responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 30  صفحه : 677
أَيْ لَكُمْ لَا لِغَيْرِكُمْ. وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ لَهُمْ هَذِهِ الْحَالَةَ لَا لِغَيْرِهِمْ، وَجَبَ فِي سَائِرِ الْمُذْنِبِينَ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ عَلَى سَبِيلِ التَّأْبِيدِ، فَظَهَرَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ حُجَّةٌ لَنَا عَلَيْهِمْ. وَعَلَى تَمَسُّكِهِمْ بِالْآيَةِ سُؤَالٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنَّ قَوْلَهُ: وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يَتَنَاوَلُ مَنْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ بِجَمِيعِ أَنْوَاعِ الْمَعَاصِي، وَذَلِكَ هُوَ الْكَافِرُ وَنَحْنُ نَقُولُ: بِأَنَّ الْكَافِرَ يَبْقَى فِي النَّارِ مُؤَبَّدًا، وَإِنَّمَا قُلْنَا إِنَّ قَوْلَهُ: وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يَتَنَاوَلُ مَنْ عَصَى اللَّهَ بِجَمِيعِ أَنْوَاعِ الْمَعَاصِي لِأَنَّ قَوْلَهُ: وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ يَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ جَمِيعِ أَنْوَاعِ الْمَعَاصِي عَنْهُ، مِثْلُ أَنْ يُقَالَ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ إِلَّا فِي الْكُفْرِ وَإِلَّا فِي الزِّنَا، وَإِلَّا فِي شُرْبِ الْخَمْرِ، وَمِنْ مَذْهَبِ الْقَائِلِينَ بِالْوَعِيدِ أَنَّ حُكْمَ الِاسْتِثْنَاءِ إِخْرَاجُ مَا لَوْلَاهُ لَكَانَ دَاخِلًا تَحْتَ اللَّفْظِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ، وَجَبَ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ مُتَنَاوِلًا لِمَنْ أَتَى بِكُلِّ الْمَعَاصِي، وَالَّذِي يَكُونُ كَذَلِكَ هُوَ الْكَافِرُ، فَالْآيَةُ مُخْتَصَّةٌ بِالْكَافِرِ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ، فَسَقَطَ وَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ بِهَا.
فَإِنْ قِيلَ: كَوْنُ الْإِنْسَانِ الْوَاحِدِ آتِيًا لِجَمِيعِ أَنْوَاعِ الْمَعَاصِي مُحَالٌ، لأن من المحال أن يكون قائلا بالتجسم، وَأَنْ يَكُونَ مَعَ ذَلِكَ قَائِلًا بِالتَّعْطِيلِ، وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ مُحَالًا فَحَمْلُ الْآيَةِ عَلَيْهِ غَيْرُ جَائِزٍ قُلْنَا: تَخْصِيصُ الْعَامِّ بِدَلِيلِ الْعَقْلِ جَائِزٌ، فَقَوْلُنَا: وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ يُفِيدُ كَوْنَهُ آتِيًا بِجَمِيعِ أَنْوَاعِ/ الْمَعَاصِي، تَرَكَ الْعَمَلَ بِهِ فِي الْقَدْرِ الَّذِي امْتَنَعَ عَقْلًا حُصُولُهُ فَيَبْقَى مُتَنَاوِلًا لِلْآتِي بِجَمِيعِ الْأَشْيَاءِ الَّتِي يُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَهَا، وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الْكُفْرِ وَغَيْرِهِ مُمْكِنٌ فَتَكُونُ الْآيَةُ مُخْتَصَّةً بِهِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: تَمَسَّكَ الْقَائِلُونَ بِأَنَّ الْأَمْرَ لِلْوُجُوبِ بِهَذِهِ الْآيَةِ فَقَالُوا: تَارِكُ الْمَأْمُورِ بِهِ عَاصٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:
أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي [طه: 93] ، لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ [التحريم: 6] ، لا أَعْصِي لَكَ أَمْراً [الْكَهْفِ:
69] وَالْعَاصِي مُسْتَحِقٌّ لِلْعِقَابِ لِقَوْلِهِ: وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَداً.

[سورة الجن (72) : آية 24]
حَتَّى إِذا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ ناصِراً وَأَقَلُّ عَدَداً (24)
فَإِنْ قِيلَ: مَا الشَّيْءُ الَّذِي جَعَلَ مَا بَعْدَ حَتَّى غَايَةً لَهُ؟ قُلْنَا: فِيهِ وَجْهَانِ الْأَوَّلُ: أَنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بقوله: يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً [الجن: 19] وَالتَّقْدِيرُ أَنَّهُمْ يَتَظَاهَرُونَ عَلَيْهِ بِالْعَدَاوَةِ وَيَسْتَضْعِفُونَ أَنْصَارَهُ وَيَسْتَقِلُّونَ (عَدَدَهُ) [1] حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ مِنْ يَوْمِ بَدْرٍ وَإِظْهَارِ اللَّهِ لَهُ عَلَيْهِمْ أَوْ مِنْ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَسَيَعْلَمُونَ أَيُّهُمْ أَضْعَفُ نَاصِرًا وَأَقَلُّ عَدَدًا، الثَّانِي: أَنَّهُ مُتَعَلِّقٍ بِمَحْذُوفٍ دَلَّتْ عَلَيْهِ الْحَالُ مِنَ اسْتِضْعَافِ الْكُفَّارِ لَهُ وَاسْتِقْلَالِهِمْ لِعَدَدِهِ كَأَنَّهُ قِيلَ: هَؤُلَاءِ لَا يَزَالُونَ عَلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ حَتَّى إِذَا كَانَ كَذَا كَانَ كَذَا، وَاعْلَمْ أَنَّ نَظِيرَ هَذِهِ الْآيَةِ قَوْلُهُ فِي مَرْيَمَ: حَتَّى إِذا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ [مَرْيَمَ: 75] وَاعْلَمْ أَنَّ الْكَافِرَ لَا نَاصِرَ لَهُ وَلَا شَفِيعَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى مَا قَالَ:
مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطاعُ [غَافِرٍ: 18] وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى [الْأَنْبِيَاءِ: 28] وَيَفِرُّ كُلُّ أَحَدٍ مِنْهُمْ مِنْ صَاحِبِهِ عَلَى مَا قَالَ: يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ [عَبَسَ: 34] إِلَى آخِرِهِ: يَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ
[الْحَجِّ: 2] وَأَمَّا الْمُؤْمِنُونَ فَلَهُمُ الْعِزَّةُ وَالْكَرَامَةُ وَالْكَثْرَةُ قَالَ تَعَالَى: وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ سَلامٌ عَلَيْكُمْ [الرَّعْدِ: 23، 24] وَالْمَلِكُ الْقُدُّوسُ يُسَلِّمُ عَلَيْهِمْ سَلامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ فَهُنَاكَ يَظْهَرُ أَنَّ الْقُوَّةَ وَالْعَدَدَ فِي جَانِبِ المؤمنين أو في جانب الكفار.

[سورة الجن (72) : آية 25]
قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ مَا تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَداً (25)

[1] في الكشاف (عددهم) 4/ 172 ط. دار الفكر.
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 30  صفحه : 677
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست