responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 3  صفحه : 639
الشرط والجزاء، وكما أن قولك: من جَاءَكَ فَأَكْرِمْهُ لَا يَدُلُّ عَلَى حُصُولِ الْمَجِيءِ، بَلْ عَلَى أَنَّهُ مَتَى جَاءَ وَجَبَ الْإِكْرَامُ، فَكَذَا هَذِهِ الْآيَةُ لَا تَدُلُّ عَلَى حُصُولِ النَّسْخِ، بَلْ عَلَى أَنَّهُ مَتَى حَصَلَ النَّسْخُ وَجَبَ أَنْ يَأْتِيَ بِمَا هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ، فَالْأَقْوَى أَنْ نُعَوِّلَ فِي الْإِثْبَاتِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ [النَّحْلِ: 101] وَقَوْلِهِ: يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ [الرَّعْدِ: 39] وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ: اتَّفَقُوا عَلَى وُقُوعِ النَّسْخِ فِي الْقُرْآنِ، وقال أبو مسلم بن بحر: إنه لم يقع، واحتج الجمهور على وقوعه فِي الْقُرْآنِ بِوُجُوهٍ. أَحَدُهَا: هَذِهِ الْآيَةُ وَهِيَ قوله تَعَالَى: مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها، أَجَابَ أَبُو مُسْلِمٍ عَنْهُ بِوُجُوهٍ. الْأَوَّلُ: أَنَّ الْمُرَادَ مِنَ الْآيَاتِ الْمَنْسُوخَةِ هِيَ الشَّرَائِعُ الَّتِي فِي الْكُتُبِ الْقَدِيمَةِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ، كَالسَّبْتِ وَالصَّلَاةِ إِلَى الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ مِمَّا وَضَعَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنَّا وَتَعَبَّدَنَا بِغَيْرِهِ، فَإِنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى كَانُوا يَقُولُونَ: لَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ، فَأَبْطَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ بِهَذِهِ الْآيَةِ، الْوَجْهُ الثَّانِي: الْمُرَادُ مِنَ النَّسْخِ نَقْلُهُ مِنَ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ وَتَحْوِيلُهُ عَنْهُ إِلَى سَائِرِ الْكُتُبِ وَهُوَ كَمَا يُقَالُ نَسَخْتُ الْكِتَابَ. الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّا بَيَّنَّا أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ لَا تَدُلُّ عَلَى وُقُوعِ النَّسْخِ، بَلْ عَلَى أَنَّهُ لَوْ وَقَعَ النَّسْخُ لَوَقَعَ إِلَى خَيْرٍ مِنْهُ، وَمِنَ النَّاسِ مَنْ أَجَابَ عَنِ الِاعْتِرَاضِ الْأَوَّلِ بِأَنَّ الْآيَاتِ إِذَا أُطْلِقَتْ فَالْمُرَادُ بِهَا آيَاتُ الْقُرْآنِ لِأَنَّهُ هُوَ الْمَعْهُودُ عِنْدَنَا، وَعَنِ الثَّانِي: بِأَنَّ نَقْلَ الْقُرْآنِ مِنَ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ لَا يَخْتَصُّ بِبَعْضِ الْقُرْآنِ وَهَذَا النَّسْخُ مُخْتَصٌّ بِبَعْضِهِ، وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ عَلَى الْأَوَّلِ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ لَفْظَ الْآيَةِ مُخْتَصٌّ بِالْقُرْآنِ، بَلْ هُوَ عَامٌّ فِي جَمِيعِ الدَّلَائِلِ، وَعَلَى الثَّانِي:
لَا نُسَلِّمُ أَنَّ النَّسْخَ الْمَذْكُورَ فِي الْآيَةِ مُخْتَصٌّ بِبَعْضِ الْقُرْآنِ، بَلِ التَّقْدِيرُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ مَا نَنْسَخُ مِنَ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ فَإِنَّا نَأْتِي بَعْدَهُ بِمَا هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ.
الْحُجَّةُ الثَّانِيَةُ: لِلْقَائِلِينَ بِوُقُوعِ النَّسْخِ فِي الْقُرْآنِ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا بِالِاعْتِدَادِ حَوْلًا كَامِلًا وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ مَتاعاً إِلَى الْحَوْلِ [الْبَقَرَةِ: 240] ثُمَّ نَسَخَ ذَلِكَ بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ كَمَا قَالَ: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً [الْبَقَرَةِ: 234] قَالَ أَبُو مُسْلِمٍ: الِاعْتِدَادُ بِالْحَوْلِ مَا زَالَ بِالْكُلِّيَّةِ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ حَامِلًا وَمُدَّةُ حَمْلِهَا حَوْلٌ كَامِلٌ لَكَانَتْ عِدَّتُهَا حَوْلًا كَامِلًا، وَإِذَا بَقِيَ هَذَا الْحُكْمُ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ كَانَ ذَلِكَ تَخْصِيصًا لَا نَاسِخًا، وَالْجَوَابُ: أَنْ مُدَّةَ عِدَّةِ الْحَمْلِ تَنْقَضِي بِوَضْعِ الْحَمْلِ سَوَاءٌ حَصَلَ وَضْعُ الْحَمْلِ بِسَنَةٍ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ فَجَعْلُ السَّنَةِ الْعِدَّةَ يَكُونُ زَائِلًا بِالْكُلِّيَّةِ.
الْحُجَّةُ الثَّالِثَةُ: أَمَرَ اللَّهُ بِتَقْدِيمِ الصَّدَقَةِ بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَى الرَّسُولِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا/ إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً [الْمُجَادَلَةِ: 12] ثُمَّ نَسَخَ ذَلِكَ، قَالَ أَبُو مُسْلِمٍ: إِنَّمَا زَالَ ذَلِكَ لِزَوَالِ سَبَبِهِ لِأَنَّ سَبَبَ التَّعَبُّدِ بِهَا أَنْ يَمْتَازَ الْمُنَافِقُونَ مِنْ حَيْثُ لَا يَتَصَدَّقُونَ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ، فَلَمَّا حَصَلَ هَذَا الْغَرَضُ سَقَطَ التَّعَبُّدُ. وَالْجَوَابُ: لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَكَانَ مَنْ لَمْ يَتَصَدَّقْ مُنَافِقًا وَهُوَ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ رُوِيَ أَنَّهُ لَمْ يَتَصَدَّقْ غَيْرُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ [الْمُجَادَلَةِ: 13] .
الْحُجَّةُ الرَّابِعَةُ: أَنَّهُ تَعَالَى أَمَرَ بِثَبَاتِ الْوَاحِدِ لِلْعَشَرَةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ ثُمَّ نَسَخَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ [الْأَنْفَالِ: 65، 66] .

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 3  صفحه : 639
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست