responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 3  صفحه : 517
أَوْ بَعْدَ ذَلِكَ وَأَنْتَ سَلَّمْتَ جَوَازَ وُرُودِ الْأَمْرِ بِالْجِرَاحَةِ الَّتِي لَا تَسْتَعْقِبُ الزُّهُوقَ فِي الْحَالِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ ثَبَتَ جَوَازُ أَنْ يُرَادَ الْأَمْرُ بِأَنْ يَقْتُلَ الْإِنْسَانُ نَفْسَهُ، سَلَّمْنَا أَنَّ الْقَتْلَ اسْمُ الْفِعْلِ الْمُزْهِقِ لِلرُّوحِ فِي الْحَالِ فَلِمَ لَا يَجُوزُ وُرُودُ الْأَمْرِ بِهِ؟ قَوْلُهُ: لَا بُدَّ فِي وُرُودِ الْأَمْرِ بِهِ مِنْ مَصْلَحَةٍ اسْتِقْبَالِيَّةٍ، قُلْنَا: أَوَّلًا لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ مَصْلَحَةٍ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ أَمَرَ مَنْ يَعْلَمُ كَفْرَهُ بِالْإِيمَانِ وَلَا مَصْلَحَةَ فِي ذَلِكَ إِذْ لَا فَائِدَةَ مِنْ ذَلِكَ التَّكْلِيفِ إِلَّا حُصُولُ الْعِقَابِ، سَلَّمْنَا أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ مَصْلَحَةٍ وَلَكِنْ لِمَ قُلْتَ إِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ عَوْدِ تِلْكَ الْمَصْلَحَةِ إِلَيْهِ، وَلِمَ لَا يَجُوزُ أَنَّ قَتْلَهُ نَفْسَهُ مَصْلَحَةٌ لِغَيْرِهِ فَاللَّهُ تَعَالَى أَمَرَهُ بِذَلِكَ لِيَنْتَفِعَ بِهِ ذَلِكَ الْغَيْرُ، ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى يُوَصِّلُ الْعِوَضَ الْعَظِيمَ إِلَيْهِ.
سَلَّمْنَا أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ عَوْدِ الْمُصْلَحَةِ إِلَيْهِ، لَكِنْ لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ إِنَّ عِلْمَهُ بِكَوْنِهِ مَأْمُورًا بِذَلِكَ الْفِعْلِ مَصْلَحَةٌ لَهُ، مِثْلُ أَنَّهُ لَمَّا أَمَرَ بِأَنْ يَقْتُلَ نَفْسَهُ غَدًا فَإِنَّ عِلْمَهُ بِذَلِكَ يَصِيرُ دَاعِيًا لَهُ إِلَى تَرْكِ الْقَبَائِحِ مِنْ ذَلِكَ الزَّمَانِ إِلَى وُرُودِ الْغَدِ، وَإِذَا كَانَتْ هَذِهِ الِاحْتِمَالَاتُ مُمْكِنَةً سَقَطَ مَا قَالَ الْقَاضِي، بَلِ الْوَجْهُ الْأَوَّلُ الَّذِي عَوَّلَ عَلَيْهِ الْمُفَسِّرُونَ أَقْوَى، وَعَلَى هَذَا يَجِبُ صَرْفُ الآية عن ظاهرها، ثم فيه وجهان، الْأَوَّلُ: أَنْ يُقَالَ أَمَرَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ أُولَئِكَ التَّائِبِينَ بِأَنْ يَقْتُلَ بَعْضَهُمْ بَعْضًا فَقَوْلُهُ: فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ مَعْنَاهُ لِيَقْتُلْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَهُوَ كَقَوْلِهِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ:
وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ [النِّسَاءِ: 29] وَمَعْنَاهُ لَا يَقْتُلُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَتَحْقِيقُهُ أَنَّ المؤمنين كالنفس الواحدة، وَقِيلَ/ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ [الْحُجُرَاتِ: 11] أَيْ إِخْوَانَكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، وَفِي قَوْلِهِ: لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً [النُّورِ: 12] أَيْ بِأَمْثَالِهِمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَكَقَوْلِهِ: فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ [النُّورِ: 61] أَيْ لِيُسَلِّمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ. ثُمَّ قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: أُولَئِكَ التَّائِبُونَ بَرَزُوا صَفَّيْنِ فَضَرَبَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا إِلَى اللَّيْلِ. الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ غَيْرَ أُولَئِكَ التَّائِبِينَ بِقَتْلِ أُولَئِكَ التَّائِبِينَ فَيَكُونُ الْمُرَادُ من قوله: فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَيِ اسْتَسْلِمُوا لِلْقَتْلِ، وَهَذَا الْوَجْهُ الثَّانِي أَقْرَبُ لِأَنَّ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ تَزْدَادُ الْمَشَقَّةُ لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ إِذَا اشْتَرَكَتْ فِي الذَّنْبِ كَانَ بَعْضُهُمْ أَشَدَّ عَطْفًا عَلَى الْبَعْضِ مِنْ غَيْرِهِمْ عَلَيْهِمْ فَإِذَا كُلِّفُوا بِأَنْ يَقْتُلَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا عَظُمَتِ الْمَشَقَّةُ فِي ذَلِكَ ثُمَّ اخْتَلَفَتِ الرِّوَايَاتُ، فَالْأَوَّلُ: أَنَّهُ أَمَرَ مَنْ لَمْ يَعْبُدِ الْعِجْلَ مِنَ السَّبْعِينَ الْمُخْتَارِينَ لِحُضُورِ الْمِيقَاتِ أَنْ يَقْتُلَ مَنْ عَبَدَ الْعِجْلَ مِنْهُمْ، وَكَانَ الْمَقْتُولُونَ سَبْعِينَ أَلْفًا فَمَا تَحَرَّكُوا حَتَّى قُتِلُوا عَلَى ثَلَاثَةِ أيام، وهذا لقول ذَكَرَهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ. الثَّانِي: أَنَّهُ
لَمَّا أَمَرَهُمْ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ بِالْقَتْلِ أَجَابُوا فَأَخَذَ عَلَيْهِمُ الْمَوَاثِيقَ لِيَصْبِرُوا عَلَى الْقَتْلِ فَأَصْبَحُوا مُجْتَمِعِينَ كُلُّ قَبِيلَةٍ عَلَى حِدَةٍ وَأَتَاهُمْ هَارُونُ بِالِاثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا الَّذِينَ لَمْ يَعْبُدُوا الْعِجْلَ الْبَتَّةَ وَبِأَيْدِيهِمُ السُّيُوفُ، فَقَالَ التَّائِبُونَ: إِنَّ هَؤُلَاءِ إِخْوَانُكُمْ قَدْ أَتَوْكُمْ شَاهِرِينَ السُّيُوفَ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَاصْبِرُوا فَلَعَنَ اللَّهُ رَجُلًا قَامَ مِنْ مَجْلِسِهِ أَوْ مَدَّ طَرْفَهُ إِلَيْهِمْ أَوِ اتَّقَاهُمْ بِيَدٍ أَوْ رِجْلٍ يَقُولُونَ آمِينَ، فَجَعَلُوا يَقْتُلُونَهُمْ إِلَى الْمَسَاءِ وَقَامَ مُوسَى وَهَارُونُ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ يَدْعُوَانِ اللَّهَ وَيَقُولَانِ الْبَقِيَّةَ الْبَقِيَّةَ يَا إِلَهَنَا فَأَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إِلَيْهِمَا، قَدْ غَفَرْتُ لِمَنْ قُتِلَ وَتُبْتُ عَلَى مَنْ بَقِيَ، قَالَ: وَكَانَ الْقَتْلَى سَبْعِينَ أَلْفًا، هَذِهِ رِوَايَةُ الْكَلْبِيِّ.
الثَّالِثُ: أَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانُوا قِسْمَيْنِ: مِنْهُمْ مَنْ عَبَدَ الْعِجْلَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَعْبُدْهُ وَلَكِنْ لَمْ يُنْكِرْ عَلَى مَنْ عَبَدَهُ، فَأَمَرَ مَنْ لَمْ يَشْتَغِلْ بِالْإِنْكَارِ بِقَتْلِ مَنِ اشْتَغَلَ بِالْعِبَادَةِ، ثُمَّ قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: إِنَّ الرَّجُلَ كَانَ يُبْصِرُ وَالِدَهُ وَوَلَدَهُ وَجَارَهُ فَلَمْ يُمْكِنْهُ الْمُضِيُّ لِأَمْرِ اللَّهِ فَأَرْسَلَ اللَّهُ تَعَالَى سَحَابَةً سَوْدَاءَ، ثُمَّ أَمَرَ بِالْقَتْلِ فَقَتَلُوا إِلَى الْمَسَاءِ حَتَّى دَعَا مُوسَى وَهَارُونُ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ وَقَالَا: يَا رَبِّ هَلَكَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ الْبَقِيَّةَ الْبَقِيَّةَ فَانْكَشَفَتِ السَّحَابَةُ وَنَزَلَتِ التَّوْرَاةُ وَسَقَطَتِ الشِّفَارُ مِنْ أَيْدِيهِمْ.

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 3  صفحه : 517
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست