responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 29  صفحه : 502
الْكِتَابِ، أَيْ أَوَّلُ مَرَّةٍ حُشِرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ جَزِيرَةِ/ الْعَرَبِ لَمْ يُصِبْهُمْ هَذَا الذُّلُّ قَبْلَ ذَلِكَ، لِأَنَّهُمْ كَانُوا أَهْلَ مَنْعَةٍ وَعِزٍّ وَثَانِيهَا: أَنَّهُ تَعَالَى جَعَلَ إِخْرَاجَهُمْ مِنَ الْمَدِينَةِ حَشْرًا، وَجَعَلَهُ أَوَّلَ الْحَشْرِ مِنْ حَيْثُ يُحْشَرُ النَّاسُ لِلسَّاعَةِ إِلَى نَاحِيَةِ الشَّامِ، ثُمَّ تُدْرِكُهُمُ السَّاعَةُ هُنَاكَ وَثَالِثُهَا: أَنَّ هَذَا أَوَّلُ حَشْرِهِمْ، وَأَمَّا آخِرُ حَشْرِهِمْ فَهُوَ إِجْلَاءُ عُمَرَ إِيَّاهُمْ مِنْ خَيْبَرَ إِلَى الشَّامِ وَرَابِعُهَا: مَعْنَاهُ أَخْرَجَهُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ مَا يَحْشُرُهُمْ لِقِتَالِهِمْ، لِأَنَّهُ أَوَّلُ قتال قاتلهم رسول اللَّه وَخَامِسُهَا: قَالَ قَتَادَةُ هَذَا أَوَّلُ الْحَشْرِ، وَالْحَشْرُ الثَّانِي نَارٌ تَحْشُرُ النَّاسَ مِنَ الْمَشْرِقِ إِلَى الْمَغْرِبِ، تَبِيتُ مَعَهُمْ حَيْثُ بَاتُوا، وَتُقِيلُ مَعَهُمْ حَيْثُ قَالُوا: وَذَكَرُوا أَنَّ تِلْكَ النَّارَ تُرَى بالليل ولا ترى بالنهار.
قَوْلُهُ تَعَالَى: مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّ الْمُسْلِمِينَ ظَنُّوا أَنَّهُمْ لِعِزَّتِهِمْ وَقُوَّتِهِمْ لَا يَحْتَاجُونَ إِلَى أَنْ يَخْرُجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ اللَّه تَعَالَى ذَلِكَ تَعْظِيمًا لِهَذِهِ النِّعْمَةِ، فَإِنَّ النِّعْمَةَ إِذَا وَرَدَتْ عَلَى الْمَرْءِ وَالظَّنُّ بِخِلَافِهِ تَكُونُ أَعْظَمَ، فَالْمُسْلِمُونَ مَا ظَنُّوا أَنَّهُمْ يَصِلُونَ إِلَى مُرَادِهِمْ فِي خُرُوجِ هَؤُلَاءِ الْيَهُودِ، فَيَتَخَلَّصُونَ مِنْ ضَرَرِ مَكَايِدِهِمْ، فَلَمَّا تَيَسَّرَ لَهُمْ ذَلِكَ كَانَ تَوَقُّعُ هَذِهِ النِّعْمَةِ أَعْظَمَ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ قَالُوا كَانَتْ حُصُونُهُمْ مَنِيعَةً فَظَنُّوا أَنَّهَا تَمْنَعُهُمْ مِنْ رَسُولِ اللَّه، وَفِي الْآيَةِ تَشْرِيفٌ عَظِيمٌ لِرَسُولِ اللَّه، فَإِنَّهَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّ مُعَامَلَتَهُمْ مَعَ رَسُولِ اللَّه هِيَ بِعَيْنِهَا نَفْسُ الْمُعَامَلَةِ مَعَ اللَّه، فَإِنْ قِيلَ: مَا الْفَرْقُ بَيْنَ قَوْلِكَ: ظَنُّوا أَنَّ حُصُونَهُمْ تَمْنَعُهُمْ أَوْ مَانِعَتُهُمْ وَبَيْنَ النَّظْمِ الَّذِي جَاءَ عَلَيْهِ، قُلْنَا: فِي تَقْدِيمِ الْخَبَرِ عَلَى الْمُبْتَدَأِ دَلِيلٌ عَلَى فَرْطِ وُثُوقِهِمْ بِحَصَانَتِهَا وَمَنْعِهَا إِيَّاهُمْ، وَفِي تَصْيِيرِ ضَمِيرِهِمُ اسْمًا، وَإِسْنَادِ الْجُمْلَةِ إِلَيْهِ دَلِيلٌ عَلَى اعْتِقَادِهِمْ فِي أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ فِي عِزَّةٍ وَمَنَعَةٍ لَا يُبَالُونَ بِأَحَدٍ يَطْمَعُ فِي مُنَازَعَتِهِمْ، وَهَذِهِ الْمَعَانِي لَا تَحْصُلُ فِي قَوْلِكَ: وَظَنُّوا أَنَّ حُصُونَهُمْ تَمْنَعُهُمْ.
قَوْلِهِ تَعَالَى: فَأَتاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا فِي الْآيَةِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: فِي الْآيَةِ وَجْهَانِ الْأَوَّلُ: أَنْ يَكُونَ الضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ: فَأَتاهُمُ عَائِدٌ إِلَى الْيَهُودِ، أَيْ فَأَتَاهُمْ عَذَابُ اللَّه وَأَخَذَهُمْ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ عَائِدًا إِلَى الْمُؤْمِنِينَ أَيْ فَأَتَاهُمْ نَصْرُ اللَّه وَتَقْوِيَتُهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا، وَمَعْنَى: لَمْ يَحْتَسِبُوا، أَيْ لَمْ يَظُنُّوا وَلَمْ يَخْطُرْ بِبَالِهِمْ، وَذَلِكَ بِسَبَبِ أَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا: قَتْلُ رَئِيسِهِمْ كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ عَلَى يَدِ أَخِيهِ غِيلَةً، وَذَلِكَ مِمَّا أضعف قوتهم، وفتت عضدهم، وقل مِنْ شَوْكَتِهِمْ وَالثَّانِي: بِمَا قَذَفَ فِي قُلُوبِهِمْ مِنَ الرُّعْبِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ: فَأَتاهُمُ اللَّهُ لَا يُمْكِنُ إِجْرَاؤُهُ عَلَى ظَاهِرِهِ بِاتِّفَاقِ جُمْهُورِ الْعُقَلَاءِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ بَابَ التَّأْوِيلِ مَفْتُوحٌ، وَأَنَّ صَرْفَ الْآيَاتِ عَنْ ظَوَاهِرِهَا بِمُقْتَضَى الدَّلَائِلِ الْعَقْلِيَّةِ جَائِزٌ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: قَالَ صَاحِبُ الْكَشَّافِ: قُرِئَ فَآتاهُمُ اللَّهُ أَيْ فَآتَاهُمُ الْهَلَاكُ، وَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْقِرَاءَةَ لَا تَدْفَعُ مَا بَيَّنَّاهُ مِنْ وُجُوهِ التَّأْوِيلِ، لِأَنَّ هَذِهِ الْقِرَاءَةَ لَا تَدْفَعُ الْقِرَاءَةَ الْأُولَى، فَإِنَّهَا ثَابِتَةٌ بِالتَّوَاتُرِ، وَمَتَى كَانَتْ ثَابِتَةً بِالتَّوَاتُرِ لَا يُمْكِنُ دَفْعُهَا، بَلْ لا بد فيها من التأويل.

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 29  صفحه : 502
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست