responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 30  صفحه : 762
أَنْ تَكُونَ مَشِيئَةُ الْعَبْدِ مَتَى كَانَتْ خَالِصَةً فَإِنَّهَا تَكُونُ مُسْتَلْزِمَةً لِلْفِعْلِ، وَقَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ: وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ مَشِيئَةَ الله تعالى مستلزمة لمشيئة العبد ومستلزمة الْمُسْتَلْزِمِ مُسْتَلْزِمٌ، فَإِذًا مَشِيئَةُ اللَّهِ مُسْتَلْزِمَةٌ لِفِعْلِ الْعَبْدِ، وَذَلِكَ هُوَ الْجَبْرُ، وَهَكَذَا الِاسْتِدْلَالُ عَلَى الْجَبْرِ بِقَوْلِهِ: فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ لِأَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ أَيْضًا تَقْتَضِي كَوْنَ الْمَشِيئَةِ مُسْتَلْزِمَةً لِلْفِعْلِ ثُمَّ التَّقْرِيرُ مَا تَقَدَّمَ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الِاسْتِدْلَالَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ الَّذِي لَخَّصْنَاهُ لَا يَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ كَلَامُ الْقَاضِي إِلَّا أَنَّا نَذْكُرُهُ وَنُنَبِّهُ عَلَى مَا فِيهِ مِنَ الضَّعْفِ، قَالَ الْقَاضِي: الْمَذْكُورُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ اتِّخَاذُ السَّبِيلِ إِلَى اللَّهِ، وَنَحْنُ نُسَلِّمُ أَنَّ اللَّهَ قَدْ شَاءَهُ لِأَنَّهُ تَعَالَى قَدْ أَمَرَ بِهِ، فَلَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ قَدْ شَاءَهُ. وَهَذَا لَا يَقْتَضِي أَنْ يُقَالَ الْعَبْدُ: لَا يَشَاءُ إِلَّا مَا قَدْ شَاءَهُ اللَّهُ عَلَى الْإِطْلَاقِ، إِذِ الْمُرَادُ بِذَلِكَ الْأَمْرُ الْمَخْصُوصُ الَّذِي قَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ تَعَالَى قَدْ أَرَادَهُ وَشَاءَهُ.
وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْقَاضِي لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالِاسْتِدْلَالِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ، وَأَيْضًا فَحَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي تَخْصِيصُ هَذَا الْعَامِّ بِالصُّورَةِ الَّتِي مَرَّ ذِكْرُهَا فِيمَا قَبْلَ هَذِهِ الْآيَةِ، وَذَلِكَ ضَعِيفٌ، لِأَنَّ خُصُوصَ مَا قَبْلَ الْآيَةِ لَا يَقْتَضِي تَخْصِيصَ هَذَا الْعَامِّ بِهِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَارِدًا بِحَيْثُ يَعُمُّ تِلْكَ الصُّورَةَ وَسَائِرَ الصُّوَرِ، بَقِيَ فِي الْآيَةِ سُؤَالٌ يَتَعَلَّقُ بِالْإِعْرَابِ، وَهُوَ أَنْ يُقَالَ: مَا مَحَلُّ أَنْ يَشاءَ اللَّهُ؟ وَجَوَابُهُ النَّصْبُ عَلَى الظَّرْفِ، وَأَصْلُهُ إِلَّا وَقْتَ مَشِيئَةِ اللَّهِ، وَكَذَلِكَ قِرَاءَةُ ابْنِ مَسْعُودٍ: «إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ» لِأَنَّ مَا مع الفعل كأن معه، وقرئ أيضا يشاءون بالياء.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً أَيْ عَلِيمًا بِأَحْوَالِهِمْ وَمَا يَكُونُ مِنْهُمْ حَيْثُ خَلَقَهُمْ مَعَ عِلْمِهِ بِهِمْ.
ثُمَّ خَتَمَ السورة فقال:

[سورة الإنسان (76) : آية 31]
يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً (31)
اعْلَمْ أَنَّ خَاتِمَةَ هَذِهِ السورة عجيبة، وذلك لأن قوله: وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ [الْإِنْسَانِ: 30] يَدُلُّ عَلَى أَنَّ جَمِيعَ/ مَا يَصْدُرُ عَنِ الْعَبْدِ فَبِمَشِيئَةِ اللَّهِ، وَقَوْلُهُ: يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً يَدُلُّ عَلَى أَنَّ دُخُولَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ لَيْسَ إِلَّا بِمَشِيئَةِ اللَّهِ، فَخَرَجَ مِنْ آخِرِ هَذِهِ السُّورَةِ إِلَّا اللَّهَ وَمَا هُوَ مِنَ اللَّهِ، وَذَلِكَ هُوَ التَّوْحِيدُ الْمُطْلَقُ الَّذِي هُوَ آخِرُ سَيْرِ الصِّدِّيقِينَ وَمُنْتَهَى مَعَارِجِهِمْ فِي أَفْلَاكِ الْمَعَارِفِ الْإِلَهِيَّةِ، وَفِي الْآيَةِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَوْلُهُ: يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ إِنْ فَسَّرْنَا الرحمة الإيمان، فَالْآيَةُ صَرِيحَةٌ فِي أَنَّ الْإِيمَانَ مِنَ اللَّهِ، وَإِنْ فَسَّرْنَاهَا بِالْجَنَّةِ كَانَ دُخُولُ الْجَنَّةِ بِسَبَبِ مَشِيئَةِ اللَّهِ وَفَضْلِهِ وَإِحْسَانِهِ لَا بِسَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ الِاسْتِحْقَاقُ لَكَانَ تَرْكُهُ يُفْضِي إِلَى الْجَهْلِ وَالْحَاجَةِ الْمُحَالَيْنِ عَلَى اللَّهِ، وَالْمُفْضِي إِلَى الْمَحَالِ مُحَالٌ فَتَرْكُهُ مُحَالٌ فَوُجُودُهُ وَاجِبٌ عَقْلًا وَعَدَمُهُ مُمْتَنِعٌ عَقْلًا، وَمَا كَانَ كَذَلِكَ لَا يَكُونُ مُعَلَّقًا عَلَى الْمَشِيئَةِ أَلْبَتَّةَ، وَأَيْضًا فَلِأَنَّ مَنْ كَانَ مَدْيُونًا مِنْ إِنْسَانٍ فَأَدَّى ذَلِكَ الدَّيْنَ إِلَى مُسْتَحِقِّهِ لَا يُقَالُ: بِأَنَّهُ إِنَّمَا دَفَعَ ذَلِكَ الْقَدْرَ إِلَيْهِ عَلَى سَبِيلِ الرَّحْمَةِ وَالتَّفَضُّلِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ: وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ جَفَّ الْقَلَمُ بِمَا هُوَ كَائِنٌ، لِأَنَّ مَعْنَى

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 30  صفحه : 762
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست