responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 3  صفحه : 490
الْكَيْفِيَّةِ، فَإِنَّ صَلَاةَ الْيَهُودِ وَاقِعَةٌ عَلَى كَيْفِيَّةٍ وَصَلَاةَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى كَيْفِيَّةٍ أُخْرَى. وَإِذَا كَانَ مُتَعَلِّقُ الْأَمْرِ هُوَ الْمَاهِيَّةَ الَّتِي هِيَ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ زَالَ الْإِشْكَالُ الْمَذْكُورُ وَعَلَى هَذَا نَقُولُ: إِنَّهُ تَعَالَى لَمَّا أَمَرَهُمْ بِالْإِيمَانِ وَبِتَرْكِ الْإِضْلَالِ وَبِالْتِزَامِ الشَّرَائِعِ وَهِيَ الصَّلَاةُ وَالزَّكَاةُ، وَكَانَ ذَلِكَ شَاقًّا عَلَيْهِمْ لِمَا فِيهِ مِنْ تَرْكِ الرِّيَاسَاتِ/ وَالْإِعْرَاضِ عَنِ الْمَالِ وَالْجَاهِ لَا جَرَمَ عَالَجَ اللَّهُ تَعَالَى هَذَا الْمَرَضَ فَقَالَ: وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: ذَكَرُوا فِي الصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وُجُوهًا، أَحَدُهَا: كَأَنَّهُ قِيلَ وَاسْتَعِينُوا عَلَى تَرْكِ مَا تُحِبُّونَ مِنَ الدُّنْيَا وَالدُّخُولِ فِيمَا تَسْتَثْقِلُهُ طِبَاعُكُمْ مِنْ قَبُولِ دِينِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم بالصبر أي يحبس النَّفْسِ عَنِ اللَّذَّاتِ، فَإِنَّكُمْ إِذَا كَلَّفْتُمْ أَنْفُسَكُمْ ذَلِكَ مُرِّنَتْ عَلَيْهِ وَخَفَّ عَلَيْهَا ثُمَّ إِذَا ضَمَمْتُمُ الصَّلَاةَ إِلَى ذَلِكَ تَمَّ الْأَمْرُ، لِأَنَّ الْمُشْتَغِلَ بِالصَّلَاةِ لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ مُشْتَغِلًا بِذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَذِكْرِ جَلَالِهِ وَقَهْرِهِ وَذِكْرِ رَحْمَتِهِ وَفَضْلِهِ، فَإِذَا تَذَكَّرَ رَحْمَتَهُ صَارَ مَائِلًا إِلَى طَاعَتِهِ وَإِذَا تَذَكَّرَ عِقَابَهُ تَرَكَ مَعْصِيَتَهُ فَيَسْهُلُ عِنْدَ ذَلِكَ اشْتِغَالُهُ بِالطَّاعَةِ وَتَرْكُهُ للمعصية، وثانيها: المراد من الصبر هاهنا هُوَ الصَّوْمُ لِأَنَّ الصَّائِمَ صَابِرٌ عَنِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، وَمَنْ حَبَسَ نَفْسَهُ عَنْ قَضَاءِ شَهْوَةِ الْبَطْنِ وَالْفَرْجِ زَالَتْ عَنْهُ كُدُورَاتُ حُبِّ الدُّنْيَا، فَإِذَا انْضَافَ إِلَيْهِ الصَّلَاةُ اسْتَنَارَ الْقَلْبُ بِأَنْوَارِ مَعْرِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَإِنَّمَا قَدَّمَ الصَّوْمَ عَلَى الصَّلَاةِ لِأَنَّ تَأْثِيرَ الصَّوْمِ فِي إِزَالَةِ مَا لَا يَنْبَغِي وَتَأْثِيرَ الصَّلَاةِ فِي حُصُولِ مَا يَنْبَغِي وَالنَّفْيُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْإِثْبَاتِ،
وَلِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ: «الصَّوْمُ جُنَّةٌ مِنَ النَّارِ» .
وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ [الْعَنْكَبُوتِ: 45] لِأَنَّ الصَّلَاةَ تَمْنَعُ عَنِ الِاشْتِغَالِ بِالدُّنْيَا وَتُخَشِّعُ الْقَلْبَ وَيَحْصُلُ بِسَبَبِهَا تِلَاوَةُ الْكِتَابِ وَالْوُقُوفُ عَلَى مَا فِيهِ مِنَ الْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ وَالْمَوَاعِظِ وَالْآدَابِ الْجَمِيلَةِ، وَذِكْرِ مَصِيرِ الْخَلْقِ إِلَى دَارِ الثَّوَابِ أَوْ دَارِ الْعِقَابِ رَغْبَةً فِي الْآخِرَةِ وَنُفْرَةً عَنِ الدُّنْيَا فَيَهُونُ عَلَى الْإِنْسَانِ حِينَئِذٍ تَرْكُ الرِّيَاسَةِ، وَمَقْطَعَةً عَنِ الْمَخْلُوقِينَ إِلَى قِبْلَةِ خِدْمَةِ الْخَالِقِ وَنَظِيرُ هَذِهِ الْآيَةِ قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ [الْبَقَرَةِ: 153] . أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِنَّها فَفِي هَذَا الضَّمِيرِ وُجُوهٌ، أَحَدُهَا: الضَّمِيرُ عَائِدٌ إِلَى الصَّلَاةِ أَيْ صَلَاةٌ ثَقِيلَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ. وَثَانِيهَا: الضَّمِيرُ عَائِدٌ إِلَى الِاسْتِعَانَةِ الَّتِي يَدُلُّ عَلَيْهَا قَوْلُهُ: وَاسْتَعِينُوا. وَثَالِثُهَا: أَنَّهُ عَائِدٌ إِلَى جَمِيعِ الْأُمُورِ الَّتِي أُمِرَ بِهَا بَنُو إِسْرَائِيلَ وَنُهُوا عَنْهَا مِنْ قَوْلِهِ: اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ [البقرة: 40، 47، 122] إِلَى قَوْلِهِ: وَاسْتَعِينُوا وَالْعَرَبُ قَدْ تُضْمِرُ الشَّيْءَ اخْتِصَارًا أَوْ تَقْتَصِرُ فِيهِ عَلَى الْإِيمَاءِ إِذَا وَثِقَتْ بِعِلْمِ الْمُخَاطَبِ فَيَقُولُ الْقَائِلُ: مَا عَلَيْهَا أَفْضَلُ مِنْ فُلَانٍ يَعْنِي الْأَرْضَ. وَيَقُولُونَ: مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا أَكْرَمُ مِنْ فُلَانٍ يَعْنُونَ الْمَدِينَةَ. وَقَالَ تَعَالَى: وَلَوْ يُؤاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْها مِنْ دَابَّةٍ [النَّحْلِ: 61] ، وَلَا ذِكْرَ لِلْأَرْضِ، أَمَّا قَوْلُهُ: لَكَبِيرَةٌ أَيْ لَشَاقَّةٌ ثَقِيلَةٌ عَلَى هَؤُلَاءِ سَهْلَةٌ عَلَى الْخَاشِعِينَ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ ثَوَابُهُمْ أَكْثَرَ وَثَوَابُ الْخَاشِعِ أَقَلَّ، وَذَلِكَ مُنْكَرٌ مِنَ الْقَوْلِ، قُلْنَا: لَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ الَّذِي يَلْحَقُهُمْ مِنَ التَّعَبِ أَكْثَرُ مِمَّا يَلْحَقُ الْخَاشِعَ وَكَيْفَ يَكُونُ ذَلِكَ وَالْخَاشِعُ يَسْتَعْمِلُ عِنْدَ الصَّلَاةِ جَوَارِحَهُ وَقَلْبَهُ وَسَمْعَهُ وَبَصَرَهُ، وَلَا يَغْفُلُ عَنْ تَدَبُّرِ مَا يَأْتِي بِهِ مِنَ الذكر والتذلل والخشوع، وإذ تَذَكَّرَ الْوَعِيدَ لَمْ يَخْلُ مِنْ حَسْرَةٍ وَغَمٍّ، وَإِذَا ذَكَرَ الْوَعْدَ فَكَمِثْلِ ذَلِكَ، وَإِذَا كَانَ هَذَا فِعْلَ الْخَاشِعِ فَالثِّقَلُ عَلَيْهِ بِفِعْلِ الصَّلَاةِ أَعْظَمُ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: وَإِنَّهَا ثَقِيلَةٌ عَلَى مَنْ لَمْ يَخْشَعْ أَنَّهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْتَقِدُ فِي فِعْلِهَا ثَوَابًا وَلَا فِي تَرْكِهَا عِقَابًا، فَيَصْعُبُ عَلَيْهِ فِعْلُهَا. فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُلْحِدَ إِذَا لَمْ يَعْتَقِدْ فِي فِعْلِهَا مَنْفَعَةً ثَقُلَ عَلَيْهِ فِعْلُهَا، لِأَنَّ الِاشْتِغَالَ بِمَا لَا فَائِدَةَ فِيهِ يَثْقُلُ/ عَلَى الطَّبْعِ، أَمَّا الْمُوَحِّدُ فَلَمَّا اعْتَقَدَ فِي فِعْلِهَا أَعْظَمَ الْمَنَافِعِ وَفِي تَرْكِهَا أَعْظَمَ الْمَضَارِّ لَمْ يَثْقُلْ ذَلِكَ عَلَيْهِ لِمَا يَعْتَقِدُ فِي فِعْلِهِ مِنَ الثَّوَابِ وَالْفَوْزِ الْعَظِيمِ

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 3  صفحه : 490
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست