responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 30  صفحه : 665
فِي تَجَسُّسِ الْخَبَرِ الثَّانِي: أَنَّ الَّذِينَ رُمُوا بِالشُّهُبِ كَانُوا مِنَ الْجِنِّ إِلَّا أَنَّهُ قِيلَ لَهُمْ: شَيَاطِينُ كَمَا قِيلَ: شَيَاطِينُ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ كُلُّ مُتَمَرِّدٍ بَعِيدٍ عَنْ طَاعَةِ اللَّهِ، وَاخْتَلَفُوا فِي أَنَّ أُولَئِكَ الْجِنَّ الَّذِينَ سَمِعُوا الْقُرْآنَ مَنْ هُمْ؟ فَرَوَى عَاصِمٌ عَنْ ذَرٍّ قَالَ: قَدِمَ رَهْطُ زَوْبَعَةَ وَأَصْحَابِهِ مَكَّةَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَمِعُوا قِرَاءَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ انْصَرَفُوا فَذَلِكَ قَوْلِهِ: وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ [الْأَحْقَافِ: 29] وَقِيلَ: كَانُوا مِنَ الشَّيْصَبَانِ وَهُمْ أَكْثَرُ الْجِنِّ عَدَدًا وَعَامَّةُ جُنُودِ إِبْلِيسَ مِنْهُمْ.
الْقَوْلُ الثَّانِي: وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ أَمَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَسِيرِ إِلَيْهِمْ لِيَقْرَأَ الْقُرْآنَ عَلَيْهِمْ وَيَدْعُوَهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ،
قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «أُمِرْتُ أَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ عَلَى الْجِنِّ/ فَمَنْ يَذْهَبُ مَعِي؟
فَسَكَتُوا، ثُمَّ قَالَ الثَّانِيَةَ فَسَكَتُوا، ثُمَّ قَالَ الثَّالِثَةَ، فَقَالَ: عَبْدُ اللَّهِ قُلْتُ أَنَا أَذْهَبُ مَعَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: فَانْطَلَقَ حَتَّى إِذَا جَاءَ الْحَجُونَ عِنْدَ شِعْبِ ابْنِ أَبِي دُبٍّ، خَطَّ عَلَيَّ خَطًّا فَقَالَ: لَا تُجَاوِزْهُ، ثُمَّ مَضَى إِلَى الْحَجُونِ فَانْحَدَرُوا عَلَيْهِ أَمْثَالَ الْحَجَلِ كَأَنَّهُمْ رِجَالُ الزُّطِّ «1» يَقْرَعُونَ فِي دَفُوفِهِمْ كَمَا تَقْرَعُ النِّسْوَةُ فِي دَفُوفِهَا حَتَّى غَشَوْهُ، فَغَابَ عَنْ بَصَرِي فَقُمْتُ، فَأَوْمَأَ إِلَيَّ بِيَدِهِ أَنِ اجْلِسْ، ثُمَّ تَلَا الْقُرْآنَ، فَلَمْ يَزَلْ صَوْتُهُ يَرْتَفِعُ، وَلَصِقُوا بِالْأَرْضِ حَتَّى صِرْتُ أَسْمَعُ صَوْتَهُمْ وَلَا أَرَاهُمْ. وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى فَقَالُوا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا أَنْتَ؟ قَالَ: أَنَا نَبِيُّ اللَّهِ، قَالُوا: فَمَنْ يَشْهَدُ لَكَ عَلَى ذَلِكَ؟ قَالَ: هَذِهِ الشَّجَرَةُ، تَعَالِي يَا شَجَرَةُ، فَجَاءَتْ تَجُرُّ عُرُوقَهَا لَهَا قَعَاقِعُ حَتَّى انْصَبَّتْ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ عَلَى مَاذَا تَشْهَدِينَ لِي؟ قَالَتْ: أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ، قَالَ: اذْهَبِي، فَرَجَعَتْ كَمَا جَاءَتْ حَتَّى صَارَتْ كَمَا كَانَتْ. قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: فَلَمَّا عَادَ إِلَيَّ، قَالَ: أَرَدْتَ أَنْ تَأْتِيَنِي؟ قُلْتُ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: مَا كَانَ ذَلِكَ لَكَ، هَؤُلَاءِ الْجِنُّ أَتَوْا يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ، ثُمَّ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ، فَسَأَلُونِي الزَّادَ فَزَوَّدْتُهُمُ الْعَظْمَ وَالْبَعْرَ، فَلَا يَسْتَطْيِبَنَّ أَحَدٌ بِعَظْمٍ وَلَا بَعْرٍ.
وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا سَبِيلَ إِلَى تَكْذِيبِ الرِّوَايَاتِ، وَطَرِيقُ التَّوْفِيقِ بَيْنَ مَذْهَبِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَمَذْهَبِ ابْنِ مَسْعُودٍ مِنْ وُجُوهٍ أَحَدُهَا: لَعَلَّ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَعَ أَوَّلًا، فَأَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إِلَيْهِ بِهَذِهِ السُّورَةِ، ثُمَّ أُمِرَ بِالْخُرُوجِ إِلَيْهِمْ بَعْدَ ذَلِكَ كَمَا رَوَى ابْنُ مَسْعُودٍ وَثَانِيهَا: أَنَّ بِتَقْدِيرِ أَنْ تَكُونَ وَاقِعَةُ الْجِنِّ مَرَّةً وَاحِدَةً، إِلَّا أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أُمِرَ بِالذَّهَابِ إِلَيْهِمْ، وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ عَلَيْهِمْ، إِلَّا أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَا عَرَفَ أَنَّهُمْ مَاذَا قَالُوا، وَأَيُّ شَيْءٍ فَعَلُوا، فَاللَّهُ تَعَالَى أَوْحَى إِلَيْهِ أَنَّهُ كَانَ كَذَا وَقَالُوا كَذَا وَثَالِثُهَا: أَنَّ الْوَاقِعَةَ كَانَتْ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَهُوَ عَلَيْهِ السَّلَامُ رَآهُمْ وَسَمِعَ كَلَامَهُمْ، وَهُمْ آمَنُوا بِهِ، ثُمَّ لَمَّا رَجَعُوا إِلَى قَوْمِهِمْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ عَلَى سَبِيلِ الْحِكَايَةِ: إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا وَكَانَ كَذَا وَكَذَا، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا قَالُوهُ لِأَقْوَامِهِمْ، وَإِذَا كَانَتْ هَذِهِ الْوُجُوهُ مُحْتَمَلَةً فَلَا سَبِيلَ إِلَى التَّكْذِيبِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: اعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: قُلْ أَمْرٌ مِنْهُ تَعَالَى لِرَسُولِهِ أَنْ يُظْهِرَ لِأَصْحَابِهِ مَا أَوْحَى اللَّهُ فِي وَاقِعَةِ الْجِنِّ، وَفِيهِ فَوَائِدُ إِحْدَاهَا: أَنْ يَعْرِفُوا بِذَلِكَ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَمَا بُعِثَ إِلَى الْإِنْسِ، فَقَدْ بُعِثَ إِلَى الْجِنِّ وَثَانِيهَا: أَنْ يَعْلَمَ قُرَيْشٌ أَنَّ الْجِنَّ مَعَ تَمَرُّدِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الْقُرْآنَ عَرَفُوا إِعْجَازَهُ، فَآمَنُوا بِالرَّسُولِ وَثَالِثُهَا: أَنْ يَعْلَمَ الْقَوْمُ أَنَّ الْجِنَّ مُكَلَّفُونَ كَالْإِنْسِ وَرَابِعُهَا: أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ الْجِنَّ يَسْتَمِعُونَ كَلَامَنَا وَيَفْهَمُونَ لُغَاتِنَا وَخَامِسُهَا: أَنْ يُظْهِرَ أَنَّ الْمُؤْمِنَ مِنْهُمْ يَدْعُو غَيْرَهُ مِنْ قَبِيلَتِهِ إِلَى الْإِيمَانِ، وَفِي كُلِّ هَذِهِ الْوُجُوهِ مصالح كثيرة إذا عرفها الناس.

(1)
يروى الحديث هكذا: «أجسامهم كأجسام الزط ورؤسهم كرءوس المكاكي» .
يعني عظام الأجسام صغار الرءوس والمكاكي جمع مكاء وهو طائر صغير.
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 30  صفحه : 665
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست