responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 30  صفحه : 589
[سورة الملك (67) : آية 12]
إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (12)
وَفِيهِ وَجْهَانِ الْوَجْهُ الْأَوَّلُ: أَنَّ الْمُرَادَ: إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَهُمْ فِي دَارِ التَّكْلِيفِ وَالْمَعَارِفِ النَّظَرِيَّةِ وَبِهِمْ حَاجَةٌ إِلَى مُجَاهَدَةِ الشَّيْطَانِ وَدَفْعِ الشُّبَهِ بِطَرِيقِ الِاسْتِدْلَالِ الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ هَذَا إِشَارَةٌ إِلَى كَوْنِهِ مُتَّقِيًا مِنْ جَمِيعِ الْمَعَاصِي لِأَنَّ مَنْ يَتَّقِي مَعَاصِيَ اللَّهِ فِي الْخَلْوَةِ اتَّقَاهَا حَيْثُ يَرَاهُ النَّاسُ لَا مَحَالَةَ، وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى انْقِطَاعِ وَعِيدِ الْفُسَّاقِ فَقَالُوا: دَلَّتِ الْآيَةُ عَلَى أَنَّ مَنْ كَانَ مَوْصُوفًا بِهَذِهِ الْخَشْيَةِ فَلَهُ الْأَجْرُ الْعَظِيمُ، فَإِذَا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَ الْفِسْقِ وَمَعَ هَذِهِ الْخَشْيَةِ، فَقَدْ حَصَلَ الْأَمْرَانِ فَإِمَّا أَنْ يُثَابَ ثُمَّ يُعَاقَبَ وَهُوَ بِالْإِجْمَاعِ بَاطِلٌ أَوْ يُعَاقَبَ ثُمَّ يُنْقَلَ إِلَى دَارِ الثَّوَابِ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ.
وَاعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا ذَكَرَ وَعِيدَ الْكُفَّارِ وَوَعْدَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى سَبِيلِ الْمُغَايَبَةِ رَجَعَ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى خِطَابِ الْكُفَّارِ فقال:

[سورة الملك (67) : آية 13]
وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (13)
وَفِيهِ وَجْهَانِ: الْوَجْهُ الْأَوَّلُ:
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ كَانُوا يَنَالُونَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ فَيُخْبِرُهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ أَسِرُّوا قَوْلَكُمْ لئلا يسمع إليه مُحَمَّدٍ فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ
الْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ خِطَابٌ عَامٌّ لِجَمِيعِ الْخَلْقِ فِي جَمِيعِ الْأَعْمَالِ، وَالْمُرَادُ أَنَّ قَوْلَكُمْ وَعَمَلَكُمْ عَلَى أَيِّ سَبِيلٍ وُجِدَ، فَالْحَالُ وَاحِدٌ فِي عِلْمِهِ تَعَالَى بِهَذَا فَاحْذَرُوا مِنَ الْمَعَاصِي سِرًّا كَمَا تَحْتَرِزُونَ عَنْهَا جَهْرًا فَإِنَّهُ لَا يَتَفَاوَتُ ذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى، وَكَمَا بَيَّنَ أَنَّهُ تَعَالَى عَالِمٌ بِالْجَهْرِ وَبِالسِّرِّ بَيَّنَ أَنَّهُ عَالِمٌ بِخَوَاطِرِ الْقُلُوبِ.
ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى لَمَّا ذَكَرَ كَوْنَهُ عَالِمًا بِالْجَهْرِ وَبِالسِّرِّ وَبِمَا فِي الصُّدُورِ ذَكَرَ الدَّلِيلَ عَلَى كَوْنِهِ عَالِمًا بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ فقال:

[سورة الملك (67) : آية 14]
أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (14)
وَفِيهِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: أَنَّ مَعْنَى الْآيَةِ أَنَّ مَنْ خَلَقَ شَيْئًا لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِمَخْلُوقِهِ، وَهَذِهِ الْمُقَدِّمَةُ كَمَا أَنَّهَا مُقَرَّرَةٌ بِهَذَا النَّصِّ فَهِيَ أَيْضًا مُقَرَّرَةٌ بِالدَّلَائِلِ الْعَقْلِيَّةِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْخَلْقَ عِبَارَةٌ عَنِ الْإِيجَادِ وَالتَّكْوِينِ عَلَى سَبِيلِ الْقَصْدِ، وَالْقَاصِدُ إِلَى الشَّيْءِ لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِحَقِيقَةِ ذَلِكَ الشَّيْءِ فَإِنَّ الْغَافِلَ عَنِ الشَّيْءِ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ قَاصِدًا إِلَيْهِ، وَكَمَا أَنَّهُ ثَبَتَ أَنَّ الْخَالِقَ لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِمَاهِيَّةِ الْمَخْلُوقِ لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِكَمِّيَّتِهِ، لِأَنَّ وُقُوعَهُ عَلَى ذَلِكَ الْمِقْدَارِ دُونَ مَا هُوَ أَزْيَدُ مِنْهُ أَوْ/ أَنْقَصُ لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ بِقَصْدِ الْفَاعِلِ وَاخْتِيَارِهِ، وَالْقَصْدُ مَسْبُوقٌ بِالْعِلْمِ فَلَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ قَدْ عَلِمَ ذَلِكَ الْمِقْدَارَ وَأَرَادَ إِيجَادَ ذَلِكَ الْمِقْدَارِ حَتَّى يَكُونَ وُقُوعُ ذَلِكَ الْمِقْدَارِ أَوْلَى مِنْ وُقُوعِ مَا هُوَ أَزْيَدُ مِنْهُ أَوْ أَنْقَصُ مِنْهُ، وَإِلَّا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ اخْتِصَاصُ ذَلِكَ الْمِقْدَارِ بِالْوُقُوعِ دُونَ الْأَزْيَدِ أَوِ الْأَنْقَصِ تَرْجِيحًا لِأَحَدِ طَرَفَيِ الْمُمْكِنِ عَلَى الْآخَرِ لَا لِمُرَجِّحٍ وَهُوَ مُحَالٌ، فَثَبَتَ أَنَّ مَنْ خَلَقَ شَيْئًا فَإِنَّهُ لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِحَقِيقَةِ ذَلِكَ الْمَخْلُوقِ وَبِكَمِّيَّتِهِ وَكَيْفِيَّتِهِ، وَإِذَا ثَبَتَتْ هَذِهِ الْمُقَدِّمَةُ فَنَقُولُ: تَمَسَّكَ أَصْحَابُنَا بِهَذِهِ الْآيَةِ فِي بَيَانِ أَنَّ الْعَبْدَ غَيْرُ مُوجِدٍ لِأَفْعَالِهِ مِنْ وَجْهَيْنِ الْوَجْهُ الْأَوَّلُ قَالُوا: لَوْ كَانَ الْعَبْدُ مُوجِدًا لِأَفْعَالِ نَفْسِهِ لَكَانَ عَالِمًا

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 30  صفحه : 589
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست