responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 3  صفحه : 477
سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِهَذِهِ الْآيَاتِ أَنَّ كُلَّ مَا فِي الْعَالَمِ مَخْلُوقٌ لِأَجْلِ الْمُكَلَّفِينَ لِأَنَّ كُلَّ مَا فِي الْعَالَمِ مِمَّا يُغَايِرُ ذَاتَ الْمُكَلَّفِ لَيْسَ يَخْلُو مِنْ أَنْ يَلْتَذَّ بِهِ الْمُكَلَّفُ وَيَسْتَرْوِحَ إِلَيْهِ فَيَحْصُلُ لَهُ بِهِ سُرُورٌ أَوْ يَتَحَمَّلُ عَنْهُ كُلْفَةً أَوْ يَحْصُلُ لَهُ بِهِ اعْتِبَارٌ نَحْوَ الْأَجْسَامِ الْمُؤْذِيَةِ كَالْحَيَّاتِ وَالْعَقَارِبِ فَيَتَذَكَّرُ بِالنَّظَرِ إِلَيْهَا أَنْوَاعَ الْعِقَابِ فِي الْآخِرَةِ فَيَحْتَرِزُ مِنْهَا وَيَسْتَدِلُّ بِهَا عَلَى الْمُنْعِمِ الْأَعْظَمِ، فَثَبَتَ أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ شَيْءٌ مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ عَنْ هَذِهِ الْمَنَافِعِ، ثُمَّ إِنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى نَبَّهَ عَلَى عِظَمِ إِنْعَامِهِ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ فِي آخِرِ هَذِهِ الْآيَاتِ فَقَالَ: وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوها [النَّحْلِ: 18] . وَثَانِيهَا: قَوْلُهُ تَعَالَى: وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيها رِزْقُها رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ [النَّحْلِ: 112] فَنَبَّهَ بِذَلِكَ عَلَى أَنَّ كَوْنَ النِّعْمَةِ وَاصِلَةً إِلَيْهِمْ يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ كُفْرَانُهَا سَبَبًا لِلتَّبْدِيلِ، وَثَالِثُهَا: قَوْلُهُ فِي قِصَّةِ قَارُونَ: وَأَحْسِنْ كَما أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ [الْقَصَصِ: 77] وَقَالَ: أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَباطِنَةً [لُقْمَانَ: 20] وَقَالَ: أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخالِقُونَ [الْوَاقِعَةِ: 58] وقال: فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ [يس: 14] [الرَّحْمَنِ: 16] عَلَى سَبِيلِ التَّكْرِيرِ وَكُلُّ مَا فِي هَذِهِ السُّورَةِ فَهُوَ مِنَ النِّعَمِ، إِمَّا فِي الدِّينِ أَوْ فِي الدُّنْيَا فَهَذَا مَا يَتَعَلَّقُ بِهَذَا الْبَابِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: فِي النِّعَمِ الْمَخْصُوصَةِ يبني إِسْرَائِيلَ قَالَ بَعْضُ الْعَارِفِينَ: عَبِيدُ النِّعَمِ كَثِيرُونَ وَعَبِيدُ الْمُنْعِمِ قَلِيلُونَ، فَاللَّهُ تَعَالَى ذَكَّرَ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِنِعَمِهِ عَلَيْهِمْ وَلَمَّا آلَ الْأَمْرُ إِلَى أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَّرَهُمْ بِالْمُنْعِمِ فَقَالَ:
فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ [الْبَقَرَةِ: 152] فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى فَضْلِ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى سَائِرِ الْأُمَمِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ نِعَمَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ كَثِيرَةٌ (أ) اسْتَنْقَذَهُمْ مِمَّا كَانُوا فِيهِ مِنَ الْبَلَاءِ مِنْ فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ وَأَبْدَلَهُمْ مِنْ ذَلِكَ بِتَمْكِينِهِمْ فِي الْأَرْضِ وَتَخْلِيصِهِمْ مِنَ الْعُبُودِيَّةِ كَمَا قَالَ: وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما مِنْهُمْ مَا كانُوا يَحْذَرُونَ [الْقَصَصِ: 5، 6] . (ب) جَعَلَهُمْ أَنْبِيَاءَ وَمُلُوكًا بَعْدَ أَنْ كَانُوا عَبِيدًا لِلْقِبْطِ فَأَهْلَكَ أَعْدَاءَهُمْ وَأَوْرَثَهُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ كَمَا قَالَ: كَذلِكَ وَأَوْرَثْناها بَنِي إِسْرائِيلَ [الشُّعَرَاءِ: 59] (ج) أَنْزَلَ عَلَيْهِمُ الْكُتُبَ الْعَظِيمَةَ الَّتِي مَا أَنْزَلَهَا عَلَى أُمَّةٍ سِوَاهُمْ كَمَا قَالَ: وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِياءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً وَآتاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ [الْمَائِدَةِ: 20] . (د) رَوَى هِشَامٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: مِنْ نِعْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ نَجَّاهُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ وَظَلَّلَ عَلَيْهِمْ فِي التِّيهِ الْغَمَامَ وَأَنْزَلَ عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى فِي التِّيهِ وَأَعْطَاهُمُ الْحَجَرَ الذي/ كان كرأس الرجل يسقيهم ما شاؤوا مِنَ الْمَاءِ مَتَى أَرَادُوا فَإِذَا اسْتَغْنَوْا عَنِ الْمَاءِ رَفَعُوهُ فَاحْتَبَسَ الْمَاءُ عَنْهُمْ وَأَعْطَاهُمْ عَمُودًا من النور ليضيء لهم بالليل وكانت رؤوسهم لَا تَتَشَعَّثُ وَثِيَابُهُمْ لَا تَبْلَى. وَاعْلَمْ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى إِنَّمَا ذَكَّرَهُمْ بِهَذِهِ النِّعَمِ لِوُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ فِي جُمْلَةِ النِّعَمِ مَا يَشْهَدُ بِصِدْقِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ وَالزَّبُورُ. وَثَانِيهَا: أَنَّ كَثْرَةَ النِّعَمِ تُوجِبُ عِظَمَ الْمَعْصِيَةِ فَذَكَّرَهُمْ تِلْكَ النِّعَمَ لِكَيْ يَحْذَرُوا مُخَالَفَةَ مَا دُعُوا إِلَيْهِ مِنَ الْإِيمَانِ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِالْقُرْآنِ. وَثَالِثُهَا: أَنَّ تَذْكِيرَ النِّعَمِ الْكَثِيرَةِ يُوجِبُ الْحَيَاءَ عَنْ إِظْهَارِ الْمُخَالَفَةِ. وَرَابِعُهَا: أَنَّ تَذْكِيرَ النِّعَمِ الْكَثِيرَةِ يُفِيدُ أَنَّ الْمُنْعِمَ خَصَّهُمْ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ النَّاسِ بِهَا وَمَنْ خَصَّ أَحَدًا بِنِعَمٍ كَثِيرَةٍ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُزِيلُهَا عَنْهُمْ لِمَا قِيلَ: إِتْمَامُ الْمَعْرُوفِ خَيْرٌ مِنَ ابْتِدَائِهِ فَكَأَنَّ تَذْكِيرَ النِّعَمِ السَّالِفَةِ يُطْمِعُ فِي النِّعَمِ الْآتِيَةِ، وَذَلِكَ الطَّمَعُ مَانِعٌ مِنْ إِظْهَارِ الْمُخَالَفَةِ وَالْمُخَاصَمَةِ. فَإِنْ قِيلَ: هَذِهِ النِّعَمُ مَا

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 3  صفحه : 477
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست