responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 29  صفحه : 489
[في قوله تعالى أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ.]
ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى أَكَّدَ بَيَانَ كَوْنِهِ عَالِمًا بكل المعلومات فقال: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَلَمْ تَرَ أَيْ أَلَمْ تَعْلَمْ وَأَقُولُ هَذَا، حَقٌّ لِأَنَّ كَوْنَهُ تَعَالَى عَالِمًا بِالْأَشْيَاءِ لَا يُرَى، وَلَكِنَّهُ مَعْلُومٌ بِوَاسِطَةِ الدَّلَائِلِ، وَإِنَّمَا أُطْلِقَ لَفْظُ الرُّؤْيَةِ عَلَى هَذَا الْعِلْمِ، لِأَنَّ الدَّلِيلَ عَلَى كَوْنِهِ عَالِمًا، هُوَ أَنَّ أَفْعَالَهُ مُحْكَمَةٌ مُتْقَنَةٌ مُنْتَسِقَةٌ مُنْتَظِمَةٌ، وَكُلُّ مَنْ كَانَتْ أَفْعَالُهُ كَذَلِكَ فَهُوَ عَالِمٌ.
أَمَّا الْمُقَدِّمَةُ الْأُولَى: فَمَحْسُوسَةٌ مشاهدة في عجائب السموات وَالْأَرْضِ، وَتَرْكِيبَاتِ النَّبَاتِ وَالْحَيَوَانِ.
أَمَّا الْمُقَدِّمَةُ الثَّانِيَةُ: فَبَدِيهِيَّةٌ، وَلَمَّا كَانَ الدَّلِيلُ الدَّالُّ عَلَى كَوْنِهِ تَعَالَى كَذَلِكَ ظَاهِرًا لَا جَرَمَ بَلَغَ هَذَا الْعِلْمُ وَالِاسْتِدْلَالُ إِلَى أَعْلَى دَرَجَاتِ الظُّهُورِ وَالْجَلَاءِ، وصار جَارِيًا مَجْرَى الْمَحْسُوسِ الْمُشَاهَدِ، فَلِذَلِكَ أَطْلَقَ لَفْظَ الرُّؤْيَةِ فَقَالَ: أَلَمْ تَرَ وَأَمَّا أَنَّهُ تَعَالَى عَالِمٌ بِجَمِيعِ الْمَعْلُومَاتِ، فَلِأَنَّ عِلْمَهُ عِلْمٌ قَدِيمٌ، فَلَوْ تَعَلَّقَ بِالْبَعْضِ دُونَ الْبَعْضِ مِنْ أَنَّ جَمِيعَ الْمَعْلُومَاتِ مُشْتَرِكَةٌ فِي صِحَّةِ الْمَعْلُومِيَّةِ لَافْتَقَرَ ذَلِكَ الْعِلْمُ فِي ذَلِكَ التَّخْصِيصِ إِلَى مُخَصِّصٍ، وَهُوَ عَلَى اللَّه تَعَالَى مُحَالٌ فَلَا جَرَمَ وجب كونه تعايل عَالِمًا بِجَمِيعِ الْمَعْلُومَاتِ وَاعْلَمْ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ قَالَ: يَعْلَمُ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَلَمْ يَقُلْ: يَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْضِ وَمَا في السموات وَفِي رِعَايَةِ هَذَا التَّرْتِيبِ سِرٌّ عَجِيبٌ.
ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى خَصَّ مَا يَكُونُ مِنَ الْعِبَادِ مِنَ النَّجْوَى فَقَالَ:
/ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ، وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سادِسُهُمْ، وَلا أَدْنى مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كانُوا، ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ.
وَفِيهِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَالَ ابْنُ جِنِّي: قَرَأَ أَبُو حَيْوَةَ مَا تَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ بِالتَّاءِ ثُمَّ قَالَ وَالتَّذْكِيرُ الَّذِي عَلَيْهِ الْعَامَّةُ هُوَ الْوَجْهُ، لِمَا هُنَاكَ مِنَ الشِّيَاعِ وَعُمُومِ الْجِنْسِيَّةِ، كَقَوْلِكَ: مَا جَاءَنِي مِنِ امْرَأَةٍ، وَمَا حَضَرَنِي مِنْ جَارِيَةٍ، وَلِأَنَّهُ وَقَعَ الْفَاصِلُ بَيْنَ الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ، وَهُوَ كَلِمَةُ مِنْ، وَلِأَنَّ النَّجْوَى تَأْنِيثُهُ لَيْسَ تَأْنِيثًا حَقِيقِيًّا، وَأَمَّا التَّأْنِيثُ فَلِأَنَّ تَقْدِيرَ الْآيَةِ: مَا تَكُونُ نَجْوَى، كَمَا يُقَالُ: مَا قَامَتِ امْرَأَةٌ وَمَا حَضَرَتْ جَارِيَةٌ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ: مَا يَكُونُ مِنْ كَانَ التَّامَّةِ، أَيْ مَا يُوجَدُ وَلَا يَحْصُلُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: النَّجْوَى التَّنَاجِي وَهُوَ مَصْدَرٌ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ [النساء:
114] وَقَالَ الزَّجَّاجُ: النَّجْوَى مُشْتَقٌّ مِنَ النَّجْوَةِ، وَهِيَ مَا ارْتَفَعَ وَنَجَا، فَالْكَلَامُ الْمَذْكُورُ سِرًّا لَمَّا خَلَا عَنِ اسْتِمَاعِ الْغَيْرِ صَارَ كَالْأَرْضِ الْمُرْتَفِعَةِ، فَإِنَّهَا لِارْتِفَاعِهَا خَلَتْ عَنِ اتِّصَالِ الْغَيْرِ، وَيَجُوزُ أَيْضًا أَنْ تُجْعَلَ النَّجْوَى وَصْفًا، فَيُقَالُ: قَوْمٌ نجوى، وقوله تعالى: وَإِذْ هُمْ نَجْوى [الإسراء: 47] وَالْمَعْنَى، هُمْ ذَوُو نَجْوَى، فَحُذِفَ الْمُضَافُ، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَصْدَرٍ وُصِفَ بِهِ.

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 29  صفحه : 489
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست