جَرَمَ قَدَّمَ العلة على المعلول، وَكَمَا دَخَلَ فِي ذَيْنِكَ الصِّفَتَيْنِ جَمِيعُ الْقَبَائِحِ دَخَلَ/ فِي هَذَيْنِ الْوَصْفَيْنِ جَمِيعُ الطَّاعَاتِ وَالْحَسَنَاتِ، وَقِيلَ: الْآيَتَانِ نَزَلَتَا فِي أَبِي عَزِيزِ بْنِ عُمَيْرٍ وَمُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ، وَقَدْ قَتَلَ مُصْعَبٌ أَخَاهُ أَبَا عَزِيزٍ يَوْمَ أُحُدٍ، وَوَقَى رَسُولَ اللَّهِ بِنَفْسِهِ حَتَّى نَفَذَتِ الْمَشَاقِصُ فِي جَوْفِهِ.

[سورة النازعات (79) : الآيات 42 الى 44]
يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها (42) فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْراها (43) إِلى رَبِّكَ مُنْتَهاها (44)
وَاعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا بَيَّنَ بِالْبُرْهَانِ الْعَقْلِيِّ إِمْكَانَ الْقِيَامَةِ، ثُمَّ أَخْبَرَ عَنْ وُقُوعِهَا، ثُمَّ ذَكَرَ أَحْوَالَهَا الْعَامَّةَ، ثُمَّ ذَكَرَ أَحْوَالَ الْأَشْقِيَاءِ والسعداء فيها، قال تعالى: يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ كَانُوا يَسْمَعُونَ إِثْبَاتَ [1] الْقِيَامَةِ، وَوَصْفَهَا بِالْأَوْصَافِ الْهَائِلَةِ، مِثْلُ أَنَّهَا طَامَّةٌ وَصَاخَّةٌ وَقَارِعَةٌ، فَقَالُوا عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِهْزَاءِ: أَيَّانَ مُرْساها فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الْإِيهَامِ لِأَتْبَاعِهِمْ أَنَّهُ لَا أَصْلَ لِذَلِكَ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُمْ كَانُوا يَسْأَلُونَ الرَّسُولَ عَنْ وَقْتِ الْقِيَامَةِ اسْتِعْجَالًا، كَقَوْلِهِ: يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِها [الشُّورَى: 18] ثُمَّ فِي قَوْلِهِ: مُرْساها قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا: مَتَى إِرْسَاؤُهَا، أَيْ إِقَامَتُهَا أَرَادُوا مَتَى يُقِيمُهَا اللَّهُ وَيُوجِدُهَا وَيُكَوِّنُهَا وَالثَّانِي: أَيَّانَ مُنْتَهَاهَا وَمُسْتَقَرُّهَا، كَمَا أَنَّ مَرْسَى السَّفِينَةِ مُسْتَقَرُّهَا حَيْثُ تَنْتَهِي إِلَيْهِ.
ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَجَابَ عَنْهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْراها وَفِيهِ وَجْهَانِ الْأَوَّلُ: مَعْنَاهُ فِي أَيِّ شَيْءٍ أَنْتَ عَنْ تَذَكُّرِ وَقْتِهَا لَهُمْ، وَتَبَيُّنِ ذَلِكَ الزَّمَانِ الْمُعَيَّنِ لَهُمْ، وَنَظِيرُهُ قَوْلُ الْقَائِلِ: إِذَا سَأَلَهُ رَجُلٌ عَنْ شَيْءٍ لَا يَلِيقُ بِهِ مَا أَنْتَ وَهَذَا، وَأَيُّ شَيْءٍ لَكَ فِي هَذَا،
وَعَنْ عَائِشَةَ «لَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَذْكُرُ السَّاعَةَ وَيَسْأَلُ عَنْهَا حَتَّى نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ»
فَهُوَ عَلَى هَذَا تَعْجِيبٌ مِنْ كَثْرَةِ ذِكْرِهِ لَهَا، كَأَنَّهُ قِيلَ: فِي أَيِّ شُغُلٍ وَاهْتِمَامٍ أَنْتَ مِنْ ذِكْرِهَا وَالسُّؤَالِ عَنْهَا، وَالْمَعْنَى أَنَّهُمْ يَسْأَلُونَكَ عَنْهَا، فَلِحِرْصِكَ عَلَى جَوَابِهِمْ لَا تَزَالُ تَذْكُرُهَا وَتَسْأَلُ عَنْهَا.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: إِلى رَبِّكَ مُنْتَهاها أَيْ مُنْتَهَى عِلْمِهَا لَمْ يُؤْتِهِ أَحَدًا مِنْ خَلْقِهِ الْوَجْهُ الثَّانِي: قَالَ بَعْضُهُمْ:
فِيمَ إِنْكَارٌ لِسُؤَالِهِمْ، أَيْ فِيمَ هَذَا السُّؤَالُ، ثُمَّ قِيلَ: أَنْتَ مِنْ ذِكْراها أَيْ أرسلك [2] وأنت خاتم الأنبياء وآخر الرسل ذاكرا مِنْ أَنْوَاعِ عَلَامَاتِهَا، وَوَاحِدًا مِنْ أَقْسَامِ أَشْرَاطِهَا، فَكَفَاهُمْ بِذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى دُنُوِّهَا وَوُجُوبِ الِاسْتِعْدَادِ لها، ولا فائدة في سؤالهم عنها.

[1] لعل (إثبات) محرفة عن (أنباء) بمعنى أخبار.
[2] لعل (أرسلك) محرفة عن (إرسالك) .
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 31  صفحه : 50
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست