responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 3  صفحه : 522
اعْلَمْ أَنَّ هَذَا هُوَ الْإِنْعَامُ السَّابِعُ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ، وَظَاهِرُ هَذِهِ الْآيَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا الْإِظْلَالَ كَانَ بَعْدَ أَنْ بَعَثَهُمْ لِأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ: ثُمَّ بَعَثْناكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ، وَظَلَّلْنا عَلَيْكُمُ الْغَمامَ بَعْضُهُ مَعْطُوفٌ عَلَى بَعْضٍ وَإِنْ كَانَ لَا يَمْتَنِعُ خِلَافُ ذَلِكَ، لِأَنَّ الْغَرَضَ تَعْرِيفُ النِّعَمِ الَّتِي خَصَّهُمُ اللَّهُ تعالى بها.
قال المفسرون: وَظَلَّلْنا وجعلن الْغَمَامَ تُظِلُّكُمْ، وَذَلِكَ فِي التِّيهِ سَخَّرَ اللَّهُ لَهُمُ السَّحَابَ يَسِيرُ بِسَيْرِهِمْ يُظِلُّهُمْ مِنَ الشَّمْسِ وَيُنْزِلُ عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَهُوَ التَّرَنْجَبِينُ مِثْلُ الثَّلْجِ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إِلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ لِكُلِّ إِنْسَانٍ صَاعٌ وَيَبْعَثُ اللَّهُ إِلَيْهِمُ السَّلْوَى وَهِيَ السُّمَانِيُّ فَيَذْبَحُ الرَّجُلُ مِنْهَا مَا يَكْفِيهِ كُلُوا عَلَى إِرَادَةِ الْقَوْلِ: وَما ظَلَمُونا يَعْنِي فَظَلَمُوا بِأَنْ كَفَرُوا هَذِهِ النِّعَمَ أَوْ بِأَنْ أَخَذُوا أَزْيَدَ مِمَّا أَطْلَقَ لَهُمْ فِي أَخْذِهِ أَوْ بِأَنْ سَأَلُوا غَيْرَ ذَلِكَ الْجِنْسِ وَمَا ظَلَمُونَا فَاخْتَصَرَ الْكَلَامَ بِحَذْفِهِ لِدَلَالَةِ وَما ظَلَمُونا عَلَيْهِ.

[سورة البقرة (2) : الآيات 58 الى 59]
وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطاياكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ (58) فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزاً مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ (59)
اعْلَمْ أَنَّ هَذَا هُوَ الْإِنْعَامُ الثَّامِنُ، وَهَذِهِ الْآيَةُ مَعْطُوفَةٌ عَلَى النِّعَمِ الْمُتَقَدِّمَةِ لِأَنَّهُ تَعَالَى كَمَا بَيَّنَ نِعَمَهُ عَلَيْهِمْ بِأَنْ ظَلَّلَ لَهُمْ مِنَ الْغَمَامِ وَأَنْزَلَ [عَلَيْهِمْ] مِنَ الْمَنِّ وَالسَّلْوَى وَهُوَ مِنَ النِّعَمِ الْعَاجِلَةِ أَتْبَعَهُ بِنِعَمِهِ عَلَيْهِمْ فِي بَابِ الدِّينِ حَيْثُ أَمَرَهُمْ بِمَا يَمْحُو ذُنُوبَهُمْ وَبَيَّنَ لَهُمْ طَرِيقَ الْمُخْلِصِ مِمَّا اسْتَوْجَبُوهُ مِنَ الْعُقُوبَةِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْكَلَامَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى نَوْعَيْنِ:
النَّوْعُ الْأَوَّلُ: مَا يَتَعَلَّقُ بِالتَّفْسِيرِ فَنَقُولُ: أَمَّا قَوْلُهُ تعالى: وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ [البقرة: 58] فَاعْلَمْ أَنَّهُ أَمْرُ تَكْلِيفٍ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ وَجْهَانِ: الْأَوَّلُ: أَنَّهُ تَعَالَى أَمْرٌ بِدُخُولِ الْبَابِ سُجَّدًا، وَذَلِكَ فِعْلٌ شَاقٌّ فَكَانَ الْأَمْرُ بِهِ تَكْلِيفًا وَدُخُولُ الْبَابِ سُجَّدًا مَشْرُوطٌ بِدُخُولِ الْقَرْيَةِ، وَمَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إِلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ، فَثَبَتَ أَنَّ الْأَمْرَ بِدُخُولِ الْقَرْيَةِ أَمْرُ تَكْلِيفٍ لَا أَمْرُ إِبَاحَةٍ. الثَّانِي: أَنَّ قَوْلَهُ: ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَرْتَدُّوا عَلى أَدْبارِكُمْ [الْمَائِدَةِ: 21] دَلِيلٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ. أَمَّا الْقَرْيَةُ فَظَاهِرُ الْقُرْآنِ لَا يَدُلُّ عَلَى عَيْنِهَا، وَإِنَّمَا يَرْجِعُ فِي ذَلِكَ إِلَى الْأَخْبَارِ، وَفِيهِ أَقْوَالٌ: أَحَدُهَا: وَهُوَ اخْتِيَارُ قَتَادَةَ وَالرَّبِيعِ وَأَبِي مُسْلِمٍ الْأَصْفَهَانِيِّ أَنَّهَا بَيْتُ الْمَقْدِسِ، وَاسْتَدَلُّوا عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ: ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْقَرْيَةِ فِي الْآيَتَيْنِ وَاحِدٌ، وَثَانِيهَا: أَنَّهَا نَفْسُ مِصْرَ، وَثَالِثُهَا: وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي زَيْدٍ إِنَّهَا أَرِيحَاءُ وَهِيَ قَرِيبَةٌ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَاحْتَجَّ هَؤُلَاءِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ تِلْكَ الْقَرْيَةُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ لِأَنَّ الْفَاءَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا تَقْتَضِي التَّعْقِيبَ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ التَّبْدِيلُ وَقَعَ مِنْهُمْ عَقِيبَ هَذَا الْأَمْرِ فِي حَيَاةِ مُوسَى، لَكِنَّ مُوسَى مَاتَ فِي أَرْضِ التِّيهِ وَلَمْ يَدْخُلْ بَيْتَ الْمَقْدِسِ، فَثَبَتَ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ بَيْتَ الْمَقْدِسِ. وَأَجَابَ الْأَوَّلُونَ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: أَنَّا قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ عَلَى لِسَانِ مُوسَى أَوْ عَلَى

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 3  صفحه : 522
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست