responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 29  صفحه : 443
مُنْقَادَةٌ لِتَصَرُّفِ اللَّه كَمَا قَالَ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ: وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ [الْإِسْرَاءِ: 44] وَهَذَا التَّسْبِيحُ هُوَ الْمُرَادُ بِالسُّجُودِ فِي قَوْلِهِ: وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ [النحل: 49] أَمَّا قَوْلُهُ: وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ فَالْمَعْنَى أَنَّهُ الْقَادِرُ الَّذِي لَا يُنَازِعُهُ شَيْءٌ، فَهُوَ إِشَارَةٌ إِلَى كَمَالِ الْقُدْرَةِ، وَالْحَكِيمُ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُ الْعَالِمُ الَّذِي لَا يَحْتَجِبُ عَنْ عِلْمِهِ شَيْءٌ مِنَ الْجُزْئِيَّاتِ وَالْكُلِّيَّاتِ أَوْ أَنَّهُ الَّذِي يَفْعَلُ أَفْعَالَهُ عَلَى وَفْقِ الْحِكْمَةِ وَالصَّوَابِ، وَلَمَّا كَانَ الْعِلْمُ بِكَوْنِهِ قَادِرًا مُتَقَدِّمًا عَلَى الْعِلْمِ بِكَوْنِهِ عَالِمًا لَا جَرَمَ قَدَّمَ الْعَزِيزَ عَلَى الْحَكِيمِ فِي الذِّكْرِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُ: وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْعَزِيزَ لَيْسَ إِلَّا هُوَ لِأَنَّ هَذِهِ الصِّيغَةَ تُفِيدُ الْحَصْرَ، يُقَالُ: زَيْدٌ هُوَ الْعَالِمُ لَا غَيْرُهُ، فَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الْوَاحِدُ، لِأَنَّ غَيْرَهُ لَيْسَ بِعَزِيزٍ وَلَا حَكِيمٍ وَمَا لَا يَكُونُ كذلك لا يكون إلها. ثم قال تعالى:

[سورة الحديد (57) : آية 2]
لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (2)
[في قوله تعالى لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ] وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَلِكَ الْحَقَّ هُوَ الَّذِي يَسْتَغْنِي فِي ذَاتِهِ، وَفِي جَمِيعِ صِفَاتِهِ عَنْ كُلِّ مَا عَدَاهُ، وَيَحْتَاجُ كُلُّ مَا عَدَاهُ إِلَيْهِ فِي ذَوَاتِهِمْ وَفِي صِفَاتِهِمْ، وَالْمَوْصُوفُ بِهَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ لَيْسَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ. أَمَّا أَنَّهُ مُسْتَغْنٍ فِي ذَاتِهِ وَفِي جَمِيعِ صِفَاتِهِ عَنْ كُلِّ مَا عَدَاهُ فَلِأَنَّهُ لَوِ افْتَقَرَ فِي ذَاتِهِ إِلَى الْغَيْرِ لَكَانَ مُمْكِنًا لِذَاتِهِ فَكَانَ مُحْدَثًا، فَلَمْ يَكُنْ وَاجِبَ الْوُجُودِ، وَأَمَّا أَنَّهُ مُسْتَغْنٍ فِي جَمِيعِ صِفَاتِهِ السَّلْبِيَّةِ وَالْإِضَافِيَّةِ عَنْ كُلِّ مَا عَدَاهُ، فَلِأَنَّ كُلَّ مَا يَفْرِضُ صِفَةٌ لَهُ، فَإِمَّا أَنْ تَكُونَ هُوِيَّتَهُ سُبْحَانَهُ كَافِيَةً فِي تَحَقُّقِ تِلْكَ الصِّفَةِ سَوَاءٌ كَانَتِ الصِّفَةُ سَلْبًا أَوْ إِيجَابًا أَوْ لَا تَكُونُ كَافِيَةً فِي ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَتْ هُوِيَّتَهُ كَافِيَةً فِي ذَلِكَ مِنْ دَوَامِ تِلْكَ الْهُوِيَّةِ دَوَامَ تِلْكَ الصِّفَةِ سَلْبًا كَانَتِ الصِّفَةُ أَوْ إِيجَابًا، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ تِلْكَ لَزِمَ الْهُوِيَّةَ كَافِيَةٌ، فَحِينَئِذٍ تَكُونُ تِلْكَ الْهُوِيَّةُ مُمْتَنِعَةَ الِانْفِكَاكِ عَنْ ثُبُوتِ تِلْكَ الصِّفَةِ وَعَنْ سَلْبِهَا، ثُمَّ ثُبُوتُ تِلْكَ الصِّفَةِ وَسَلْبُهَا، يَكُونُ مُتَوَقِّفًا عَلَى ثُبُوتِ أَمْرٍ آخَرَ وَسَلْبِهِ، وَالْمَوْقُوفُ عَلَى الْمَوْقُوفِ عَلَى الشَّيْءِ مَوْقُوفٌ عَلَى ذَلِكَ الشَّيْءِ، فَهُوِيَّتُهُ سُبْحَانَهُ تَكُونُ مَوْقُوفَةَ التَّحَقُّقِ عَلَى تَحَقُّقِ عِلَّةِ/ ثُبُوتِ تِلْكَ الصِّفَةِ أَوْ عِلَّةِ سَلْبِهَا، وَالْمَوْقُوفُ عَلَى الْغَيْرِ مُمْكِنٌ لِذَاتِهِ فَوَاجِبُ الْوُجُودِ لِذَاتِهِ مُمْكِنُ الْوُجُودِ لِذَاتِهِ، وَهَذَا خُلْفٌ، فَثَبَتَ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ غَيْرُ مُفْتَقِرٍ لَا فِي ذَاتِهِ، وَلَا فِي شَيْءٍ مِنْ صِفَاتِهِ السَّلْبِيَّةِ وَلَا الثُّبُوتِيَّةِ إِلَى غَيْرِهِ، وَأَمَّا أَنَّ كَلَّ مَا عَدَاهُ مُفْتَقِرٌ إِلَيْهِ فَلِأَنَّ كُلَّ مَا عداه ممكن، لأن الواجب الْوُجُودِ لَا يَكُونُ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ وَالْمُمْكِنُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ مُؤَثِّرٍ، وَلَا وَاجِبَ إِلَّا هَذَا الْوَاحِدُ فَإِذَنْ كُلُّ مَا عَدَاهُ فَهُوَ مُفْتَقِرٌ إِلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَ جَوْهَرًا أَوْ عَرَضًا، وَسَوَاءٌ كَانَ الْجَوْهَرُ رُوحَانِيًّا أَوْ جُسْمَانِيًّا، وَذَهَبَ جَمْعٌ مِنَ الْعُقَلَاءِ إِلَى أَنَّ تَأْثِيرَ وَاجِبِ الْوُجُودِ فِي إِعْطَاءِ الْوُجُودِ لَا فِي الْمَاهِيَّاتِ فَوَاجِبُ الْوُجُودِ يَجْعَلُ السَّوَادَ مَوْجُودًا، أَمَّا أَنَّهُ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَجْعَلَ السَّوَادَ سَوَادًا، قَالُوا: لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَوْنُ السَّوَادِ سَوَادًا بِالْفَاعِلِ، لَكَانَ يَلْزَمُ مِنْ فَرْضِ عَدَمِ ذَلِكَ الْفَاعِلِ أَنْ لَا يَبْقَى السَّوَادُ سَوَادًا وَهَذَا مُحَالٌ، فَيُقَالُ لَهُمْ يَلْزَمُكُمْ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ أَنْ لَا يَكُونَ الْوُجُودُ أَيْضًا بِالْفَاعِلِ، وَإِلَّا لَزِمَ مِنْ فَرْضِ عَدَمِ ذَلِكَ الْفَاعِلِ أَنْ لَا يَكُونَ الْوُجُودُ وُجُودًا، فَإِنْ قَالُوا: تَأْثِيرُ الْفَاعِلِ لَيْسَ فِي الْوُجُودِ بَلْ فِي جَعْلِ الْمَاهِيَّةِ مَوْصُوفَةً بِالْوُجُودِ، قُلْنَا: هَذَا مَدْفُوعٌ مِنْ وَجْهَيْنِ الْأَوَّلُ: أَنَّ مَوْصُوفِيَّةَ الْمَاهِيَّةِ بِالْوُجُودِ لَيْسَ أَمْرًا ثُبُوتِيًّا، إِذْ لَوْ كَانَ أَمْرًا ثُبُوتِيًّا لَكَانَتْ لَهُ مَاهِيَّةٌ وَوُجُودٌ، فَحِينَئِذٍ تَكُونُ مَوْصُوفِيَّةُ تِلْكَ الْمَاهِيَّةِ بِالْوُجُودِ زَائِدَةً عَلَيْهِ وَلَزِمَ التَّسَلْسُلُ وَهُوَ مُحَالٌ، وَإِذَا كَانَ مَوْصُوفِيَّةُ الْمَاهِيَّةِ بِالْوُجُوهِ لَيْسَ أَمْرًا ثُبُوتِيًّا، اسْتَحَالَ أَنْ يُقَالَ: لَا تَأْثِيرَ لِلْفَاعِلِ فِي الْمَاهِيَّةِ وَلَا فِي الْوُجُودِ بَلْ تَأْثِيرُهُ فِي مَوْصُوفِيَّةِ الْمَاهِيَّةِ بِالْوُجُودِ الثَّانِي: أَنَّ بِتَقْدِيرِ أَنْ تَكُونَ تِلْكَ الْمَوْصُوفِيَّةُ أَمْرًا ثُبُوتِيًّا، اسْتَحَالَ أَيْضًا جَعَلُهَا أَثَرًا لِلْفَاعِلِ، وَإِلَّا لَزِمَ عند فرض

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 29  صفحه : 443
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست