responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 31  صفحه : 144
أَنَّ لِلْعَالَمِ صَانِعًا قَادِرًا عَالِمًا غَنِيًّا فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ فِي غَايَةِ الْحِكْمَةِ، ثُمَّ إِنَّا نَرَى النَّاسَ بَعْضَهُمْ مُحْتَاجًا إِلَى الْبَعْضِ، فَإِنَّ الْإِنْسَانَ الْوَاحِدَ لَا يُمْكِنُهُ الْقِيَامُ بِمُهِمَّاتِ نَفْسِهِ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ بَلْدَةٍ يَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِهَا مَشْغُولًا بِمُهِمٍّ آخَرَ [1] حَتَّى يتنظم مِنْ مَجْمُوعِهِمْ مَصْلَحَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، وَذَلِكَ الِانْتِظَامُ لَا يَحْسُنُ إِلَّا مَعَ التَّكْلِيفِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى الْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ، ذَلِكَ لَا يَحْصُلُ إِلَّا بِالْبَعْثِ وَالْقِيَامَةِ وَخَلْقِ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ فَثَبَتَ أَنَّ إِقَامَةَ الدَّلَالَةِ عَلَى الصَّانِعِ الْحَكِيمِ تُوجِبُ الْقَوْلَ بِصِحَّةِ الْبَعْثِ وَالْقِيَامَةِ فَلِهَذَا السَّبَبِ ذَكَرَ اللَّهُ دَلَالَةَ التَّوْحِيدِ فِي آخِرِ هَذِهِ السُّورَةِ، فَإِنْ قِيلَ: فَأَيُّ مُجَانَسَةٍ بَيْنَ الْإِبِلِ وَالسَّمَاءِ وَالْجِبَالِ وَالْأَرْضِ، ثُمَّ لِمَ بَدَأَ بِذِكْرِ الْإِبِلِ؟ قُلْنَا فِيهِ وَجْهَانِ: الْأَوَّلُ: أَنَّ جَمِيعَ الْمَخْلُوقَاتِ مُتَسَاوِيَةٌ فِي هَذِهِ الدَّلَالَةِ وَذِكْرَ جَمِيعِهَا غَيْرُ مُمْكِنٍ لِكَثْرَتِهَا وَأَيُّ وَاحِدٍ مِنْهَا ذُكِرَ دُونَ غَيْرِهِ كَانَ هَذَا السُّؤَالُ عَائِدًا، فَوَجَبَ الْحُكْمُ بِسُقُوطِ هَذَا السُّؤَالِ عَلَى جَمِيعِ التَّقَادِيرِ، وَأَيْضًا فَلَعَلَّ الْحِكْمَةَ فِي ذِكْرِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الَّتِي هِيَ غَيْرُ مُتَنَاسِبَةٍ التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّ هَذَا الْوَجْهَ مِنَ الِاسْتِدْلَالِ غَيْرُ مُخْتَصٍّ بِنَوْعٍ دُونَ نَوْعٍ بَلْ هُوَ عَامٌّ فِي الْكُلِّ عَلَى مَا قَالَ: وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ [الْإِسْرَاءِ: 44] وَلَوْ ذَكَرَ غَيْرَهَا لَمْ يَكُنِ الْأَمْرُ كَذَلِكَ لَا جَرَمَ ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى أُمُورًا غَيْرَ مُتَنَاسِبَةٍ بَلْ مُتَبَاعِدَةً جِدًّا، تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ جَمِيعَ الْأَجْسَامِ الْعُلْوِيَّةِ وَالسُّفْلِيَّةِ صَغِيرِهَا وَكَبِيرِهَا حَسَنِهَا وَقَبِيحِهَا مُتَسَاوِيَةٌ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى الصَّانِعِ الْحَكِيمِ، فَهَذَا وَجْهٌ حَسَنٌ مَعْقُولٌ وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ الْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ أَنْ نُبَيِّنَ مَا فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ مِنَ الْمَنَافِعِ وَالْخَوَاصِّ الدَّالَّةِ عَلَى الْحَاجَةِ إِلَى الصَّانِعِ الْمُدَبِّرِ، ثُمَّ نُبَيِّنَ أَنَّهُ كَيْفَ يُجَانِسُ بَعْضُهَا بَعْضًا.
أَمَّا الْمَقَامُ الْأَوَّلُ: فَنَقُولُ الْإِبِلُ لَهُ خَوَاصٌّ مِنْهَا أَنَّهُ تَعَالَى جَعَلَ الْحَيَوَانَ الَّذِي يُقْتَنَى أَصْنَافًا شَتَّى فَتَارَةً يُقْتَنَى لِيُؤْكَلَ لَحْمُهُ وَتَارَةً لِيُشْرَبَ لَبَنُهُ وَتَارَةً لِيَحْمِلَ الْإِنْسَانَ فِي الْأَسْفَارِ وَتَارَةً/ لِيَنْقُلَ أَمْتِعَةَ الْإِنْسَانِ مِنْ بَلَدٍ إِلَى بَلَدٍ وَتَارَةً لِيَكُونَ لَهُ بِهِ زِينَةٌ وَجَمَالٌ وَهَذِهِ الْمَنَافِعُ بِأَسْرِهَا حَاصِلَةٌ فِي الْإِبِلِ، وَقَدْ أَبَانَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ:
أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا أَنْعاماً فَهُمْ لَها مالِكُونَ وَذَلَّلْناها لَهُمْ فَمِنْها رَكُوبُهُمْ وَمِنْها يَأْكُلُونَ [يس: 71، 72] ، قال: وَالْأَنْعامَ خَلَقَها لَكُمْ فِيها دِفْءٌ وَمَنافِعُ وَمِنْها تَأْكُلُونَ، وَلَكُمْ فِيها جَمالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ وَتَحْمِلُ أَثْقالَكُمْ إِلى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ [النَّحْلِ: 5- 7] وَإِنَّ شَيْئًا مِنْ سَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ لَا يَجْتَمِعُ فِيهِ هَذِهِ الْخِصَالُ فَكَانَ اجْتِمَاعُ هَذِهِ الْخِصَالِ فِيهِ مِنَ الْعَجَائِبِ وَثَانِيهَا: أَنَّهُ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْخِصَالِ أَفْضَلُ مِنَ الْحَيَوَانِ الَّذِي لَا يُوجَدُ فِيهِ إِلَّا تِلْكَ الْخَصْلَةُ لِأَنَّهَا إِنْ جُعِلَتْ حَلُوبَةً سَقَتْ فَأَرْوَتِ الْكَثِيرَ، وَإِنْ جُعِلَتْ أَكُولَةً أَطْعَمَتْ وَأَشْبَعَتِ الْكَثِيرَ، وَإِنْ جُعِلَتْ رَكُوبَةً أَمْكَنَ أَنْ يُقْطَعَ بِهَا مِنَ الْمَسَافَاتِ الْمَدِيدَةِ مَا لَا يُمْكِنُ قَطْعُهُ بِحَيَوَانٍ آخَرَ، وَذَلِكَ لِمَا رُكِّبَ فِيهَا مِنْ قُوَّةِ احْتِمَالِ الْمُدَاوَمَةِ عَلَى السَّيْرِ وَالصَّبْرِ عَلَى الْعَطَشِ وَالِاجْتِزَاءِ مِنَ الْعُلُوفَاتِ بِمَا لَا يَجْتَزِئُ حَيَوَانٌ آخَرُ، وَإِنْ جُعِلَتْ حَمَلَةً اسْتُغِلَّتْ بِحَمْلِ الْأَحْمَالِ الثَّقِيلَةِ الَّتِي لَا يَسْتَقِلُّ بِهَا سِوَاهَا، وَمِنْهَا أَنَّ هَذَا الْحَيَوَانَ كَانَ أَعْظَمَ الْحَيَوَانَاتِ وَقْعًا فِي قَلْبِ الْعَرَبِ وَلِذَلِكَ فَإِنَّهُمْ جَعَلُوا دِيَةَ قَتْلِ الْإِنْسَانِ إِبِلًا، وَكَانَ الْوَاحِدُ مِنْ مُلُوكِهِمْ إِذَا أَرَادَ الْمُبَالَغَةَ فِي إِعْطَاءِ الشَّاعِرِ الَّذِي جَاءَهُ مِنَ الْمَكَانِ الْبَعِيدِ أَعْطَاهُ مِائَةَ بَعِيرٍ، لِأَنَّ امْتِلَاءَ الْعَيْنِ مِنْهُ أَشَدُّ مِنِ امْتِلَاءِ الْعَيْنِ مِنْ غَيْرِهِ، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: وَلَكُمْ فِيها جَمالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ
[النَّحْلِ: 6] وَمِنْهَا أَنِّي كُنْتُ مَعَ جَمَاعَةٍ فِي مَفَازَةٍ فَضَلَلْنَا الطَّرِيقَ فقدموا جملا وتبعوه فكان

[1] هكذا في الأصل، ولعله سقط شيء وصوابه: بل لا بد في كل بلدة أن يَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِهَا مَشْغُولًا بِمُهِمٍّ وغيره مشغولا بمهم آخر.
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 31  صفحه : 144
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست