responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 31  صفحه : 166
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: فِي الْكَبَدِ وُجُوهٌ أَحَدُهَا: قَالَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» : إِنَّ الْكَبَدَ أَصْلُهُ مِنْ قَوْلِكَ كَبَدَ الرَّجُلُ كَبَدًا فَهُوَ كَبِدٌ إِذَا وُجِعَتْ كَبِدُهُ وَانْتَفَخَتْ، فَاتُّسِعَ فِيهِ حَتَّى اسْتُعْمِلَ فِي كُلِّ تَعَبٍ وَمَشَقَّةٍ، وَمِنْهُ اشْتُقَّتِ الْمُكَابَدَةُ وَأَصْلُهُ كَبَدَهُ إِذَا أَصَابَ كَبِدَهُ، وَقَالَ آخَرُونَ: الْكَبَدُ شِدَّةُ الْأَمْرِ وَمِنْهُ تَكَبَّدَ اللَّبَنُ إِذَا غَلُظَ وَاشْتَدَّ، وَمِنْهُ الْكَبِدُ لِأَنَّهُ دَمٌ يَغْلُظُ وَيَشْتَدُّ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ أَنَّ الْأَوَّلَ جَعَلَ اسْمَ الْكَبَدِ مَوْضُوعًا لِلْكَبِدِ، ثُمَّ اشْتُقَّتْ مِنْهُ الشِّدَّةُ. وَفِي الثَّانِي جُعِلَ اللَّفْظُ مَوْضُوعًا لِلشِّدَّةِ وَالْغِلَظِ، ثُمَّ اشْتُقَّ مِنْهُ اسْمُ الْعُضْوِ الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ الْكَبَدَ هُوَ الِاسْتِوَاءُ وَالِاسْتِقَامَةُ الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّ الْكَبَدَ شِدَّةُ الْخَلْقِ وَالْقُوَّةِ، إِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَنَقُولُ أَمَّا عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ شَدَائِدَ الدُّنْيَا فَقَطْ، وَأَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ شَدَائِدَ التَّكَالِيفِ فَقَطْ، وَأَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ شَدَائِدَ الْآخِرَةِ فَقَطْ، وَأَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ كُلَّ ذَلِكَ.
أَمَّا الْأَوَّلُ: فَقَوْلُهُ: لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي كَبَدٍ أَيْ خَلَقْنَاهُ أَطْوَارًا كُلُّهَا شِدَّةٌ وَمَشَقَّةٌ، تَارَةً فِي بَطْنِ الْأُمِّ، ثُمَّ زَمَانَ الْإِرْضَاعِ، ثُمَّ إِذَا بَلَغَ فَفِي الْكَدِّ فِي تَحْصِيلِ الْمَعَاشِ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ الْمَوْتُ.
وَأَمَّا الثَّانِي: وَهُوَ الْكَبَدُ فِي الدِّينِ، فَقَالَ الْحَسَنُ: يُكَابِدُ الشُّكْرَ عَلَى السَّرَّاءِ، وَالصَّبْرَ عَلَى الضَّرَّاءِ، وَيُكَابِدُ الْمِحَنَ فِي أَدَاءِ الْعِبَادَاتِ.
وَأَمَّا الثَّالِثُ: وَهُوَ الْآخِرَةُ، فَالْمَوْتُ وَمُسَاءَلَةُ الْمَلَكِ وَظُلْمَةُ الْقَبْرِ، ثُمَّ الْبَعْثُ وَالْعَرْضُ عَلَى اللَّهِ إِلَى أَنْ يَسْتَقِرَّ بِهِ الْقَرَارُ إِمَّا فِي الْجَنَّةِ وَإِمَّا فِي النَّارِ.
وَأَمَّا الرَّابِعُ: وَهُوَ يَكُونُ اللَّفْظُ مَحْمُولًا عَلَى الْكُلِّ فَهُوَ الْحَقُّ، وَعِنْدِي فِيهِ وَجْهٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَذَّةٌ الْبَتَّةَ، بَلْ ذَاكَ يُظَنُّ أَنَّهُ لَذَّةٌ فَهُوَ خَلَاصٌ عَنِ الْأَلَمِ، فَإِنَّ مَا يُتَخَيَّلُ مِنَ اللَّذَّةِ عِنْدَ الْأَكْلِ فَهُوَ خَلَاصٌ عِنْدَ أَلَمِ الْجُوعِ، وَمَا يُتَخَيَّلُ مِنَ اللَّذَّاتِ عِنْدَ اللُّبْسِ فَهُوَ خَلَاصٌ عَنْ أَلَمِ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ، فَلَيْسَ لِلْإِنْسَانِ، إِلَّا أَلَمٌ أَوْ خَلَاصٌ عَنْ أَلَمٍ وَانْتِقَالٌ إِلَى آخَرَ، فَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ: لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي كَبَدٍ ويطهر مِنْهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ لِلْإِنْسَانِ مِنَ الْبَعْثِ وَالْقِيَامَةِ، لِأَنَّ الْحَكِيمَ الَّذِي دَبَّرَ خِلْقَةَ الْإِنْسَانِ إِنْ كَانَ مَطْلُوبُهُ مِنْهُ أَنْ يَتَأَلَّمَ، فَهَذَا لَا يَلِيقُ بِالرَّحْمَةِ، وَإِنْ كَانَ مَطْلُوبُهُ أَنْ لَا يَتَأَلَّمَ وَلَا يَلْتَذَّ، فَفِي تَرْكِهِ عَلَى الْعَدَمِ كِفَايَةٌ فِي هَذَا الْمَطْلُوبِ، وَإِنْ كَانَ مَطْلُوبُهُ أَنْ يَلْتَذَّ، فَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ لَيْسَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ لَذَّةٌ، وَأَنَّهُ خَلَقَ الْإِنْسَانَ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا فِي كَبَدٍ وَمَشَقَّةٍ وَمِحْنَةٍ، فَإِذًا لَا بُدَّ/ بَعْدَ هَذِهِ الدَّارِ مِنْ دَارٍ أُخْرَى، لِتَكُونَ تِلْكَ الدَّارُ دَارَ السَّعَادَاتِ وَاللَّذَّاتِ وَالْكَرَامَاتِ.
وَأَمَّا عَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي وَهُوَ أَنْ يُفَسَّرَ الْكَبَدُ بِالِاسْتِوَاءِ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فِي كَبَدٍ، أَيْ قَائِمًا مُنْتَصِبًا، وَالْحَيَوَانَاتُ الْأُخَرُ تَمْشِي مُنَكَّسَةً، فَهَذَا امْتِنَانٌ عَلَيْهِ بِهَذِهِ الْخِلْقَةِ.
وَأَمَّا عَلَى الْوَجْهِ الثَّالِثِ: وَهُوَ أَنْ يُفَسَّرَ الْكَبَدُ بِشِدَّةِ الْخِلْقَةِ، فَقَدْ قَالَ الْكَلْبِيُّ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي رَجُلٍ مِنْ بَنِي جُمَحٍ يُكْنَى أَبَا الْأَشَدِّ، وَكَانَ يَجْعَلُ تَحْتَ قَدَمَيْهِ الْأَدِيمَ الْعُكَاظِيَّ، فَيَجْتَذِبُونَهُ مِنْ تَحْتِ قَدَمَيْهِ فَيَتَمَزَّقُ الْأَدِيمُ وَلَمْ تَزَلْ قَدَمَاهُ، وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّائِقَ بِالْآيَةِ هُوَ الْوَجْهُ الْأَوَّلُ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: حَرْفُ فِي وَاللَّامُ مُتَقَارِبَانِ، تَقُولُ: إِنَّمَا أَنْتَ لِلْعَنَاءِ وَالنَّصَبِ، وَإِنَّمَا أَنْتَ فِي الْعَنَاءِ وَالنَّصَبِ، وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ قَوْلَهُ: فِي كَبَدٍ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْكَبَدَ قَدْ أَحَاطَ بِهِ إِحَاطَةَ الظَّرْفِ بِالْمَظْرُوفِ، وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى مَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ لَيْسَ فِي الدُّنْيَا إِلَّا الْكَدُّ والمحنة.

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 31  صفحه : 166
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست