responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 3  صفحه : 464
عَدُوٌّ
... اهْبِطُوا مِنْها جَمِيعاً [البقرة: 36، 38] ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا قَوْلُهُ: فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ، وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ [الْبَقَرَةِ: 38، 39] . وَهَذَا حُكْمٌ يَعُمُّ النَّاسَ كُلَّهُمْ وَمَعْنَى: بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ مَا عَلَيْهِ النَّاسُ مِنَ التَّعَادِي وَالتَّبَاغُضِ وَتَضْلِيلِ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ، وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ ضَعِيفٌ لِأَنَّ الذُّرِّيَّةَ مَا كَانُوا مَوْجُودِينَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَكَيْفَ يَتَنَاوَلُهُمُ الْخِطَابُ؟ أَمَّا مَنْ زَعَمَ أَنَّ أَقَلَّ الْجَمْعِ اثْنَانِ فَالسُّؤَالُ زَائِلٌ عَلَى قَوْلِهِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: اخْتَلَفُوا فِي أَنَّ قَوْلَهُ: اهْبِطُوا أَمْرٌ أَوْ إِبَاحَةٌ، وَالْأَشْبَهُ أَنَّهُ أَمْرٌ لِأَنَّ فِيهِ مَشَقَّةً شَدِيدَةً لِأَنَّ مُفَارَقَةَ مَا كَانَا فِيهِ مِنَ الْجَنَّةِ إِلَى مَوْضِعٍ لَا تَحْصُلُ الْمَعِيشَةُ فِيهِ إِلَّا بِالْمَشَقَّةِ وَالْكَدِّ مِنْ أَشَقِّ التَّكَالِيفِ، وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا بَطَلَ مَا يُظَنُّ أَنَّ ذَلِكَ عُقُوبَةٌ، لِأَنَّ التَّشْدِيدَ فِي التَّكْلِيفِ سَبَبٌ لِلثَّوَابِ، فَكَيْفَ يَكُونُ عِقَابًا مَعَ مَا فِيهِ مِنَ النَّفْعِ الْعَظِيمِ؟ فَإِنْ قِيلَ: أَلَسْتُمْ تَقُولُونَ فِي الْحُدُودِ وَكَثِيرٍ مِنَ الْكَفَّارَاتِ إِنَّهَا عُقُوبَاتٌ وَإِنْ كَانَتْ مِنْ بَابِ التَّكَالِيفِ، قُلْنَا: أَمَّا الْحُدُودُ فَهِيَ وَاقِعَةٌ بِالْمَحْدُودِ مِنْ فِعْلِ الْغَيْرِ، فَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ عِقَابًا إِذَا كَانَ الرَّجُلُ مُصِرًّا، وَأَمَّا الْكَفَّارَاتُ فَإِنَّمَا يُقَالُ فِي بَعْضِهَا إِنَّهُ يَجْرِي مَجْرَى الْعُقُوبَاتِ لِأَنَّهَا لَا تَثْبُتُ إِلَّا مَعَ الْمَأْثَمِ. فَأَمَّا أَنْ تَكُونَ عُقُوبَةً مَعَ كَوْنِهَا تَعْرِيضَاتٍ لِلثَّوَابِ الْعَظِيمِ فَلَا.
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ، أَمْرٌ بِالْهُبُوطِ وَلَيْسَ أَمْرًا بِالْعَدَاوَةِ، لِأَنَّ عَدَاوَةَ إِبْلِيسَ لِآدَمَ وَحَوَّاءَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ بِسَبَبِ الْحَسَدِ وَالِاسْتِكْبَارِ عَنِ السُّجُودِ وَاخْتِدَاعَهُ إِيَّاهُمَا حَتَّى أَخْرَجَهُمَا مِنَ الْجَنَّةِ وَعَدَاوَتَهُ لِذُرِّيَّتِهِمَا بِإِلْقَاءِ الْوَسْوَسَةِ وَالدَّعْوَةِ إِلَى الْكُفْرِ وَالْمَعْصِيَةِ، وَشَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَأْمُورًا بِهِ، فَأَمَّا عَدَاوَةُ آدَمَ لِإِبْلِيسَ/ فَإِنَّهَا مَأْمُورٌ بِهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا [فاطر: 6] وقال تعالى: يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ كَما أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ [الْأَعْرَافِ: 27] إِذَا ثَبَتَ هَذَا ظَهَرَ أَنَّ الْمُرَادَ مِنَ الْآيَةِ اهْبِطُوا مِنَ السَّمَاءِ وَأَنْتُمْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ.
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ: الْمُسْتَقَرُّ قَدْ يَكُونُ بِمَعْنَى الِاسْتِقْرَارِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ
[الْقِيَامَةِ: 12] ، وَقَدْ يَكُونُ بِمَعْنَى الْمَكَانِ الَّذِي يُسْتَقَرُّ فِيهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا [الْفُرْقَانِ: 24] ، وَقَالَ تَعَالَى: فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ [الْأَنْعَامِ: 98] إِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَنَقُولُ: الْأَكْثَرُونَ حَمَلُوا قَوْلَهُ تَعَالَى: وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ [الْبَقَرَةِ: 36] [الْأَعْرَافِ: 24] ، عَلَى الْمَكَانِ، وَالْمَعْنَى أَنَّهَا مُسْتَقَرُّكُمْ حَالَتَيِ الْحَيَاةِ وَالْمَوْتِ، وَرَوَى السُّدِّيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ قَالَ: الْمُسْتَقَرُّ هُوَ الْقَبْرُ، أَيْ قُبُورُكُمْ تَكُونُونَ فِيهَا. وَالْأَوَّلُ أَوْلَى لِأَنَّهُ تَعَالَى قَدَّرَ الْمَتَاعَ وَذَلِكَ لَا يَلِيقُ إِلَّا بِحَالِ الْحَيَاةِ، وَلِأَنَّهُ تَعَالَى خَاطَبَهُمْ بِذَلِكَ عِنْدَ الْإِهْبَاطِ وَذَلِكَ يَقْتَضِي حَالَ الْحَيَاةِ، وَاعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ: قالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ، قالَ فِيها تَحْيَوْنَ وَفِيها تَمُوتُونَ وَمِنْها تُخْرَجُونَ [الْأَعْرَافِ: 24، 25] ، فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: فِيها تَحْيَوْنَ، إِلَى آخِرِ الْكَلَامِ بَيَانًا لِقَوْلِهِ: وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ زِيَادَةً عَلَى الْأَوَّلِ.
الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ: اخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى الْحِينِ بَعْدَ اتِّفَاقِهِمْ عَلَى أَنَّهُ اسْمٌ لِلزَّمَانِ وَالْأَوْلَى أَنْ يُرَادَ بِهِ الْمُمْتَدُّ مِنَ الزَّمَانِ لِأَنَّ الرَّجُلَ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ: مَا رَأَيْتُكَ مُنْذُ حِينٍ إِذَا بَعُدَتْ مُشَاهَدَتُهُ لَهُ وَلَا يُقَالُ ذَلِكَ مَعَ قُرْبِ الْمُشَاهَدَةِ، فَلَمَّا كَانَتْ أَعْمَارُ النَّاسِ طَوِيلَةً وَآجَالُهُمْ عَنْ أَوَائِلِ حُدُوثِهِمْ مُتَبَاعِدَةً جَازَ أَنْ يَقُولَ: وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ.

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 3  صفحه : 464
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست