responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 3  صفحه : 551
لِيَزُولَ الشَّرُّ وَالْفِتْنَةُ وَرُبَّمَا لَزِمَهُ ذَلِكَ لِتَزُولَ التُّهْمَةُ فِي الْقَتْلِ عَنِ الْقَوْمِ الَّذِينَ طُرِحَ الْقَتِيلُ بِالْقُرْبِ مِنْهُمْ، لِأَنَّهُ الَّذِي عَرَّضَهُمْ لِلتُّهْمَةِ فَيَلْزَمُهُ إِزَالَتُهَا فَكَيْفَ يَجُوزُ جَعْلُهُ سَبَبًا لِلتَّثَاقُلِ فِي هَذَا الْفِعْلِ.
الْبَحْثُ الرَّابِعُ: احْتَجَّ الْقَائِلُونَ بِأَنَّ الْأَمْرَ لِلْوُجُوبِ بِهَذِهِ الْآيَةِ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ إِلَّا مُجَرَّدُ الْأَمْرِ، ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى ذَمَّ التَّثَاقُلَ فِيهِ وَالتَّكَاسُلَ فِي الِاشْتِغَالِ بِمُقْتَضَاهُ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ لِلْوُجُوبِ.
قَالَ الْقَاضِي: إِذَا كَانَ الْغَرَضُ مِنَ الْمَأْمُورِ إِزَالَةَ شَرٍّ وَفِتْنَةٍ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى وُجُوبِهِ وَإِنَّمَا أَمَرَ تَعَالَى بِذَبْحِهَا لِكَيْ يَظْهَرَ الْقَاتِلُ فَتَزُولَ الْفِتْنَةُ وَالشَّرُّ الْمُخَوِّفُ فِيهِمْ، وَالتَّحَرُّزُ عَنْ هَذَا الْجِنْسِ الضَّارِّ وَاجِبٌ، فَلَمَّا كَانَ الْعِلَاجُ إِزَالَتَهُ بِهَذَا الْفِعْلِ صَارَ واجباً وأيضاً فَغَيْرُ مُمْتَنِعٍ أَنَّ فِي تِلْكَ الشَّرِيعَةِ أَنَّ التَّعَبُّدَ بِالْقُرْبَانِ لَا يَكُونُ إِلَّا سَبِيلَ الْوُجُوبِ، فَلَمَّا تَقَدَّمَ عِلْمُهُمْ بِذَلِكَ كَفَاهُمْ مُجَرَّدُ الْأَمْرِ. وَأَقُولُ: حَاصِلُ هَذَيْنِ السُّؤَالَيْنِ يَرْجِعُ إِلَى حَرْفٍ واحد وهو أنا وإنا كُنَّا لَا نَقُولُ إِنَّ الْأَمْرَ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ فَلَا نَقُولُ: إِنَّهُ يُنَافِي الْوُجُوبَ أَيْضًا فَلَعَلَّهُ فَهِمَ الْوُجُوبَ هَاهُنَا بِسَبَبٍ آخَرَ سِوَى الْأَمْرِ، وَذَلِكَ السَّبَبُ الْمُنْفَصِلُ إِمَّا قَرِينَةٌ حَالِيَّةٌ وَهِيَ الْعِلْمُ بِأَنَّ دَفْعَ الْمَضَارِّ وَاجِبٌ، أَوْ مَقَالِيَّةٌ وَهِيَ مَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ مِنْ أَنَّ الْقُرْبَانَ لَا يَكُونُ مَشْرُوعًا إِلَّا عَلَى وَجْهِ الْوُجُوبِ. وَالْجَوَابُ: أَنَّ الْمَذْكُورَ مُجَرَّدُ قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً فَلَمَّا ذُكِرَ الذَّمُّ وَالتَّوْبِيخُ عَلَى تَرْكِ الذَّبْحِ الْمَأْمُورِ بِهِ عَلِمْنَا أَنَّ مَنْشَأَ ذَلِكَ هُوَ مُجَرَّدُ وُرُودِ الْأَمْرِ بِهِ لِمَا ثَبَتَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ أَنَّ تَرْتِيبَ الْحُكْمِ عَلَى الْوَصْفِ مُشْعِرٌ بِكَوْنِ الْوَصْفِ عِلَّةً لِذَلِكَ الْحُكْمِ.
الْبَحْثُ الْخَامِسُ: احْتَجَّ الْقَائِلُونَ بِأَنَّ الْأَمْرَ يُفِيدُ الْفَوْرَ بِهَذِهِ الْآيَةِ، قَالُوا: لِأَنَّهُ وَرَدَ التَّعْنِيفُ عَلَى تَرْكِ الْمَأْمُورِ بِهِ عِنْدَ وُرُودِ الْأَمْرِ الْمُجَرَّدِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لِلْفَوْرِ.
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيها فَاعْلَمْ أَنَّ وُقُوعَ ذَلِكَ الْقَتْلِ لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ مُتَقَدِّمًا لِأَمْرِهِ تَعَالَى بِالذَّبْحِ. أَمَّا الْإِخْبَارُ عَنْ وُقُوعِ ذَلِكَ الْقَتْلِ وَعَنْ أَنَّهُ لَا بُدَّ وَأَنْ يُضْرَبَ الْقَتِيلُ بِبَعْضِ تِلْكَ الْبَقَرَةِ فَلَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مُتَقَدِّمًا عَلَى الْإِخْبَارِ عَنْ قِصَّةِ الْبَقَرَةِ، فَقَوْلُ مَنْ يَقُولُ: هَذِهِ الْقِصَّةُ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ مُتَقَدِّمَةً فِي التِّلَاوَةِ عَلَى الْأُولَى خَطَأٌ، لِأَنَّ هَذِهِ الْقِصَّةَ فِي نَفْسِهَا يَجِبُ أَنْ تكون متقدمة على الأول فِي الْوُجُودِ، فَأَمَّا التَّقَدُّمُ فِي الذِّكْرِ فَغَيْرُ وَاجِبٍ لِأَنَّهُ تَارَةً يَتَقَدَّمُ ذِكْرُ السَّبَبِ عَلَى ذِكْرِ الْحُكْمِ وَأُخْرَى عَلَى الْعَكْسِ مِنْ ذَلِكَ، فَكَأَنَّهُ لَمَّا وَقَعَتْ لَهُمْ تِلْكَ الْوَاقِعَةُ أَمَرَهُمْ تَعَالَى بِذَبْحِ الْبَقَرَةِ فَلَمَّا ذَبَحُوهَا قَالَ: وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا مِنْ قَبْلُ وَاخْتَلَفْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فَإِنِّي مُظْهِرٌ لَكُمُ الْقَاتِلَ الَّذِي سَتَرْتُمُوهُ بِأَنْ يُضْرَبَ الْقَتِيلُ بِبَعْضِ هَذِهِ الْبَقَرَةِ الْمَذْبُوحَةِ، وَذَلِكَ مُسْتَقِيمٌ. فَإِنْ قِيلَ: هَبْ أَنَّهُ لَا خَلَلَ فِي هَذَا النَّظْمِ، وَلَكِنَّ النَّظْمَ الْآخَرَ كَانَ مُسْتَحْسَنًا فَمَا الْفَائِدَةُ فِي تَرْجِيحِ هَذَا النَّظْمِ؟ قُلْنَا: إِنَّمَا قُدِّمَتْ قِصَّةُ الْأَمْرَ بِذَبْحِ الْبَقَرَةِ عَلَى ذِكْرِ الْقَتِيلِ لِأَنَّهُ لَوْ عَمِلَ عَلَى عَكْسِهِ لَكَانَتْ قِصَّةً وَاحِدَةً وَلَوْ كَانَتْ قِصَّةً وَاحِدَةً لَذَهَبَ الْغَرَضُ مِنْ بَيْنِيَّةِ التَّفْرِيعِ.
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: فَادَّارَأْتُمْ فِيها فَفِيهِ وُجُوهٌ. أَحَدُهَا: اخْتَلَفْتُمْ وَاخْتَصَمْتُمْ فِي شَأْنِهَا لِأَنَّ الْمُتَخَاصِمِينَ يَدْرَأُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا أَيْ يُدَافِعُهُ وَيُزَاحِمُهُ. وَثَانِيهَا: «ادَّارَأْتُمْ» أَيْ يَنْفِي كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمُ الْقَتْلَ عَنْ نَفْسِهِ وَيُضِيفُهُ إِلَى غَيْرِهِ. وَثَالِثُهَا: دَفْعُ بَعْضِكُمْ بَعْضًا عَنِ الْبَرَاءَةِ وَالتُّهْمَةِ، وَجُمْلَةُ الْقَوْلِ/ فِيهِ أَنَّ الدَّرْءَ هُوَ الدَّفْعُ. فَالْمُتَخَاصِمُونَ إِذَا تَخَاصَمُوا فَقَدْ دَفَعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَنْ نَفْسِهِ تِلْكَ التُّهْمَةَ، وَدَفَعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ حُجَّةَ صَاحِبِهِ عَنْ تِلْكَ الْفِعْلَةِ، وَدَفَعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ حُجَّةَ صَاحِبِهِ فِي إِسْنَادِ تِلْكَ التُّهْمَةِ إِلَى غَيْرِهِ وَحَجَّةَ صَاحِبِهِ فِي بَرَاءَتِهِ عَنْهُ، قَالَ الْقَفَّالُ:
وَالْكِنَايَةُ فِي (فِيهَا) لِلنَّفْسِ، أَيْ فَاخْتَلَفْتُمْ فِي النَّفْسِ وَيُحْتَمَلُ فِي الْقِتْلَةِ لِأَنَّ قَوْلَهُ: قَتَلْتُمْ يَدُلُّ عَلَى الْمَصْدَرِ.

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 3  صفحه : 551
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست