responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 30  صفحه : 650
وَاحِدٍ مِنْ آحَادِ الْمَجْمُوعِ، فَلَهُ أَنْ يَقُولَ: لَا أُطَالِبُكَ بِمَجْمُوعِ ذُنُوبِكَ، وَلَكِنِّي أُطَالِبُكَ بِهَذَا الذَّنْبِ الْوَاحِدِ فَقَطْ، أَمَّا لَمَّا قَالَ: يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ كَانَ تَقْدِيرُهُ يَغْفِرُ كُلَّ مَا كَانَ مِنْ ذُنُوبِكُمْ، وَهَذَا يَقْتَضِي عَدَمَ الْمُؤَاخَذَةِ عَلَى مَجْمُوعِ الذُّنُوبِ وَعَدَمِ الْمُؤَاخَذَةِ أَيْضًا عَلَى كُلِّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ الْمَجْمُوعِ الثَّالِثُ: أَنَّ قَوْلَهُ: يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ هَبْ أَنَّهُ يَقْتَضِي التَّبْعِيضَ لَكِنَّهُ حَتَّى لِأَنَّ مَنْ آمَنَ فَإِنَّهُ يَصِيرُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذُنُوبِهِ عَلَى إِيمَانِهِ مَغْفُورًا، أَمَّا مَا تَأَخَّرَ عَنْهُ فَإِنَّهُ لَا يَصِيرُ بِذَلِكَ السَّبَبِ مَغْفُورًا، فَثَبَتَ أنه لا بد هاهنا مِنْ حَرْفِ التَّبْعِيضِ.
السُّؤَالُ الثَّانِي: كَيْفَ قَالَ: وَيُؤَخِّرْكُمْ مَعَ إِخْبَارِهِ بِامْتِنَاعِ تَأْخِيرِ الْأَجَلِ، وَهَلْ هَذَا إِلَّا تَنَاقُضٌ؟ الْجَوَابُ:
قَضَى اللَّهُ مَثَلًا أَنَّ قَوْمَ نُوحٍ إِنْ آمَنُوا عَمَّرَهُمُ اللَّهُ ألف سنة، وإن بقوا على كفرهم أهلكم عَلَى رَأْسِ تِسْعِمِائَةِ سَنَةٍ، فَقِيلَ لَهُمْ: آمِنُوا يؤخركم إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى أَيْ إِلَى وَقْتٍ سَمَّاهُ اللَّهُ وَجَعَلَهُ غَايَةَ الطُّولِ فِي الْعُمْرِ، وَهُوَ تَمَامُ الْأَلْفِ، ثُمَّ أَخْبَرَ أَنَّهُ إِذَا انْقَضَى ذَلِكَ الْأَجَلُ الْأَطْوَلُ، لَا بُدَّ مِنَ الْمَوْتِ.
السُّؤَالُ الثَّالِثُ: مَا الْفَائِدَةُ فِي قَوْلِهِ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ الْجَوَابُ: الْغَرَضُ الزَّجْرُ عَنْ حُبِّ الدُّنْيَا، وَعَنِ التَّهَالُكِ عَلَيْهَا وَالْإِعْرَاضِ عَنِ الدِّينِ بِسَبَبِ حُبِّهَا، يَعْنِي أَنَّ غُلُوَّهُمْ فِي حُبِّ الدُّنْيَا وَطَلَبِ لَذَّاتِهَا بَلَغَ إِلَى حَيْثُ يَدُلُّ على أنهم شاكون في الموت.

[سورة نوح (71) : الآيات 5 الى 6]
قالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهاراً (5) فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعائِي إِلاَّ فِراراً (6)
اعْلَمْ أَنَّ هَذَا مِنَ الْآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى أَنَّ جَمِيعَ الْحَوَادِثِ بِقَضَاءِ اللَّهِ وَقَدَرِهِ، وَذَلِكَ لِأَنَّا نَرَى إِنْسَانَيْنِ يَسْمَعَانِ دَعْوَةَ الرَّسُولِ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ، فَيَصِيرُ ذَلِكَ الْكَلَامُ فِي حَقِّ أَحَدِهِمَا سَبَبًا لِحُصُولِ الْهِدَايَةِ، وَالْمَيْلِ وَالرَّغْبَةِ، وَفِي حَقِّ الثَّانِي سَبَبًا لِمَزِيدِ الْعُتُوِّ وَالتَّكَبُّرِ، وَنِهَايَةِ النَّفْرَةِ، وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ: إِنَّ تِلْكَ النَّفْرَةَ وَالرَّغْبَةَ حَصَلَتَا بِاخْتِيَارِ الْمُكَلَّفِ، فَإِنَّ هَذَا مُكَابَرَةٌ فِي الْمَحْسُوسِ، فَإِنَّ صَاحِبَ النَّفْرَةِ يَجِدُ قَلْبَهُ كَالْمُضْطَرِّ إِلَى تِلْكَ النَّفْرَةِ وَصَاحِبُ الرَّغْبَةِ يَجِدُ قَلْبَهُ كَالْمُضْطَرِّ إِلَى تِلْكَ الرَّغْبَةِ، وَمَتَى حَصَلَتْ تِلْكَ النَّفْرَةُ وَجَبَ أَنْ يَحْصُلَ عَقِيبَهُ التَّمَرُّدُ وَالْإِعْرَاضُ، وَإِنْ حَصَلَتِ الرَّغْبَةُ وَجَبَ أَنْ يَحْصُلَ عَقِيبَهُ الِانْقِيَادُ وَالطَّاعَةُ، فَعَلِمْنَا أَنَّ إِفْضَاءَ سَمَاعِ تِلْكَ الدَّعْوَةِ فِي حَقِّ أَحَدِهِمَا إِلَى الرَّغْبَةِ الْمُسْتَلْزِمَةِ لِحُصُولِ الطَّاعَةِ وَالِانْقِيَادِ وَفِي حَقِّ الثَّانِي إِلَى النَّفْرَةِ الْمُسْتَلْزِمَةِ لِحُصُولِ التَّمَرُّدِ وَالْعِصْيَانِ لَا يَكُونُ إِلَّا بِقَضَاءِ اللَّهِ وَقَدَرِهِ، فَإِنْ قِيلَ: هَبْ أَنَّ حُصُولَ النَّفْرَةِ وَالرَّغْبَةِ لَيْسَ بِاخْتِيَارِهِ، لَكِنْ حُصُولُ/ الْعِصْيَانِ عِنْدَ النَّفْرَةِ يَكُونُ بِاخْتِيَارِهِ، فَإِنَّ الْعَبْدَ مُتَمَكِّنٌ مَعَ تِلْكَ النَّفْرَةِ أَنْ يَنْقَادَ وَيُطِيعَ، قُلْنَا: إِنَّهُ لَوْ حَصَلَتِ النَّفْرَةُ غَيْرَ مُعَارَضَةٍ بِوَجْهٍ مِنْ وُجُوهِ الرَّغْبَةِ بَلْ خَالِصَةً عَنْ جَمِيعِ شَوَائِبِ الرَّغْبَةِ امْتَنَعَ أن يحصل معه الفعل، وذلك لأنه عند ما تَحْصُلُ النَّفْرَةُ وَالرَّغْبَةُ لَمْ يَحْصُلِ الْفِعْلُ الْبَتَّةَ، فَعِنْدَ حُصُولِ النَّفْرَةِ انْضَمَّ إِلَى عَدَمِ الْمُقْتَضِي وُجُودُ الْمَانِعِ، فَبِأَنْ يَصِيرَ الْفِعْلُ مُمْتَنِعًا أَوْلَى، فَثَبَتَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مِنْ أَقْوَى الدَّلَائِلِ عَلَى القضاء والقدر.

[سورة نوح (71) : آية 7]
وَإِنِّي كُلَّما دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْباراً (7)
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: وَإِنِّي كُلَّما دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ.

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 30  صفحه : 650
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست