responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 3  صفحه : 625
عَظِيمًا بِآلَةٍ خَفِيفَةٍ سَهْلَةٍ، وَهَذَا فِي الْحَقِيقَةِ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُعَدَّ مِنْ بَابِ السِّحْرِ لِأَنَّ لَهَا أَسْبَابًا مَعْلُومَةً نَفِيسَةً مَنِ اطَّلَعَ عَلَيْهَا قَدَرَ عَلَيْهَا، إِلَّا أَنَّ الِاطِّلَاعَ عَلَيْهَا لَمَّا كَانَ عَسِيرًا شَدِيدًا لَا يَصِلُ إِلَيْهِ إِلَّا الْفَرْدُ بَعْدَ الْفَرْدِ، لَا جَرَمَ عَدَّ أَهْلُ الظَّاهِرِ ذَلِكَ مِنْ بَابِ السِّحْرِ، وَمِنْ هَذَا الْبَابِ عَمَلُ «أَرْجَعْيَانُوسَ» الْمُوسِيقَارِ فِي هَيْكَلِ أُورْشَلِيمَ الْعَتِيقِ عِنْدَ تَجْدِيدِهِ إِيَّاهُ وَذَلِكَ أَنَّهُ اتَّفَقَ لَهُ أَنَّهُ كَانَ مُجْتَازًا بِفَلَاةٍ مِنَ الْأَرْضِ فَوَجَدَ فِيهَا فَرْخًا مِنْ فِرَاخِ الْبَرَاصِلِ، وَالْبَرَاصِلُ هُوَ طَائِرٌ عَطُوفٌ وَكَانَ يُصَفِّرُ صَفِيرًا حَزِينًا بِخِلَافِ سَائِرِ الْبَرَاصِلِ وَكَانَتِ الْبَرَاصِلُ تَجِيئُهُ بِلَطَائِفِ الزَّيْتُونِ فَتَطْرَحُهَا عِنْدَهُ فَيَأْكُلُ بَعْضَهَا عِنْدَ حَاجَتِهِ وَيَفْضُلُ بَعْضُهَا عَنْ حَاجَتِهِ فَوَقَفَ هَذَا الْمُوسِيقَارُ هُنَاكَ وَتَأَمَّلَ حَالَ ذَلِكَ الْفَرْخِ وَعَلِمَ أَنَّ فِي صَفِيرِهِ الْمُخَالِفِ لِصَفِيرِ الْبَرَاصِلِ ضَرْبًا مِنَ التَّوَجُّعِ وَالِاسْتِعْطَافِ حَتَّى رَقَّتْ لَهُ الطُّيُورُ وَجَاءَتْهُ بِمَا يَأْكُلُهُ فَتَلَطَّفَ بِعَمَلِ آلَةٍ تُشْبِهُ الصَّفَّارَةَ إِذَا اسْتَقْبَلَ الرِّيحَ بِهَا أَدَّتْ ذَلِكَ الصَّفِيرَ وَلَمْ يَزَلْ يُجَرِّبُ ذَلِكَ حَتَّى وَثِقَ بِهَا وَجَاءَتْهُ الْبَرَاصِلُ بِالزَّيْتُونِ كَمَا كَانَتْ تَجِيءُ إِلَى ذَلِكَ الْفَرْخِ لِأَنَّهَا تَظُنُّ أَنَّ هُنَاكَ فَرْخًا مِنْ جِنْسِهَا، فَلَمَّا صَحَّ لَهُ مَا أَرَادَ أَظْهَرَ النُّسُكَ وَعَمَدَ إِلَى هَيْكَلِ أُورْشَلِيمَ وَسَأَلَ عَنِ اللَّيْلَةِ الَّتِي دُفِنَ فِيهَا «أُسْطُرْخُسُ» النَّاسِكُ الْقَيِّمُ بِعِمَارَةِ ذَلِكَ الْهَيْكَلِ، فَأُخْبِرَ أَنَّهُ دُفِنَ فِي أَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْ آبَ فَاتَّخَذَ صُورَةً مِنْ زُجَاجٍ مُجَوَّفٍ عَلَى هَيْئَةِ الْبَرْصَلَةِ وَنَصَبَهَا فَوْقَ ذَلِكَ الْهَيْكَلِ، وَجَعَلَ فَوْقَ تِلْكَ الصُّورَةِ قُبَّةً وَأَمَرَهُمْ بِفَتْحِهَا فِي أَوَّلِ آبَ وَكَانَ يُظْهِرُ صَوْتَ الْبَرْصَلَةِ بِسَبَبِ نُفُوذِ الرِّيحِ فِي تِلْكَ الصُّورَةِ وَكَانَتِ الْبَرَاصِلُ تَجِيءُ بِالزَّيْتُونِ حَتَّى كَانَتْ تَمْتَلِئُ تِلْكَ الْقُبَّةُ كُلَّ يَوْمٍ مِنْ ذَلِكَ الزَّيْتُونِ وَالنَّاسُ اعْتَقَدُوا أَنَّهُ مِنْ كَرَامَاتِ ذَلِكَ الْمَدْفُونِ وَيَدْخُلُ فِي الْبَابِ أَنْوَاعٌ كَثِيرَةٌ لَا يَلِيقُ شَرْحُهَا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ.
النَّوْعُ السَّادِسُ: مِنَ السِّحْرِ: الِاسْتِعَانَةُ بِخَوَاصِّ الْأَدْوِيَةِ مِثْلَ أَنْ يَجْعَلَ فِي طَعَامِهِ بَعْضَ الْأَدْوِيَةِ الْمُبَلِّدَةِ الْمُزِيلَةِ لِلْعَقْلِ وَالدُّخْنِ الْمُسْكِرَةِ نَحْوَ دِمَاغِ الْحِمَارِ إِذَا تَنَاوَلَهُ الْإِنْسَانُ تَبَلَّدَ عَقْلُهُ وَقَلَّتْ فِطْنَتُهُ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا سَبِيلَ إِلَى إِنْكَارِ الْخَوَاصِّ فَإِنَّ أَثَرَ الْمِغْنَاطِيسِ مَشَاهَدٌ إِلَّا أَنَّ النَّاسَ قَدْ أَكْثَرُوا فِيهِ وَخَلَطُوا الصِّدْقَ بِالْكَذِبِ وَالْبَاطِلَ بِالْحَقِّ.
النَّوْعُ السَّابِعُ: مِنَ السِّحْرِ: تَعْلِيقُ الْقَلْبِ وَهُوَ أَنْ يَدَّعِيَ السَّاحِرُ أَنَّهُ قَدْ عَرَفَ الِاسْمَ الْأَعْظَمَ وَأَنَّ الْجِنَّ يُطِيعُونَهُ وَيَنْقَادُونَ لَهُ فِي أَكْثَرِ الْأُمُورِ، فَإِذَا اتَّفَقَ أَنْ كَانَ السَّامِعُ لِذَلِكَ ضَعِيفَ الْعَقْلِ قَلِيلَ التَّمْيِيزِ اعْتَقَدَ أَنَّهُ حَقٌّ وَتَعَلَّقَ قَلْبُهُ بِذَلِكَ وَحَصَلَ فِي نَفْسِهِ نَوْعٌ مِنَ الرُّعْبِ وَالْمَخَافَةِ، وَإِذَا حَصَلَ الْخَوْفُ ضَعُفَتِ الْقُوَى الْحَسَّاسَةُ فَحِينَئِذٍ يَتَمَكَّنَ السَّاحِرُ مِنْ أَنْ يَفْعَلَ حِينَئِذٍ مَا يَشَاءُ وَإِنَّ مَنْ جَرَّبَ الْأُمُورَ وَعَرَفَ أَحْوَالَ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلِمَ أَنَّ لِتَعَلُّقِ الْقَلْبِ أَثَرًا عَظِيمًا فِي تَنْفِيذِ الْأَعْمَالِ وَإِخْفَاءِ الْأَسْرَارِ.
النَّوْعُ الثَّامِنُ: مِنَ السِّحْرِ: السَّعْيُ بِالنَّمِيمَةِ وَالتَّضْرِيبِ مِنْ وُجُوهٍ خَفِيفَةٍ لَطِيفَةٍ وَذَلِكَ شَائِعٌ فِي النَّاسِ، فَهَذَا جُمْلَةُ الْكَلَامِ فِي أَقْسَامِ السِّحْرِ وَشَرْحُ أَنْوَاعِهِ وَأَصْنَافِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: فِي أَقْوَالِ الْمُسْلِمِينَ فِي أَنَّ هَذِهِ الْأَنْوَاعَ هَلْ هِيَ مُمْكِنَةٌ أَمْ لَا؟ أَمَّا الْمُعْتَزِلَةُ فَقَدِ اتَّفَقُوا عَلَى إِنْكَارِهَا إِلَّا النَّوْعَ الْمَنْسُوبَ إِلَى التَّخَيُّلِ وَالْمَنْسُوبَ إِلَى إِطْعَامِ بَعْضِ الْأَدْوِيَةِ الْمُبَلِّدَةِ وَالْمَنْسُوبَ إِلَى التَّضْرِيبِ وَالنَّمِيمَةِ، فَأَمَّا الْأَقْسَامُ الْخَمْسَةُ الْأُوَلُ فَقَدْ أَنْكَرُوهَا وَلَعَلَّهُمْ كَفَّرُوا مَنْ قَالَ بِهَا وجوزوا وُجُودَهَا، وَأَمَّا أَهْلُ السُّنَّةِ فَقَدْ جَوَّزُوا أَنْ يَقْدِرَ السَّاحِرُ عَلَى أَنْ يَطِيرَ فِي الْهَوَاءِ وَيَقْلِبَ الْإِنْسَانَ حِمَارًا وَالْحِمَارَ إِنْسَانًا، إِلَّا أَنَّهُمْ قَالُوا: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى هُوَ الْخَالِقُ لِهَذِهِ الأشياء عند ما يَقْرَأُ السَّاحِرُ رُقًى مَخْصُوصَةً وَكَلِمَاتٍ مُعَيَّنَةً. فَأَمَّا أَنْ يَكُونَ الْمُؤَثِّرُ فِي ذَلِكَ الْفَلَكُ وَالنُّجُومُ فَلَا. وَأَمَّا الْفَلَاسِفَةُ وَالْمُنَجِّمُونَ وَالصَّابِئَةُ فَقَوْلُهُمْ عَلَى مَا سَلَفَ تَقْرِيرُهُ، وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا عَلَى فَسَادِ قَوْلِ الصَّابِئَةِ أَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ أَنَّ الْعَالَمَ مُحْدَثٌ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مُوجِدُهُ قَادِرًا وَالشَّيْءُ الَّذِي حَكَمَ الْعَقْلُ بِأَنَّهُ

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 3  صفحه : 625
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست