responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 3  صفحه : 509
وَذَلِكَ سَبَبٌ لِظُهُورِ كَرَامَتِهِمْ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى. وَثَالِثُهَا: أَنَّهُمْ شَاهَدُوا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَهْلَكَ أَعْدَاءَهُمْ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْخَلَاصَ مِنْ مِثْلِ هَذَا الْبَلَاءِ مِنْ أَعْظَمِ النِّعَمِ، فَكَيْفَ إِذَا حَصَلَ مَعَهُ ذَلِكَ الْإِكْرَامُ الْعَظِيمُ وَإِهْلَاكُ الْعَدُوِّ. وَرَابِعُهَا:
أَنْ أَوْرَثَهُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَنِعَمَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ. وَخَامِسُهَا: أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا أَغْرَقَ آلَ فِرْعَوْنَ فَقَدْ خَلَّصَ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْهُمْ، وَذَلِكَ نِعْمَةٌ عَظِيمَةٌ لِأَنَّهُ كَانَ خَائِفًا مِنْهُمْ، وَلَوْ أَنَّهُ تَعَالَى خَلَّصَ مُوسَى وَقَوْمَهُ مِنْ تِلْكَ الْوَرْطَةِ وَمَا أَهْلَكَ فِرْعَوْنَ وَقَوْمَهُ لَكَانَ الْخَوْفُ بَاقِيًا مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ رُبَّمَا اجْتَمَعُوا وَاحْتَالُوا بِحِيلَةٍ وَقَصَدُوا إِيذَاءَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَقَوْمِهِ، وَلَكِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا أَغْرَقَهُمْ فَقَدْ حَسَمَ مَادَّةَ الْخَوْفِ بِالْكُلِّيَّةِ. وَسَادِسُهَا: أَنَّهُ وَقَعَ ذَلِكَ الْإِغْرَاقُ بِمَحْضَرٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَهُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ وَأَمَّا نِعَمُ الدِّينِ فِي حَقِّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فَمِنْ وُجُوهٍ، أَحَدُهَا: أَنَّ قَوْمَ مُوسَى لَمَّا شَاهَدُوا تِلْكَ الْمُعْجِزَةَ الْبَاهِرَةَ زَالَتْ عَنْ قُلُوبِهِمُ الشُّكُوكُ وَالشُّبُهَاتُ، فَإِنَّ دَلَالَةَ مِثْلِ هَذَا الْمُعْجِزِ/ عَلَى وُجُودِ الصَّانِعِ الْحَكِيمِ وَعَلَى صِدْقِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ تُقَرِّبُ مِنَ الْعِلْمِ الضَّرُورِيِّ، فَكَأَنَّهُ تَعَالَى رَفَعَ عَنْهُمْ تَحَمُّلَ النَّظَرِ الدَّقِيقِ وَالِاسْتِدْلَالِ الشَّاقِّ. وَثَانِيهَا: أَنَّهُمْ لَمَّا عَايَنُوا ذَلِكَ صَارَ دَاعِيًا لَهُمْ إِلَى الثَّبَاتِ عَلَى تَصْدِيقِ مُوسَى وَالِانْقِيَادِ لَهُ وَصَارَ ذَلِكَ دَاعِيًا لِقَوْمِ فِرْعَوْنَ إِلَى تَرْكِ تَكْذِيبِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَالْإِقْدَامِ عَلَى تَكْذِيبِ فِرْعَوْنَ. وَثَالِثُهَا: أَنَّهُمْ عَرَفُوا أَنَّ الْأُمُورَ بِيَدِ اللَّهِ فَإِنَّهُ لَا عِزَّ فِي الدُّنْيَا أَكْمَلُ مِمَّا كَانَ لِفِرْعَوْنَ وَلَا شِدَّةَ أَشَدُّ مِمَّا كَانَتْ بِبَنِي إِسْرَائِيلَ، ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى فِي لَحْظَةٍ وَاحِدَةٍ جَعَلَ الْعَزِيزَ ذَلِيلًا وَالذَّلِيلَ عَزِيزًا، وَذَلِكَ يُوجِبُ انْقِطَاعَ الْقَلْبِ عَنْ عَلَائِقِ الدُّنْيَا وَالْإِقْبَالَ بِالْكُلِّيَّةِ عَلَى خِدْمَةِ الْخَالِقِ وَالتَّوَكُّلِ عَلَيْهِ فِي كُلِّ الْأُمُورِ، وَأَمَّا النِّعَمُ الْحَاصِلَةُ لِأُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ ذِكْرِ هَذِهِ الْقِصَّةِ فَكَثِيرَةٌ، أَحَدُهَا: أَنَّهُ كَالْحُجَّةِ لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَهْلِ الْكِتَابِ لِأَنَّهُ كَانَ مَعْلُومًا مِنْ حَالِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَنَّهُ كَانَ أُمِّيًّا لَمْ يَقْرَأْ وَلَمْ يَكْتُبْ وَلَمْ يُخَالِطْ أَهْلَ الْكِتَابِ فَإِذَا أَوْرَدَ عَلَيْهِمْ مِنْ أَخْبَارِهِمُ الْمُفَصَّلَةِ مَا لَا يُعْلَمُ إِلَّا مِنَ الْكُتُبِ عَلِمُوا أَنَّهُ أَخْبَرَ عَنِ الْوَحْيِ وَأَنَّهُ صَادِقٌ، فَصَارَ ذَلِكَ حُجَّةً لَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى الْيَهُودِ وَحَجَّةً لَنَا فِي تَصْدِيقِهِ. وَثَانِيهَا: أَنَّا إِذَا تَصَوَّرْنَا مَا جَرَى لَهُمْ وَعَلَيْهِمْ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ الْعَظِيمَةِ عَلِمْنَا أَنَّ مَنْ خَالَفَ اللَّهَ شَقِيَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَنْ أَطَاعَهُ فَقَدْ سَعِدَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، فَصَارَ ذَلِكَ مُرَغِّبًا لَنَا فِي الطَّاعَةِ وَمُنَفِّرًا عَنِ الْمَعْصِيَةِ. وَثَالِثُهَا: أَنَّ أَمَةَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ مَعَ أَنَّهُمْ خُصُّوا بِهَذِهِ الْمُعْجِزَاتِ الظَّاهِرَةِ وَالْبَرَاهِينِ الْبَاهِرَةِ، فَقَدْ خَالَفُوا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي أُمُورٍ حَتَّى قَالُوا: اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ [الْأَعْرَافِ: 138] ، وَأَمَّا أُمَّةُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَعَ أن معجزتهم هِيَ الْقُرْآنُ الَّذِي لَا يُعْرَفُ كَوْنُهُ مُعْجِزًا إِلَّا بِالدَّلَائِلِ الدَّقِيقَةِ انْقَادُوا لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا خَالَفُوهُ فِي أَمْرٍ الْبَتَّةَ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْضَلُ مِنْ أُمَّةِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ. وَبَقِيَ عَلَى الْآيَةِ سُؤَالَانِ:
السُّؤَالُ الْأَوَّلُ: أَنَّ فَلْقَ الْبَحْرِ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى وُجُودِ الصَّانِعِ الْقَادِرِ وَفِي الدَّلَالَةِ عَلَى صِدْقِ مُوسَى كَالْأَمْرِ الضَّرُورِيِّ، فَكَيْفَ يَجُوزُ فِعْلُهُ فِي زَمَانِ التَّكْلِيفِ؟ وَالْجَوَابُ: أَمَّا عَلَى قَوْلِنَا فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا الْمُعْتَزِلَةُ فَقَدْ أَجَابَ الْكَعْبِيُّ الْجَوَابَ الْكُلِّيَّ بِأَنَّ فِي الْمُكَلَّفِينَ مَنْ يَبْعُدُ عَنِ الْفِطْنَةِ وَالذَّكَاءِ وَيَخْتَصُّ بِالْبَلَادَةِ وَعَامَّةُ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانُوا كَذَلِكَ، فَاحْتَاجُوا فِي التَّنْبِيهِ إِلَى مُعَايَنَةِ الْآيَاتِ الْعِظَامِ كَفَلْقِ الْبَحْرِ وَرَفْعِ الطُّورِ وَإِحْيَاءِ الْمَوْتَى، أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ مَرُّوا بِقَوْمٍ يعكفون على أصنام لهم فقالوا: يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ
، وَأَمَّا الْعَرَبُ فَحَالُهُمْ بِخِلَافِ ذَلِكَ، لِأَنَّهُمْ كَانُوا فِي نِهَايَةِ الْكَمَالِ فِي الْعُقُولِ، فَلَا جَرَمَ، اقْتَصَرَ اللَّهُ تَعَالَى مَعَهُمْ عَلَى الدَّلَائِلِ الدَّقِيقَةِ والمعجزات اللطيفة.

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 3  صفحه : 509
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست