responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 29  صفحه : 339
[سورة الرحمن (55) : الآيات 5 الى 6]
الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ (5) وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ (6)
وَفِي التَّرْتِيبِ وُجُوهٌ أَحَدُهَا: هُوَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لما ثبت كونه رحمن وَأَشَارَ إِلَى مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ وَهُوَ الْقُرْآنُ ذَكَرَ نِعَمَهُ وَبَدَأَ بِخَلْقِ الْإِنْسَانِ فَإِنَّهُ نِعْمَةٌ جَمِيعُ النِّعَمِ بِهِ تَتِمُّ، وَلَوْلَا وُجُودُهُ لَمَا انْتُفِعَ بِشَيْءٍ، ثُمَّ بَيَّنَ نِعْمَةَ الْإِدْرَاكِ بقوله: عَلَّمَهُ الْبَيانَ [الرحمن: 4] وَهُوَ كَالْوُجُودِ إِذْ لَوْلَاهُ لَمَا حَصَلَ النَّفْعُ وَالِانْتِفَاعُ، ثُمَّ ذَكَرَ مِنَ الْمَعْلُومَاتِ نِعْمَتَيْنِ ظَاهِرَتَيْنِ هُمَا أَظْهَرُ أَنْوَاعِ النِّعَمِ السَّمَاوِيَّةِ وَهُمَا الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَلَوْلَا الشَّمْسُ لَمَا زَالَتِ الظُّلْمَةُ، وَلَوْلَا الْقَمَرُ لَفَاتَ كَثِيرٌ مِنَ النِّعَمِ الظَّاهِرَةِ بِخِلَافِ غَيْرِهِمَا مِنَ الْكَوَاكِبِ فَإِنَّ نِعَمَهَا لَا تَظْهَرُ لِكُلِّ أَحَدٍ مِثْلَ مَا تَظْهَرُ نِعْمَتُهُمَا، ثُمَّ بَيَّنَ كَمَالَ نَفْعِهِمَا فِي حَرَكَتِهِمَا بِحِسَابٍ لَا يَتَغَيَّرُ وَلَوْ كَانَتِ الشَّمْسُ ثَابِتَةً فِي مَوْضِعٍ لَمَا انْتَفَعَ بِهَا أَحَدٌ، وَلَوْ كَانَ سَيْرُهَا غَيْرَ مَعْلُومٍ لِلْخَلْقِ لَمَا انْتَفَعُوا بِالزِّرَاعَاتِ فِي أَوْقَاتِهَا وَبِنَاءُ الْأَمْرِ عَلَى الْفُصُولِ، ثُمَّ بَيَّنَ فِي مُقَابِلَتِهِمَا نِعْمَتَيْنِ ظَاهِرَتَيْنِ مِنَ الْأَرْضِ وَهُمَا النَّبَاتُ الَّذِي لَا سَاقَ لَهُ وَالَّذِي لَهُ سَاقٌ، فَإِنَّ الرِّزْقَ أَصْلُهُ مِنْهُ، وَلَوْلَا النَّبَاتُ لَمَا كَانَ لِلْآدَمِيِّ رِزْقٌ إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ، وَأَصْلُ النِّعَمِ عَلَى الرِّزْقِ الدَّارِّ، وَإِنَّمَا قُلْنَا: النَّبَاتُ هُوَ أَصْلُ الرِّزْقِ لِأَنَّ الرِّزْقَ إِمَّا نَبَاتِيٌّ وَإِمَّا حَيَوَانِيٌّ كَاللَّحْمِ وَاللَّبَنِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ أَجْزَاءِ الْحَيَوَانِ، وَلَوْلَا النَّبَاتُ لَمَا عَاشَ الْحَيَوَانُ وَالنَّبَاتُ وَهُوَ الْأَصْلُ وَهُوَ قِسْمَانِ قَائِمٌ عَلَى سَاقٍ كَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالْأَشْجَارِ الْكِبَارِ وَأُصُولِ الثِّمَارِ وَغَيْرُ قَائِمٍ كَالْبُقُولِ الْمُنْبَسِطَةِ عَلَى الْأَرْضِ وَالْحَشِيشِ وَالْعُشْبِ الَّذِي هُوَ غَذَاءُ الْحَيَوَانِ ثَانِيهَا: هُوَ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا ذَكَرَ الْقُرْآنَ وَكَانَ هُوَ كَافِيًا لَا يُحْتَاجُ مَعَهُ إِلَى دَلِيلٍ آخَرَ قَالَ بَعْدَهُ: الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ وَغَيْرُهَا مِنَ الْآيَاتِ إِشَارَةً إِلَى أَنَّ بَعْضَ النَّاسِ إِنْ تَكُنْ لَهُ النَّفْسُ الزَّكِيَّةُ الَّتِي يُغْنِيهَا اللَّهُ بِالدَّلَائِلِ الَّتِي فِي الْقُرْآنِ، فَلَهُ فِي الْآفَاقِ آيَاتٌ مِنْهَا الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ، وَإِنَّمَا اخْتَارَهُمَا لِلذِّكْرِ لِأَنَّ حَرَكَتَهُمَا بِحُسْبَانٍ تَدُلُّ عَلَى فَاعِلٍ مُخْتَارٍ سَخَّرَهُمَا عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ، وَلَوِ اجْتَمَعَ مَنْ فِي الْعَالَمِ مِنَ الطَّبِيعِيِّينَ وَالْفَلَاسِفَةِ وَغَيْرِهِمْ وَتَوَاطَئُوا أَنْ يُثَبِّتُوا حَرَكَتَهُمَا عَلَى الْمَمَرِّ الْمُعَيَّنِ عَلَى الصَّوَابِ الْمُعَيَّنِ وَالْمِقْدَارِ الْمَعْلُومِ فِي الْبُطْءِ وَالسُّرْعَةِ لَمَا بَلَغَ أَحَدٌ مُرَادَهُ إِلَى أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الْحَقِّ/ وَيَقُولَ: حَرَّكَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى كَمَا أَرَادَ، وَذَكَرَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاءَ وَغَيْرَهُمَا إِشَارَةً إِلَى مَا ذَكَرْنَا مِنَ الدَّلَائِلِ الْعَقْلِيَّةِ الْمُؤَكِّدَةِ لِمَا فِي الْقُرْآنِ مِنَ الدَّلَائِلِ السَّمْعِيَّةِ ثَالِثُهَا: هُوَ أَنَّا ذَكَرْنَا أَنَّ هَذِهِ السُّورَةَ مُفْتَتَحَةٌ بِمُعْجِزَةٍ دَالَّةٍ عَلَيْهَا مِنْ بَابِ الْهَيْئَةِ فَذَكَرَ مُعْجِزَةَ الْقُرْآنِ بِمَا يَكُونُ جَوَابًا لِمُنْكِرِي النُّبُوَّةِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي نَبَّهْنَا عَلَيْهِ، وَذَلِكَ هُوَ أَنَّهُ تَعَالَى أَنْزَلَ عَلَى نَبِيِّهِ الْكِتَابَ وَأَرْسَلَهُ إِلَى النَّاسِ بِأَشْرَفِ خِطَابٍ، فَقَالَ: بَعْضُ الْمُنْكِرِينَ كَيْفَ يُمْكِنُ نُزُولُ الْجِرْمِ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ وَكَيْفَ يَصْعَدُ مَا حَصَلَ فِي الْأَرْضِ إِلَى السَّمَاءِ؟ فَقَالَ تَعَالَى: الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ إِشَارَةً إِلَى [أَنَّ] حَرَكَتَهُمَا بِمُحَرِّكٍ مُخْتَارٍ لَيْسَ بِطَبِيعِيٍّ وَهُمْ وَافَقُونَا فِيهِ وَقَالُوا: إِنَّ الْحَرَكَةَ الدَّوْرِيَّةَ لَا يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ طَبِيعِيَّةً اخْتِيَارِيَّةً فَنَقُولُ: مَنْ حَرَّكَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ عَلَى الِاسْتِدَارَةِ أَنْزَلَ الْمَلَائِكَةَ عَلَى الِاسْتِقَامَةِ ثُمَّ النَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَتَحَرَّكَانِ إِلَى فَوْقُ عَلَى الِاسْتِقَامَةِ مَعَ أَنَّ الثَّقِيلَ عَلَى مَذْهَبِكُمْ لَا يَصْعَدُ إِلَى جِهَةِ فَوْقُ فَذَلِكَ بِقُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَإِرَادَتِهِ، فَكَذَلِكَ حَرَكَةُ الْمَلَكِ جَائِزَةٌ مِثْلَ الْفَلَكِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: بِحُسْبانٍ فَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى الْجَوَابِ عن قولهم: أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنا [ص: 8] وَذَلِكَ لِأَنَّهُ تَعَالَى كَمَا اخْتَارَ لِحَرَكَتِهِمَا مَمَرًّا مُعَيَّنًا وَصَوْبًا مَعْلُومًا وَمِقْدَارًا مَخْصُوصًا كَذَلِكَ اخْتَارَ لِلْمَلَكِ وَقْتًا مَعْلُومًا وَمَمَرًّا مُعَيَّنًا بِفَضْلِهِ وَفِي التَّفْسِيرِ مَبَاحِثُ:

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 29  صفحه : 339
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست