responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 29  صفحه : 411
يُعْلَمْ سَبَبُ الْعِقَابِ، يُظَنُّ أَنَّ هُنَاكَ ظُلْمًا فَقَالَ: هُمْ فِيهَا بِسَبَبِ تَرَفِهِمْ، وَالَّذِي يُؤَيِّدُ هَذِهِ اللَّطِيفَةَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ فِي حَقِّ السَّابِقِينَ: جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ [الْوَاقِعَةِ: 24] وَلَمْ يَقُلْ: فِي حَقِّ أَصْحَابِ الْيَمِينِ، ذَلِكَ لِأَنَّا أَشَرْنَا أَنَّ أَصْحَابَ الْيَمِينِ هُمُ النَّاجُونَ بِالْفَضْلِ الْعَظِيمِ، وَسَنُبَيِّنُ ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: فَسَلامٌ لَكَ [الْوَاقِعَةِ: 91] وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَالْفَضْلُ فِي حَقِّهِمْ مُتَمَحِّضٌ فَقَالَ: هَذِهِ النِّعَمُ لَكُمْ، وَلَمْ يَقُلْ جَزَاءً لِأَنَّ قَوْلَهُ: جَزاءً فِي مِثْلِ هَذَا الْمَوْضِعِ، وَهُوَ مَوْضِعُ الْعَفْوِ عَنْهُمْ لا يثبت لَهُمْ سُرُورًا بِخِلَافِ مَنْ كَثُرَتْ حَسَنَاتُهُ، فَيُقَالُ لَهُ: نِعْمَ مَا فَعَلْتَ خُذْ هَذَا لَكَ جَزَاءً.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: جُعِلَ السَّبَبَ كَوْنُهُمْ مُتْرَفِينَ وَلَيْسَ كُلُّ مَنْ هُوَ مِنْ أَصْحَابِ الشِّمَالِ يَكُونُ مُتْرَفًا فَإِنَّ فِيهِمْ مَنْ يَكُونُ فَقِيرًا؟ نَقُولُ قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ مُتْرَفِينَ لَيْسَ بِذَمٍّ، فَإِنَّ الْمُتْرَفَ هُوَ الَّذِي جُعِلَ ذَا تَرَفٍ أَيْ نِعْمَةٍ، فَظَاهِرُ ذَلِكَ لَا يُوجِبُ ذَمًّا، لَكِنَّ ذَلِكَ يُبَيِّنُ قُبْحَ مَا ذُكِرَ عَنْهُمْ بَعْدَهُ وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَكانُوا يُصِرُّونَ لِأَنَّ صُدُورَ الْكُفْرَانِ مِمَّنْ عَلَيْهِ غَايَةُ الْإِنْعَامِ أَقْبَحُ الْقَبَائِحِ فَقَالَ: إِنَّهُمْ كَانُوا مُتْرَفِينَ، وَلَمْ يَشْكُرُوا نِعَمَ اللَّهِ بَلْ أَصَرُّوا عَلَى الذَّنْبِ وَعَلَى هَذَا فَنَقُولُ: النِّعَمُ الَّتِي تَقْتَضِي شُكْرَ اللَّهِ وَعِبَادَتَهُ فِي كُلِّ أَحَدٍ كَثِيرَةٌ فَإِنَّ الْخَلْقَ وَالرِّزْقَ وَمَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ وَتَتَوَقَّفُ مَصَالِحُهُ عَلَيْهِ حَاصِلٌ لِلْكُلِّ، غَايَةُ مَا فِي الْبَابِ أَنَّ حَالَ النَّاسِ فِي الْإِتْرَافِ مُتَقَارِبٌ، فَيُقَالُ فِي حَقِّ الْبَعْضِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى بَعْضٍ: إِنَّهُ فِي ضُرٍّ، وَلَوْ حَمَلَ نَفْسَهُ عَلَى الْقَنَاعَةِ لَكَانَ أَغْنَى الْأَغْنِيَاءِ وَكَيْفَ لَا وَالْإِنْسَانُ إِذَا نَظَرَ إِلَى حَالِهِ يَجِدُهَا مُفْتَقِرَةً إِلَى مَسْكَنٍ يَأْوِي إِلَيْهِ وَلِبَاسِ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ وَمَا يَسُدُّ جُوعَهُ مِنَ الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ، وَغَيْرِ هَذَا مِنَ الْفَضَلَاتِ الَّتِي يَحْمِلُ عَلَيْهَا شُحُّ النَّفْسِ، ثُمَّ إِنَّ أَحَدًا لَا يُغْلَبُ عَنْ تَحْصِيلِ مَسْكَنٍ بِاشْتِرَاءٍ أَوِ اكْتِرَاءٍ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَلَيْسَ هُوَ أَعْجَزَ مِنَ الْحَشَرَاتِ، لَا تَفْقِدُ مُدَّخَلًا أَوْ مَغَارَةً، وَأَمَّا اللِّبَاسُ فَلَوِ اقْتَنَعَ بِمَا يَدْفَعُ الضَّرُورَةَ كَانَ يَكْفِيهِ فِي عُمُرِهِ لِبَاسٌ وَاحِدٌ، كُلَّمَا تَمَزَّقَ مِنْهُ مَوْضِعٌ يرفعه مِنْ أَيِّ شَيْءٍ كَانَ، بَقِيَ أَمْرُ الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ، فَإِذَا نَظَرَ النَّاظِرُ يَجِدُ كُلَّ أَحَدٍ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ غَيْرَ مَغْلُوبٍ عَنْ كِسْرَةِ خُبْزٍ وَشَرْبَةِ مَاءٍ، غَيْرَ أَنَّ طَلَبَ الْغِنَى يورث الفقر فيريد الإنسان بيتا مزخرفا ولباسا فاخرا وَمَأْكُولًا طَيِّبًا، وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ الدَّوَابِّ/ وَالثِّيَابِ، فَيَفْتَقِرُ إِلَى أَنْ يَحْمِلَ الْمَشَاقَّ، وَطَلَبُ الْغِنَى يُورِثُ فَقْرَهُ، وَارْتِيَادُ الِارْتِفَاعِ يَحُطُّ قَدْرَهُ، وَبِالْجُمْلَةِ شَهْوَةُ بَطْنِهِ وَفَرْجِهِ تَكْسِرُ ظَهْرَهُ عَلَى أَنَّنَا نَقُولُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: كانُوا قَبْلَ ذلِكَ مُتْرَفِينَ لَا شَكَّ أَنَّ أَهْلَ الْقُبُورِ لَمَّا فَقَدُوا الْأَيْدِيَ الْبَاطِشَةَ، وَالْأَعْيُنَ الْبَاصِرَةَ، وَبَانَ لَهُمُ الْحَقَائِقُ، عَلِمُوا إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى تِلْكَ الْحَالَةِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: مَا الْإِصْرَارُ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ؟ نَقُولُ: الشِّرْكُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لُقْمَانَ: 13] وَفِيهَا لَطِيفَةٌ وَهِيَ أَنَّهُ أَشَارَ فِي الْآيَاتِ الثَّلَاثِ إِلَى الْأُصُولِ الثَّلَاثَةِ فَقَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ مُتْرَفِينَ مِنْ حَيْثُ الِاسْتِعْمَالُ يَدُلُّ عَلَى ذَمِّهِمْ بِإِنْكَارِ الرُّسُلِ، إِذِ الْمُتْرَفُ مُتَكَبِّرٌ بِسَبَبِ الْغِنَى فَيُنْكِرُ الرِّسَالَةَ، وَالْمُتْرَفُونَ كَانُوا يَقُولُونَ: أَبَشَراً مِنَّا واحِداً نَتَّبِعُهُ [الْقَمَرِ: 34] وقوله: يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ [الواقعة: 46] إِشَارَةٌ إِلَى الشِّرْكِ وَمُخَالَفَةِ التَّوْحِيدِ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَكانُوا يَقُولُونَ أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً إِشَارَةٌ إِلَى إِنْكَارِ الْحَشْرِ وَالنَّشْرِ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَكانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ فِيهِ مُبَالَغَاتٌ مِنْ وُجُوهٍ أَحَدُهَا: قَوْلُهُ تعالى: كانُوا يُصِرُّونَ وَهُوَ آكَدُ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ: إِنَّهُمْ قَبْلَ ذَلِكَ أَصَرُّوا لِأَنَّ اجْتِمَاعَ لَفْظَيِ الْمَاضِي وَالْمُسْتَقْبَلِ يَدُلُّ عَلَى الِاسْتِمْرَارِ، لِأَنَّ قَوْلَنَا: فُلَانٌ كَانَ يُحْسِنُ إِلَى النَّاسِ، يُفِيدُ كَوْنَ ذَلِكَ عَادَةً لَهُ ثَانِيهَا:

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 29  صفحه : 411
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست