responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 3  صفحه : 594
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ فَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَنَافِعٌ وَعَاصِمٌ بِتَاءِ الْخِطَابِ وَالْبَاقُونَ بِيَاءِ الْغَيْبَةِ، وَجْهُ الْأَوَّلِ: الْبِنَاءُ عَلَى أَوَّلِ الْكَلَامِ، أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ، وَوَجْهُ الثَّانِي: الْبِنَاءُ عَلَى أَنَّهُ آخِرُ الْكَلَامِ وَاخْتِيَارُ الْخِطَابِ لِأَنَّ عَلَيْهِ الْأَكْثَرَ وَلِأَنَّهُ أَدَلُّ عَلَى الْمَعْنَى لِتَغْلِيبِ الْخِطَابِ عَلَى الْغَيْبَةِ إِذَا اجْتَمَعَا.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ تَهْدِيدٌ شَدِيدٌ وَزَجْرٌ عَظِيمٌ عَنِ الْمَعْصِيَةِ وَبِشَارَةٌ عَظِيمَةٌ عَلَى الطَّاعَةِ، لِأَنَّ الْغَفْلَةَ إِذَا كَانَتْ مُمْتَنِعَةً عَلَيْهِ سُبْحَانَهُ مَعَ أَنَّهُ أَقْدَرُ الْقَادِرِينَ وَصَلَتِ الْحُقُوقُ لَا مَحَالَةَ إِلَى مُسْتَحِقِّيهَا.

[سورة البقرة (2) : آية 86]
أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (86)
اعْلَمْ أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ تَحْصِيلِ لَذَّاتِ الدُّنْيَا وَلَذَّاتِ الْآخِرَةِ مُمْتَنِعٌ غَيْرُ مُمْكِنٍ وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ مَكَّنَ الْمُكَلَّفَ مِنْ تَحْصِيلِ أَيِّهِمَا شَاءَ وَأَرَادَ، فَإِذَا اشْتَغَلَ بِتَحْصِيلِ أَحَدِهِمَا فَقَدْ فَوَّتَ الْآخَرَ عَلَى نَفْسِهِ، فَجَعَلَ اللَّهُ مَا أَعْرَضَ الْيَهُودُ عَنْهُ مِنَ الْإِيمَانِ بِمَا فِي كُتُبِهِمْ وَمَا حَصَلَ فِي أَيْدِيهِمْ مِنَ الْكُفْرِ وَلَذَّاتِ الدُّنْيَا كَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ، وَذَلِكَ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى فِي نِهَايَةِ الذَّمِّ لَهُمْ لِأَنَّ الْمَغْبُونَ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ فِي الدُّنْيَا مَذْمُومٌ حَتَّى يُوصَفَ بِأَنَّهُ تَغَيَّرَ فِي عَقْلِهِ فَبِأَنْ يُذَمَّ مُشْتَرِي مَتَاعِ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ أَوْلَى.
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ فَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: فِي دُخُولِ الْفَاءِ فِي قَوْلِهِ: فَلا يُخَفَّفُ قَوْلَانِ، أَحَدُهُمَا: الْعَطْفُ عَلَى اشْتَرَوُا وَالْقَوْلُ الْآخَرُ بِمَعْنَى جَوَابِ الْأَمْرِ، كَقَوْلِكَ أُولَئِكَ الضُّلَّالُ انْتَبِهْ فَلَا خَيْرَ فِيهِمْ وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ لِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ فِيهِ إِلَى الْإِضْمَارِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: بَعْضُهُمْ حَمَلَ التَّخْفِيفَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَنْقَطِعُ بَلْ يَدُومُ، لِأَنَّهُ لَوِ انْقَطَعَ لَكَانَ قَدْ خَفَّ، وَحَمَلَهُ آخَرُونَ عَلَى شِدَّتِهِ لَا عَلَى دَوَامِهِ وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: إِنَّ الْعَذَابَ قَدْ يَخِفُّ بِالِانْقِطَاعِ وَقَدْ يَخِفُّ بِالْقِلَّةِ فِي كُلِّ وَقْتٍ أَوْ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ، فَإِذَا وَصَفَ تَعَالَى عَذَابَهُمْ بِأَنَّهُ لَا يُخَفَّفُ اقْتَضَى ذَلِكَ نَفْيَ جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَاهُ.
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ فَفِيهِ وَجْهَانِ: الْأَكْثَرُونَ حَمَلُوهُ عَلَى نَفْيِ النُّصْرَةِ فِي الْآخِرَةِ يَعْنِي أَنَّ أَحَدًا لَا يَدْفَعُ هَذَا الْعَذَابَ عَنْهُمْ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ عَلَى مَنْ يُرِيدُ عَذَابَهُمْ وَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَهُ عَلَى نَفْيِ النُّصْرَةِ فِي الدُّنْيَا، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى لِأَنَّهُ تَعَالَى جَعَلَ ذَلِكَ جَزَاءً عَلَى صَنِيعِهِمْ، وَلِذَلِكَ قَالَ: فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَهَذِهِ الصِّفَةُ لَا تَلِيقُ إِلَّا بِالْآخِرَةِ، لِأَنَّ عَذَابَ الدُّنْيَا وَإِنْ حَصَلَ فَيَصِيرُ كَالْحُدُودِ الَّتِي تُقَامُ عَلَى الْمُقَصِّرِ وَلِأَنَّ الْكُفَّارَ قَدْ يَصِيرُونَ غَالِبِينَ للمؤمنين في بعض الأوقات.

[سورة البقرة (2) : آية 87]
وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَقَفَّيْنا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّما جاءَكُمْ رَسُولٌ بِما لَا تَهْوى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ (87)
اعْلَمْ أَنَّ هَذَا نَوْعٌ آخَرُ مِنَ النِّعَمِ الَّتِي أَفَاضَهَا اللَّهُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ إِنَّهُمْ قَابَلُوهُ بِالْكُفْرِ وَالْأَفْعَالِ الْقَبِيحَةِ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا وَصَفَ حَالَ الْيَهُودِ مِنْ قَبْلُ بِأَنَّهُمْ يُخَالِفُونَ أَمْرَ اللَّهِ تَعَالَى فِي قَتْلِ/ أَنْفُسِهِمْ وَإِخْرَاجِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا مِنْ

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 3  صفحه : 594
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست