responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 30  صفحه : 602
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ:
قَالَ: سَعِيدُ بْنُ هِشَامٍ: قُلْتُ لِعَائِشَةَ: «أَخْبِرِينِي عَنْ خُلُقِ رَسُولِ اللَّه، قَالَتْ ألست قرأ الْقُرْآنَ؟ قُلْتُ: بَلَى قَالَتْ: فَإِنَّهُ كَانَ خُلُقَ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ» وَسُئِلَتْ مَرَّةً أُخْرَى فَقَالَتْ: كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنَ، ثُمَّ قَرَأَتْ: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ [الْمُؤْمِنُونَ: 1] إِلَى عَشَرَةِ آيَاتٍ،
وَهَذَا إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ نَفْسَهُ الْمُقَدَّسَةَ كَانَتْ بِالطَّبْعِ مُنْجَذِبَةً إِلَى عَالَمِ الْغَيْبِ، وَإِلَى كُلِّ مَا يَتَعَلَّقُ بِهَا، وَكَانَتْ شَدِيدَةَ النَّفْرَةِ عَنِ اللَّذَّاتِ الْبَدَنِيَّةِ وَالسَّعَادَةِ الدُّنْيَوِيَّةِ بِالطَّبْعِ وَمُقْتَضَى الْفِطْرَةِ، اللَّهُمَّ ارْزُقْنَا شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الْحَالَةِ.
وَرَوَى هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «مَا كَانَ أَحَدٌ أَحْسَنَ خُلُقًا مِنْ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مَا دَعَاهُ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِ وَلَا مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ إِلَّا قَالَ: لَبَّيْكَ»
فَلِهَذَا قَالَ: تَعَالَى: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ
وَقَالَ أَنَسٌ: «خَدَمْتُ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشْرَ سِنِينَ، فما قال لي في شي فَعَلْتُهُ لِمَ فَعَلْتَ، وَلَا فِي شَيْءٍ لَمْ أَفْعَلْهُ هَلَّا فَعَلْتَ»
وَأَقُولُ: إِنَّ اللَّه تَعَالَى وَصَفَ مَا يَرْجِعُ إِلَى قُوَّتِهِ النَّظَرِيَّةِ بِأَنَّهُ عَظِيمٌ، فَقَالَ: وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً
[النِّسَاءِ: 113] وَوَصَفَ ما يرجع إلى قوته العلمية بِأَنَّهُ عَظِيمٌ فَقَالَ: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ فَلَمْ يَبْقَ لِلْإِنْسَانِ بَعْدَ هَاتَيْنِ الْقُوَّتَيْنِ شَيْءٌ، فَدَلَّ/ مَجْمُوعُ هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ عَلَى أَنَّ رُوحَهُ فِيمَا بَيْنَ الْأَرْوَاحِ الْبَشَرِيَّةِ كَانَتْ عَظِيمَةً عَالِيَةَ الدَّرَجَةِ، كَأَنَّهَا لِقُوَّتِهَا وَشَدَّةِ كَمَالِهَا كَانَتْ مِنْ جِنْسِ أَرْوَاحِ الْمَلَائِكَةِ.
وَاعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا وصفه بأنه على خلق عظيم قال:

[سورة القلم (68) : آية 5]
فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ (5)
أَيْ فَسَتَرَى يَا مُحَمَّدُ وَيَرَوْنَ يَعْنِي الْمُشْرِكِينَ، وَفِيهِ قَوْلَانِ: مِنْهُمْ مَنْ حَمَلَ ذَلِكَ عَلَى أَحْوَالِ الدُّنْيَا، يَعْنِي فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ في الدُّنْيَا أَنَّهُ كَيْفَ يَكُونُ عَاقِبَةُ أَمْرِكَ وَعَاقِبَةُ أَمْرِهِمْ، فَإِنَّكَ تَصِيرُ مُعَظَّمًا فِي الْقُلُوبِ، وَيَصِيرُونَ دليلين مَلْعُونِينَ، وَتَسْتَوْلِي عَلَيْهِمْ بِالْقَتْلِ وَالنَّهْبِ، قَالَ مُقَاتِلٌ: هَذَا وَعِيدٌ بِالْعَذَابِ بِبَدْرٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَهُ عَلَى أَحْوَالِ الْآخِرَةِ وَهُوَ كَقَوْلِهِ: سَيَعْلَمُونَ غَداً مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ [الْقَمَرِ: 26] . وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى:

[سورة القلم (68) : آية 6]
بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ (6)
ففيه وجوه: أحدها: وهو قول الأخفس وَأَبِي عُبَيْدَةَ وَابْنِ قُتَيْبَةَ: أَنَّ الْبَاءَ صِلَةٌ زَائِدَةٌ وَالْمَعْنَى أَيُّكُمُ الْمَفْتُونُ وَهُوَ الَّذِي فُتِنَ بِالْجُنُونِ كَقَوْلِهِ: تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ [الْمُؤْمِنِينَ: 20] أَيْ تُنْبِتُ الدُّهْنَ وَأَنْشَدَ أَبُو عُبَيْدَةَ:
نَضْرِبُ بِالسَّيْفِ وَنَرْجُو بِالْفَرَجْ
وَالْفَرَّاءُ طَعَنَ فِي هَذَا الْجَوَابِ وَقَالَ: إِذَا أَمْكَنَ فِيهِ بَيَانُ الْمَعْنَى الصَّحِيحِ مِنْ دُونِ طَرْحِ الْبَاءِ كَانَ ذَلِكَ أَوْلَى، وَأَمَّا الْبَيْتُ فَمَعْنَاهُ نَرْجُو كَشْفَ مَا نَحْنُ فِيهِ بِالْفَرَجِ أَوْ نَرْجُو النَّصْرَ بِالْفَرَجِ وَثَانِيهَا: وَهُوَ اختيار الفراء والمبرد أن المفتون هاهنا بمعنى الفتون وهو الجنون، ولا مصادر تجيء على المفعول نحو المقعود وَالْمَيْسُورِ بِمَعْنَى الْعَقْدِ وَالْيُسْرِ، يُقَالُ: لَيْسَ لَهُ مَعْقُودُ رَأْيٍ أَيْ عَقْدُ رَأْيٍ، وَهَذَا قَوْلُ الْحَسَنِ وَالضَّحَّاكِ وَرِوَايَةُ عَطِيَّةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَثَالِثُهَا: أَنَّ الْبَاءَ بِمَعْنَى فِي وَمَعْنَى الْآيَةِ: فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ فِي أَيِّ الْفَرِيقَيْنِ الْمَجْنُونُ، أَفِي فِرْقَةِ الْإِسْلَامِ أَمْ فِي فِرْقَةِ الْكُفَّارِ وَرَابِعُهَا: الْمَفْتُونُ هُوَ الشَّيْطَانُ إِذْ لَا شَكَّ أَنَّهُ مَفْتُونٌ فِي دِينِهِ وَهُمْ لَمَّا قَالُوا إِنَّهُ مَجْنُونٌ فَقَدْ قَالُوا: إِنَّ بِهِ شَيْطَانًا فَقَالَ: تعالى: سيعملون غدا بِأَيِّهِمْ شَيْطَانٌ الَّذِي يَحْصُلُ مِنْ مَسِّهِ الْجُنُونُ واختلاط العقل ثم قال تعالى:

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 30  صفحه : 602
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست