responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 29  صفحه : 417
مُمْكِنٍ فَقَالَ: نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ وَقَدَّرْنَا الْمَوْتَ بَيْنَكُمْ فَانْظُرُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّا قَادِرُونَ أَنْ نُنْشِئَكُمْ، ثَانِيهِمَا: أَنَّهُ جَوَابٌ عَنْ قَوْلِ مُبْطِلٍ يَقُولُ: إِنْ لَمْ تَكُنِ الْحَيَاةُ وَالْمَوْتُ بِأُمُورٍ طَبِيعِيَّةٍ فِي الْأَجْسَامِ مِنْ حَرَارَاتٍ وَرُطُوبَاتٍ إِذَا تَوَفَّرَتْ بَقِيَتْ حَيَّةً، وَإِذَا نَقَصَتْ وَفَنِيَتْ مَاتَتْ لَمْ يَقَعِ الْمَوْتُ وَكَيْفَ يَلِيقُ بِالْحَكِيمِ أَنْ يَخْلُقَ شَيْئًا يُتْقِنُ خَلْقَهُ وَيُحْسِنُ صُورَتَهُ ثُمَّ يُفْسِدُهُ وَيُعْدِمُهُ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَيُنْشِئُهُ، فَقَالَ تَعَالَى: نَحْنُ قَدَّرْنَا الْمَوْتَ، وَلَا يَرُدُّ قَوْلَكُمْ: لِمَاذَا أَعْدَمَ وَلِمَاذَا أَنْشَأَ، وَلِمَاذَا هَدَمَ، لِأَنَّ كَمَالَ الْقُدْرَةِ يَقْتَضِي ذَلِكَ وَإِنَّمَا يَقْبُحُ مِنَ الصَّائِغِ وَالْبَانِي صياغة شيء وبناؤه وكسره وإفناؤه لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إِلَى صَرْفِ زَمَانٍ إِلَيْهِ وَتَحَمُّلِ مَشَقَّةٍ وَمَا مَثَلُهُ إِلَّا مَثَلُ إِنْسَانٍ يَنْظُرُ إِلَى شَيْءٍ فَيَقْطَعُ نَظَرَهُ عَنْهُ طَرْفَةَ عَيْنٍ، ثُمَّ يُعَاوِدُهُ وَلَا يُقَالُ لَهُ: لِمَ قَطَعْتَ النَّظَرَ وَلِمَ نَظَرْتَ إِلَيْهِ، وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى مِنْ هَذَا، لِأَنَّ هُنَا لَا بُدَّ مِنْ حَرَكَةٍ وَزَمَانٍ وَلَوْ تَوَارَدَ عَلَى الْإِنْسَانِ أَمْثَالُهُ لَتَعِبَ لَكِنْ فِي الْمَرَّةِ الْوَاحِدَةِ لَا يَثْبُتُ التَّعَبُ وَاللَّهُ تَعَالَى مُنَزَّهٌ عَنِ التَّعَبِ وَلَا افْتِقَارَ لِفِعْلِهِ إِلَى زَمَانٍ وَلَا زَمَانَ لِفِعْلِهِ وَلَا إِلَى حَرَكَةٍ بِجِرْمٍ، وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ أَلْطَفُ مِنْهَا، وَهُوَ أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: أَفَرَأَيْتُمْ ما تُمْنُونَ [الواقعة: 58] مَعْنَاهُ أَفَرَأَيْتُمْ ذَلِكَ مَيِّتًا لَا حَيَاةَ فِيهِ وَهُوَ مَنِيٌّ، وَلَوْ تَفَكَّرْتُمْ فِيهِ لَعَلِمْتُمْ أَنَّهُ كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ حَيًّا مُتَّصِلًا بِحَيٍّ وَكَانَ أَجْزَاءً مُدْرِكَةً مُتَأَلِّمَةً مُتَلَذِّذَةً ثُمَّ إِذَا أَمْنَيْتُمُوهُ لَا تَسْتَرِيبُونَ فِي كَوْنِهِ مَيِّتًا كَالْجَمَادَاتِ، ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَخْلُقُهُ آدَمِيًّا وَيَجْعَلُهُ بَشَرًا سَوِيًّا فَالنُّطْفَةُ كَانَتْ قَبْلَ الِانْفِصَالِ حَيَّةً، ثُمَّ صَارَتْ مَيِّتَةً ثُمَّ أَحْيَاهَا اللَّهُ تَعَالَى مَرَّةً أُخْرَى فَاعْلَمُوا أَنَّمَا إِذَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلًا ثُمَّ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ ثَانِيًا ثُمَّ نُنْشِئُكُمْ مَرَّةً أخرى فلا تستعبدوا ذَلِكَ كَمَا فِي النُّطَفِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: مَا الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا الْمَوْضِعِ وَبَيْنَ أَوَّلِ سُورَةِ تَبَارَكَ حَيْثُ قَالَ هُنَاكَ: خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ [الملك: 2] بِتَقْدِيمِ ذِكْرِ الْمَوْتِ؟ نَقُولُ: الْكَلَامُ هُنَا عَلَى التَّرْتِيبِ الْأَصْلِيِّ كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي مَوَاضِعَ مِنْهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ [الْمُؤْمِنُونَ: 12] ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذلِكَ لَمَيِّتُونَ [الْمُؤْمِنُونَ: 15] وَأَمَّا فِي سُورَةِ الْمُلْكِ فَنَذْكُرُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَائِدَتَهَا وَمَرْجِعَهَا إِلَى مَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ قَالَ: خَلَقَ الْمَوْتَ فِي النُّطَفِ بَعْدَ كَوْنِهَا حَيَّةً عِنْدَ الِاتِّصَالِ ثُمَّ خَلَقَ الْحَيَاةَ فِيهَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَهُوَ دَلِيلُ الْحَشْرِ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ مِنَ الْمَوْتِ هُنَا الْمَوْتُ الَّذِي بَعْدَ الْحَيَاةِ، وَالْمُرَادُ هُنَاكَ الَّذِي قَبْلَ الْحَيَاةِ.
الْمَسْأَلَةُ الثالثة: قال هاهنا: نَحْنُ قَدَّرْنا وَقَالَ فِي سُورَةِ الْمُلْكِ: خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ فَذَكَرَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ بِلَفْظِ الْخَلْقِ، وهاهنا قَالَ: خَلَقْناكُمْ وَقَالَ: قَدَّرْنا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ فَنَقُولُ: كَانَ الْمُرَادُ هُنَاكَ بَيَانَ كَوْنِ الْمَوْتِ وَالْحَيَاةِ مَخْلُوقَيْنِ مُطْلَقًا لَا فِي النَّاسِ عَلَى الْخُصُوصِ، وهنا لما قال: خَلَقْناكُمْ [الواقعة: 57] خَصَّصَهُمْ بِالذِّكْرِ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ: خَلَقْنَا حَيَاتَكُمْ، فَلَوْ قَالَ: نَحْنُ قَدَّرْنَا مَوْتَكُمْ، كَانَ يَنْبَغِي أَنَّهُ يُوجَدُ مَوْتُهُمْ فِي الْحَالِ وَلَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ، وَلِهَذَا قَالَ: قَدَّرْنا بَيْنَكُمُ وَأَمَّا هُنَاكَ فَالْمَوْتُ وَالْحَيَاةُ كَانَا مَخْلُوقَيْنِ فِي مَحَلَّيْنِ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى بَعْضٍ مَخْصُوصٍ.
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: هَلْ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: بَيْنَكُمُ بَدَلًا عَنْ غَيْرِهِ مِنَ الْأَلْفَاظِ فَائِدَةٌ؟ نَقُولُ: نَعَمْ فَائِدَةٌ جَلِيلَةٌ، وَهِيَ تَبِينُ بِالنَّظَرِ إِلَى الْأَلْفَاظِ الَّتِي تَقُومُ مَقَامَهَا فَنَقُولُ: قَدَّرْنَا لَكُمُ الْمَوْتَ، وَقَدَّرْنَا فِيكُمُ الْمَوْتَ، فَقَوْلُهُ: قَدَّرْنَا فِيكُمْ يُفِيدُ مَعْنَى الْخَلْقِ لِأَنَّ تَقْدِيرَ الشَّيْءِ فِي الشَّيْءِ يَسْتَدْعِي كَوْنَهُ ظَرْفًا لَهُ إِمَّا ظَرْفُ حُصُولٍ فِيهِ أَوْ ظَرْفُ حُلُولٍ فِيهِ كَمَا يُقَالُ: الْبَيَاضُ فِي الْجِسْمِ وَالْكَحَلُ فِي الْعَيْنِ، فَلَوْ قَالَ: قَدَّرْنَا فِيكُمُ الْمَوْتَ لَكَانَ مَخْلُوقًا فِينَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَإِنْ قُلْنَا: قَدَّرْنَا لَكُمُ الْمَوْتَ كَانَ ذَلِكَ يُنْبِئُ عَنْ تَأَخُّرِهِ عَنِ النَّاسِ فَإِنَّ الْقَائِلَ إِذَا قَالَ: هَذَا مُعَدٌّ لَكَ كان

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 29  صفحه : 417
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست