responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 30  صفحه : 584
كُرَاتِ [1] السَّيَّارَاتِ، وَاحْتَجُّوا عَلَيْهِ بِأَنَّ بَعْضَ هَذِهِ الثَّوَابِتِ فِي الْفَلَكِ الثَّامِنِ، فَيَجِبُ أَنْ تَكُونَ كُلُّهَا هُنَاكَ، وَإِنَّمَا قُلْنَا: إِنَّ بَعْضَهَا فِي الْفَلَكِ الثَّامِنِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الثَّوَابِتَ الَّتِي تَكُونُ قَرِيبَةً مِنَ الْمِنْطَقَةِ تَنْكَسِفُ بِهَذِهِ السَّيَّارَاتِ، فَوَجَبَ أَنْ تَكُونَ الثَّوَابِتُ الْمُنْكَسِفَةُ فَوْقَ السَّيَّارَاتِ الْكَاسِفَةِ، وَإِنَّمَا قُلْنَا: إِنَّ هَذِهِ الثَّوَابِتَ لَمَّا كَانَتْ فِي الْفَلَكِ الثَّامِنِ وَجَبَ أَنْ تَكُونَ كُلُّهَا هُنَاكَ، لِأَنَّهَا بِأَسْرِهَا مُتَحَرِّكَةٌ حَرَكَةً وَاحِدَةً بَطِيئَةً فِي كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ دَرَجَةً وَاحِدَةً، فَلَا بُدَّ وَأَنْ تَكُونَ مَرْكُوزَةً فِي كُرَةٍ وَاحِدَةٍ.
وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الِاسْتِدْلَالَ ضَعِيفٌ، فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ بَعْضِ الثَّوَابِتِ فَوْقَ السَّيَّارَاتِ كَوْنُ كُلِّهَا هُنَاكَ، لِأَنَّهُ لَا يَبْعُدُ وُجُودُ كُرَةٍ تَحْتَ الْقَمَرِ، وَتَكُونُ فِي الْبُطْءِ مُسَاوِيَةً لِكُرَةِ الثَّوَابِتِ، وَتَكُونُ الْكَوَاكِبُ الْمَرْكُوزَةُ فِيمَا يُقَارِنُ الْقُطْبَيْنِ مَرْكُوزَةً فِي هَذِهِ الْكُرَةِ السُّفْلِيَّةِ، إِذْ لَا يَبْعُدُ وُجُودُ كُرَتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ بِالصِّغَرِ وَالْكِبَرِ مَعَ كَوْنِهِمَا مُتَشَابِهَتَيْنِ فِي الْحَرَكَةِ، وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْمَصَابِيحُ مَرْكُوزَةً فِي السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَثَبَتَ أَنَّ مَذْهَبَ الْفَلَاسِفَةِ فِي هَذَا الْبَابِ ضَعِيفٌ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: اعْلَمْ أَنَّ مَنَافِعَ النُّجُومِ كَثِيرَةٌ، مِنْهَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى زَيَّنَ السَّمَاءَ بِهَا، وَمِنْهَا أَنَّهُ يَحْصُلُ بِسَبَبِهَا فِي اللَّيْلِ قَدْرٌ مِنَ الضَّوْءِ، وَلِذَلِكَ فَإِنَّهُ إِذَا تَكَاثَفَ السَّحَابُ فِي اللَّيْلِ عَظُمَتِ الظُّلْمَةُ، وَذَلِكَ بِسَبَبِ أَنَّ السَّحَابَ يَحْجُبُ أَنْوَارَهَا، وَمِنْهَا أَنَّهُ يَحْصُلُ بِسَبَبِهَا تَفَاوُتٌ فِي أَحْوَالِ الْفُصُولِ الْأَرْبَعَةِ، فَإِنَّهَا أَجْسَامٌ عَظِيمَةٌ نُورَانِيَّةٌ، فَإِذَا قَارَنَتِ الشَّمْسُ كَوْكَبًا مُسَخَّنًا فِي الصَّيْفِ، صَارَ الصَّيْفُ أَقْوَى حَرًّا، وَهُوَ مِثْلُ نَارٍ تُضَمُّ إِلَى نَارٍ أُخْرَى، فَإِنَّهُ لَا شَكَّ أَنْ يَكُونَ الْأَثَرُ الْحَاصِلُ مِنَ الْمَجْمُوعِ أَقْوَى، وَمِنْهَا أَنَّهُ تَعَالَى جَعَلَهَا عَلَامَاتٌ يُهْتَدَى بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ، عَلَى مَا قَالَ تَعَالَى: وَعَلاماتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ [النَّحْلِ: 16] وَمِنْهَا أَنَّهُ تَعَالَى جَعَلَهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ الَّذِينَ يُخْرِجُونَ النَّاسَ مِنْ نُورِ الْإِيمَانِ إِلَى ظُلُمَاتِ الْكُفْرِ،
يُرْوَى أَنَّ السَّبَبَ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْجِنَّ كَانَتْ تَتَسَمَّعُ لِخَبَرِ السَّمَاءِ، فَلَمَّا بُعِثَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُرِسَتِ السَّمَاءُ، وَرُصِدَتِ الشَّيَاطِينُ، فَمَنْ جَاءَ مِنْهُمْ مُسْتَرِقًا لِلسَّمْعِ رُمِيَ بِشِهَابٍ فَأَحْرَقَهُ لِئَلَّا يَنْزِلَ بِهِ إِلَى الْأَرْضِ فَيُلْقِيَهُ إِلَى النَّاسِ فَيَخْلِطَ عَلَى النَّبِيِّ أَمْرَهُ وَيَرْتَابَ النَّاسُ بِخَبَرِهِ،
فَهَذَا هُوَ السَّبَبُ فِي انْقِضَاضِ الشُّهُبِ، وَهُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ: وَجَعَلْناها رُجُوماً لِلشَّياطِينِ وَمِنَ النَّاسِ/ مَنْ طَعَنَ فِي هَذَا مِنْ وُجُوهِ أَحَدُهَا: أَنَّ انْقِضَاضَ الْكَوَاكِبِ مَذْكُورٌ فِي كُتُبِ قُدَمَاءِ الْفَلَاسِفَةِ، قَالُوا: إِنَّ الْأَرْضَ إِذَا سُخِّنَتْ بِالشَّمْسِ ارْتَفَعَ مِنْهَا بُخَارٌ يَابِسٌ، وَإِذَا بَلَغَ النَّارَ الَّتِي دُونَ الْفَلَكِ احْتَرَقَ بِهَا، فَتِلْكَ الشُّعْلَةُ هِيَ الشِّهَابُ وَثَانِيهَا:
أَنَّ هَؤُلَاءِ الْجِنَّ كَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يُشَاهِدُوا وَاحِدًا وَأَلْفًا مِنْ جِنْسِهِمْ يَسْتَرِقُونَ السَّمْعَ فَيَحْتَرِقُونَ، ثُمَّ إِنَّهُمْ مَعَ ذَلِكَ يَعُودُونَ لِمِثْلِ صَنِيعِهِمْ فَإِنَّ الْعَاقِلَ إِذَا رَأَى الْهَلَاكَ فِي شَيْءٍ مَرَّةً وَمِرَارًا وَأَلْفًا امْتَنَعَ أَنْ يَعُودَ إِلَيْهِ مِنْ غَيْرِ فَائِدَةٍ وَثَالِثُهَا: أَنَّهُ يُقَالُ فِي ثِخَنِ السَّمَاءِ فَإِنَّهُ مَسِيرَةُ خَمْسِمِائَةِ عَامٍ، فَهَؤُلَاءِ الْجِنُّ إِنْ نَفَذُوا فِي جِرْمِ السَّمَاءِ وَخَرَقُوا اتِّصَالَهُ، فَهَذَا بَاطِلٌ لِأَنَّهُ تَعَالَى نَفَى أَنْ يَكُونَ فِيهَا فُطُورٌ عَلَى مَا قَالَ: فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ [الْمُلْكِ: 3] وَإِنْ كَانُوا لَا يَنْفُذُونَ فِي جِرْمِ السَّمَاءِ، فَكَيْفَ يُمْكِنُهُمْ أَنْ يَسْمَعُوا أَسْرَارَ الْمَلَائِكَةِ مِنْ ذَلِكَ الْبُعْدِ الْعَظِيمِ، ثُمَّ إِنْ جَازَ أَنْ يَسْمَعُوا كَلَامَهُمْ مِنْ ذَلِكَ الْبُعْدِ الْعَظِيمِ، فَلَا يَسْمَعُوا كَلَامَ الْمَلَائِكَةِ حَالَ كَوْنِهِمْ فِي الْأَرْضِ وَرَابِعُهَا: أَنَّ الْمَلَائِكَةَ إِنَّمَا اطَّلَعُوا عَلَى الْأَحْوَالِ الْمُسْتَقْبِلَةِ، إِمَّا لِأَنَّهُمْ طَالَعُوهَا فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ أَوْ لِأَنَّهُمْ تَلَقَّفُوهَا مِنْ وَحْيِ اللَّهِ تَعَالَى إِلَيْهِمْ، وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ فَلِمَ لَمْ يَسْكُتُوا عَنْ ذِكْرِهَا حَتَّى لَا يَتَمَكَّنَ الْجِنُّ مِنَ الْوُقُوفِ

[1] في الأصل «أكر» والصواب «كرات» لأنه جمع «كرة» لا «أكرة» .
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 30  صفحه : 584
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست