responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 3  صفحه : 524
وَإِرَادَةُ التَّذَلُّلِ لَكَ، فَحُطَّ عَنَّا ذُنُوبَنَا. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: هَلْ كَانَ التَّكْلِيفُ وَارِدًا بِذِكْرِ هَذِهِ اللَّفْظَةِ بِعَيْنِهَا أَمْ لَا؟ قُلْنَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُمْ أُمِرُوا بِهَذِهِ اللَّفْظَةِ بِعَيْنِهَا وَهَذَا مُحْتَمَلٌ وَلَكِنَّ الْأَقْرَبَ خِلَافُهُ لِوَجْهَيْنِ. أَحَدُهُمَا: أَنَّ هَذِهِ اللَّفْظَةَ عَرَبِيَّةٌ وَهُمْ/ مَا كَانُوا يَتَكَلَّمُونَ بِالْعَرَبِيَّةِ، وَثَانِيهُمَا: وَهُوَ الْأَقْرَبُ أَنَّهُمْ أُمِرُوا بِأَنْ يَقُولُوا قَوْلًا دَالًّا عَلَى التَّوْبَةِ وَالنَّدَمِ وَالْخُضُوعِ حَتَّى أَنَّهُمْ لَوْ قَالُوا مَكَانَ قَوْلِهِمْ: حِطَّةٌ اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْتَغْفِرُكَ وَنَتُوبُ إِلَيْكَ لَكَانَ الْمَقْصُودُ حَاصِلًا، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنَ التَّوْبَةِ، إِمَّا الْقَلْبُ وَإِمَّا اللِّسَانُ، أَمَّا الْقَلْبُ فَالنَّدَمُ، وَأَمَّا اللِّسَانُ فَذِكْرُ لَفْظٍ يَدُلُّ عَلَى حُصُولِ النَّدَمِ فِي الْقَلْبِ وَذَلِكَ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى ذِكْرِ لَفْظَةٍ بِعَيْنِهَا.
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: نَغْفِرْ لَكُمْ فَالْكَلَامُ فِي الْمَغْفِرَةِ قَدْ تَقَدَّمَ. ثُمَّ هَاهُنَا بَحْثَانِ:
الْأَوَّلُ: أَنَّ قَوْلَهُ: نَغْفِرْ لَكُمْ ذَكَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي مَعْرِضِ الِامْتِنَانِ، وَلَوْ كَانَ قَبُولُ التَّوْبَةِ وَاجِبًا عَقْلًا عَلَى مَا تَقُولُهُ الْمُعْتَزِلَةُ لَمَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ، بَلْ كَانَ أَدَاءً لِلْوَاجِبِ وَأَدَاءُ الْوَاجِبِ لَا يَجُوزُ ذِكْرُهُ فِي مَعْرِضِ الِامْتِنَانِ.
الثَّانِي: هَاهُنَا قِرَاءَاتٌ. أَحَدُهَا: قَرَأَ أَبُو عَمْرٍو وَابْنُ الْمُنَادِي بِالنُّونِ وَكَسْرِ الْفَاءِ. وَثَانِيهَا: قَرَأَ نَافِعٌ بِالْيَاءِ وَفَتْحِهَا. وَثَالِثُهَا: قَرَأَ الْبَاقُونَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَجَبَلَةُ عَنِ الْمُفَضَّلِ بِالتَّاءِ وَضَمِّهَا وَفَتْحِ الْفَاءِ، وَرَابِعُهَا: قَرَأَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ وَأَبُو حَيْوَةَ وَالْجَحْدَرِيُّ بِالْيَاءِ وَضَمِّهَا وَفَتْحِ الْفَاءِ. قَالَ الْقَفَّالُ: وَالْمَعْنَى فِي هَذِهِ الْقِرَاءَاتِ كُلِّهَا وَاحِدٌ، لِأَنَّ الْخَطِيئَةَ إِذَا غَفَرَهَا اللَّهُ تَعَالَى فَقَدْ غُفِرَتْ وَإِذَا غُفِرَتْ فَإِنَّمَا يَغْفِرُهَا اللَّهُ، وَالْفِعْلُ إِذَا تَقَدَّمَ الِاسْمَ الْمُؤَنَّثَ وَحَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْفَاعِلِ حَائِلٌ جَازَ التَّذْكِيرُ وَالتَّأْنِيثُ كَقَوْلِهِ: وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ [هُودٍ: 67] وَالْمُرَادُ مِنَ الْخَطِيئَةِ الْجِنْسُ لَا الْخَطِيئَةُ الْوَاحِدَةُ بِالْعَدَدِ. أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: خَطاياكُمْ فَفِيهِ قِرَاءَاتٌ، أَحَدُهَا: قَرَأَ الْجَحْدَرِيُّ «خَطِيئَتُكُمْ» بِمَدَّةٍ وَهَمْزَةٍ وَتَاءٍ مَرْفُوعَةٍ بَعْدَ الْهَمْزَةِ عَلَى وَاحِدَةٍ. وَثَانِيهَا: الْأَعْمَشُ «خَطِيئَاتِكُمْ» بِمَدَّةٍ وَهَمْزَةٍ وَأَلْفٍ بَعْدَ الْهَمْزَةِ قَبْلَ التَّاءِ وَكَسْرِ التَّاءِ. وَثَالِثُهَا: الْحَسَنُ كَذَلِكَ إِلَّا أَنَّهُ يَرْفَعُ التَّاءَ، وَرَابِعُهَا: الْكِسَائِيُّ خَطَايَاكُمْ بِهَمْزَةٍ سَاكِنَةٍ بَعْدَ الطَّاءِ قَبْلَ الْيَاءِ، وَخَامِسُهَا: ابْنُ كَثِيرٍ بِهَمْزَةٍ سَاكِنَةٍ بَعْدَ الْيَاءِ وَقَبْلَ الكاف. وسادسها: الكسائي بكسر الطاء والتاء، وَالْبَاقُونَ بِإِمَالَةِ الْيَاءِ فَقَطْ.
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنَ الْمُحْسِنِ مَنْ كَانَ مُحْسِنًا بِالطَّاعَةِ فِي هَذَا التَّكْلِيفِ أَوْ مَنْ كَانَ مُحْسِنًا بِطَاعَاتٍ أُخْرَى فِي سَائِرِ التَّكَالِيفِ. أَمَّا عَلَى التَّقْدِيرِ الْأَوَّلِ: فَالزِّيَادَةُ الْمَوْعُودَةُ يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ مِنْ مَنَافِعِ الدُّنْيَا وَأَنْ تَكُونَ مِنْ مَنَافِعِ الدِّينِ. أَمَّا الِاحْتِمَالُ الْأَوَّلُ: وَهُوَ أَنْ تَكُونَ مِنْ مَنَافِعِ الدُّنْيَا، فَالْمَعْنَى أَنَّ مَنْ كَانَ مُحْسِنًا بِهَذِهِ الطَّاعَةِ فَإِنَّا نَزِيدُهُ سَعَةً فِي الدُّنْيَا وَنَفْتَحُ عَلَيْهِ قُرًى غَيْرَ هَذِهِ الْقَرْيَةِ، وَأَمَّا الِاحْتِمَالُ الثَّانِي: وَهُوَ أَنْ تَكُونَ مِنْ مَنَافِعِ الْآخِرَةِ، فَالْمَعْنَى أَنَّ مَنْ كَانَ مُحْسِنًا بِهَذِهِ الطَّاعَةِ وَالتَّوْبَةِ فَإِنَّا نَغْفِرُ لَهُ خَطَايَاهُ وَنَزِيدُهُ عَلَى غُفْرَانِ الذُّنُوبِ إِعْطَاءَ الثَّوَابِ الْجَزِيلِ كَمَا قَالَ: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ [يُونُسَ: 26] ، أَيْ نُجَازِيهِمْ بِالْإِحْسَانِ إِحْسَانًا وَزِيَادَةً كَمَا جَعَلَ الثَّوَابَ لِلْحَسَنَةِ الْوَاحِدَةِ عَشْرًا، وَأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، وَأَمَّا إِنْ كَانَ الْمُرَادُ مِنْ «الْمُحْسِنِينَ» مَنْ كَانَ مُحْسِنًا بِطَاعَاتٍ أُخْرَى بَعْدَ هَذِهِ التَّوْبَةِ، فَيَكُونُ الْمَعْنَى أَنَّا نَجْعَلُ دُخُولَكُمُ الْبَابَ سُجَّدًا وَقَوْلَكُمْ حِطَّةٌ مُؤَثِّرًا فِي غُفْرَانِ الذُّنُوبِ، ثُمَّ إِذَا أَتَيْتُمْ بَعْدَ ذَلِكَ بِطَاعَاتٍ أُخْرَى أَعْطَيْنَاكُمُ/ الثَّوَابَ عَلَى تِلْكَ الطَّاعَاتِ الزَّائِدَةِ، وَفِي الْآيَةِ تَأْوِيلٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنَّ الْمَعْنَى مَنْ كَانَ خَاطِئًا غَفَرْنَا لَهُ ذَنْبَهُ بِهَذَا الْفِعْلِ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ خَاطِئًا بَلْ كَانَ مُحْسِنًا زِدْنَا فِي إِحْسَانِهِ، أَيْ كَتَبْنَا تِلْكَ الطَّاعَةَ فِي حَسَنَاتِهِ وَزِدْنَاهُ زِيَادَةً مِنَّا فِيهَا فَتَكُونُ الْمَغْفِرَةُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالزِّيَادَةُ للمطيعين.

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 3  صفحه : 524
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست