responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 29  صفحه : 360
التحقيق في قوله تعالى:

[سورة الرحمن (55) : الآيات 31 الى 32]
سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ (31) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (32)
وَلْنَذْكُرْ أَوَّلًا مَا قِيلَ فِيهِ تَبَرُّكًا بِأَقْوَالِ الْمَشَايِخِ ثُمَّ نُحَقِّقُهُ بِالْبَيَانِ الشَّافِي فَنَقُولُ: اخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِيهِ وَأَكْثَرُهُمْ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ سَنَقْصِدُكُمْ بِالْفِعْلِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: خَرَجَ ذَلِكَ مَخْرَجَ التَّهْدِيدِ عَلَى مَا هِيَ عَادَةُ اسْتِعْمَالِ النَّاسِ/ فَإِنَّ السَّيِّدَ يَقُولُ لِعَبْدِهِ عِنْدَ الْغَضَبِ: سَأَفْرُغُ لَكَ، وَقَدْ يَكُونُ السَّيِّدُ فَارِغًا جَالِسًا لَا يَمْنَعُهُ شُغْلٌ، وَأَمَّا التَّحْقِيقُ فِيهِ، فَنَقُولُ: عَدَمُ الْفَرَاغِ عِبَارَةٌ عَنْ أَنْ يَكُونَ الْفَاعِلُ فِي فِعْلٍ لَا يُمْكِنُهُ مَعَهُ إِيجَادُ فِعْلٍ آخَرَ فَإِنَّ مَنْ يَخِيطُ يَقُولُ: مَا أَنَا بِفَارِغٍ لِلْكِتَابَةِ، لَكِنْ عَدَمُ الْفَرَاغِ قَدْ يَكُونُ لِكَوْنِ أَحَدِ الْفِعْلَيْنِ مَانِعًا لِلْفَاعِلِ مِنَ الْفِعْلِ الْآخَرِ، يُقَالُ:
هُوَ مَشْغُولٌ بِكَذَا عَنْ كَذَا كَمَا فِي قَوْلِ الْقَائِلِ: أَنَا مَشْغُولٌ بِالْخِيَاطَةِ عَنِ الْكِتَابَةِ، وَقَدْ يَكُونُ عَدَمُ الْفَرَاغِ لِكَوْنِ الْفِعْلِ مَانِعًا مِنَ الْفِعْلِ لَا لِكَوْنِهِ مَانِعًا مِنَ الْفَاعِلِ كَالَّذِي يُحَرِّكُ جِسْمًا فِي زَمَانٍ لَا يُمْكِنُ تَسْكِينُهُ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ فَهُوَ لَيْسَ بِفَارِغٍ لِلتَّسْكِينِ، وَلَكِنْ لَا يُقَالُ فِي مِثْلِ هَذَا الْوَقْتِ أَنَا مَشْغُولٌ بِالتَّحْرِيكِ عَنِ التَّسْكِينِ، فَإِنَّ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَوْضِعِ لَوْ كَانَ غَيْرَ مَشْغُولٍ بِهِ بَلْ كَانَ فِي نَفْسِ الْمَحَلِّ حَرَكَةٌ لَا بِفِعْلِ ذَلِكَ الْفَاعِلِ لَا يُمْكِنُهُ التَّسْكِينُ فَلَيْسَ امْتِنَاعُهُ مِنْهُ إِلَّا لِاسْتِحَالَتِهِ بِالتَّحْرِيكِ، وَفِي الصُّورَةِ الْأُولَى لَوْلَا اشْتِغَالُهُ بِالْخِيَاطَةِ لَتَمَكَّنَ مِنَ الْكِتَابَةِ، إِذَا عَرَفْتَ هَذَا صَارَ عَدَمُ الْفَرَاغِ قِسْمَيْنِ أَحَدُهُمَا: بِشُغْلٍ وَالْآخَرُ لَيْسَ بِشُغْلٍ، فَنَقُولُ: إِذَا كَانَ اللَّهُ تَعَالَى بِاخْتِيَارِهِ أَوْجَدَ الْإِنْسَانَ وَأَبْقَاهُ مُدَّةً أَرَادَهَا بِمَحْضِ الْقُدْرَةِ وَالْإِرَادَةِ لَا يُمْكِنُ مَعَ هَذَا إِعْدَامُهُ، فَهُوَ فِي فِعْلٍ لَا يَمْنَعُ الْفَاعِلَ لَكِنْ يَمْنَعُ الْفِعْلَ وَمِثْلُ هَذَا بَيَّنَّا أَنَّهُ لَيْسَ بِفَرَاغٍ، وَإِنْ كَانَ لَهُ شُغْلٌ، فَإِذَا أَوْجَدَ مَا أَرَادَ أَوَّلًا ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْكَنَ الْإِعْدَامُ وَالزِّيَادَةُ فِي آنِهِ فَيَتَحَقَّقُ الْفَرَاغُ لَكِنْ لَمَّا كَانَ لِلْإِنْسَانِ مُشَاهَدَةٌ مُقْتَصِرَةٌ عَلَى أَفْعَالِ نَفْسِهِ وَأَفْعَالِ أَبْنَاءِ جِنْسِهِ وَعَدَمُ الْفِرَاغِ مِنْهُمْ بِسَبَبِ الشُّغْلِ يَظُنُّ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَارِغٌ فَحَمَلَ الْخَلْقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَيْسَ بِفَارِغٍ، فَيَلْزَمُ مِنْهُ الْفِعْلُ وَهُوَ لَا يَشْغَلُهُ شَأْنٌ عَنْ شَأْنٍ يَلْزَمُهُ حَمْلُ اللَّفْظِ عَلَى غَيْرِ مَعْنَاهُ، وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا لَيْسَ قَوْلًا آخَرَ غَيْرُ قَوْلِ الْمَشَايِخِ، بَلْ هُوَ بَيَانٌ لِقَوْلِهِمْ: سَنَقْصِدُكُمْ، غَيْرَ أَنَّ هَذَا مُبَيَّنٌ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى أَنْ هَدَانَا لِلْبَيَانِ مِنْ غَيْرِ خُرُوجٍ عَنْ قَوْلِ أَرْبَابِ اللِّسَانِ. وَاعْلَمْ أَنَّ أَصْلَ الْفَرَاغِ بِمَعْنَى الْخُلُوِّ، لَكِنْ ذَلِكَ إِنْ كَانَ فِي الْمَكَانِ فَيَتَّسِعُ لِيَتَمَكَّنَ آخَرُ، وإن كان في الزمان فَيَتَّسِعُ لِلْفِعْلِ، فَالْأَصْلُ أَنَّ زَمَانَ الْفَاعِلِ فَارِغٌ عَنْ فِعْلِهِ وَغَيْرُ فَارِغٍ لَكِنَّ الْمَكَانَ مَرْئِيٌّ بِالْخُلُوِّ فِيهِ، فَيُطْلَقُ الْفَرَاغَ عَلَى خُلُوِّ الْمَكَانِ فِي الظَّرْفِ الْفُلَانِيِّ وَالزَّمَانُ غَيْرُ مَرْئِيٍّ، فَلَا يُرَى خُلُوُّهُ. وَيُقَالُ: فُلَانٌ فِي زَمَانِ كَذَا فَارِغٌ لِأَنَّ فُلَانًا هُوَ الْمَرْئِيُّ لَا الزَّمَانَ وَالْأَصْلُ أَنَّ هَذَا الزَّمَانَ مِنْ أَزْمِنَةِ فُلَانٍ فارغ فَيُمْكِنُهُ وَصْفُهُ لِلْفِعْلِ فِيهِ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: سَنَفْرُغُ لَكُمْ اسْتِعْمَالٌ عَلَى مُلَاحَظَةِ الْأَصْلِ، لِأَنَّ الْمَكَانَ إِذَا خَلَا يُقَالُ: لِكَذَا وَلَا يُقَالُ: إِلَى كَذَا فَكَذَلِكَ الزَّمَانُ لَكِنْ لَمَّا نُقِلَ إِلَى الْفَاعِلِ وَقِيلَ: الْفَاعِلُ عَلَى فَرَاغٍ وَهُوَ عِنْدَ الْفَرَاغِ يَقْصِدُ إِلَى شَيْءٍ آخَرَ قِيلَ فِي الْفَاعِلِ: فَرَغَ مِنْ كَذَا إِلَى كَذَا، وَفِي الظَّرْفِ يُقَالُ: فَرَغَ مِنْ كَذَا لِكَذَا فَقَالَ لَكُمْ عَلَى مُلَاحَظَةِ الْأَصْلِ، وَهُوَ يُقَوِّي مَا ذكرنا أن المانع ليس بالنسبة إلى الفعل بل بالنسبة إلى الفعل. وأما أَيُّهَ فَنَقُولُ: الْحِكْمَةُ فِي نِدَاءِ الْمُبْهَمِ وَالْإِتْيَانُ بِالْوَصْفِ بَعْدَهُ هِيَ أَنَّ الْمُنَادِيَ يُرِيدُ صَوْنَ كَلَامِهِ عَنِ الضَّيَاعِ، فَيَقُولُ أَوَّلًا: يَا أَيْ نِدَاءٌ لِمُبَهَمٍ لِيُقْبِلَ عَلَيْهِ كُلُّ مَنْ يَسْمَعُ وَيَتَنَبَّهُ لِكَلَامِهِ مَنْ يَقْصِدُهُ، ثُمَّ عِنْدَ إِقْبَالِ السَّامِعِينَ يُخَصِّصُ الْمَقْصُودَ فَيَقُولُ: الرَّجُلُ وَالْتُزِمَ فِيهِ

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 29  صفحه : 360
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست