responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 29  صفحه : 280
وَالْبَحْثُ فِيهِ كَمَا فِي الضَّحِكِ وَالْبُكَاءِ، غَيْرَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى فِي الْأَوَّلِ بَيَّنَ خَاصَّةَ النَّوْعِ الَّذِي هُوَ أَخَصُّ مِنَ الْجِنْسِ، فَإِنَّهُ أَظْهَرُ وَعَنِ التَّعْلِيلِ أَبْعَدُ ثُمَّ عَطَفَ عَلَيْهِ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْهُ وَدُونَهُ فِي الْبُعْدِ عَنِ التَّعْلِيلِ وَهِيَ الْإِمَاتَةُ وَالْإِحْيَاءُ وَهُمَا صِفَتَانِ مُتَضَادَّتَانِ أَيِ الْمَوْتُ وَالْحَيَاةُ كَالضَّحِكِ وَالْبُكَاءِ وَالْمَوْتُ عَلَى هَذَا لَيْسَ بِمُجَرَّدِ الْعَدَمِ وَإِلَّا لَكَانَ الْمُمْتَنِعُ مَيِّتًا، وَكَيْفَمَا كَانَ فَالْإِمَاتَةُ وَالْإِحْيَاءُ أَمْرٌ وُجُودِيٌّ وَهُمَا مِنْ خَوَاصِّ الْحَيَوَانِ، وَيَقُولُ الطَّبِيعِيُّ فِي الْحَيَاةِ لِاعْتِدَالِ الْمِزَاجِ، وَالْمِزَاجُ مِنْ أَرْكَانٍ مُتَضَادَّةٍ هِيَ النَّارُ وَالْهَوَاءُ وَالْمَاءُ وَالتُّرَابُ وَهِيَ متداعية إلى الانفكاك ومالا تَرْكِيبَ فِيهِ مِنَ الْمُتَضَادَّاتِ لَا مَوْتَ لَهُ، لِأَنَّ الْمُتَضَادَّاتِ كُلُّ أَحَدٍ يَطْلُبُ مُفَارَقَةَ مُجَاوِرِهِ، فَقَالَ تَعَالَى: الَّذِي خَلَقَ وَمَزَجَ الْعَنَاصِرَ وَحَفِظَهَا مُدَّةً قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَحْفَظَهَا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَإِذَا مَاتَ فَلَيْسَ عَنْ ضَرُورَةٍ فَهُوَ بفعل فاعل مختار وهو الله تعالى: فهو الذي أَمَاتَ وَأَحْيَا. فَإِنْ قِيلَ: مَتَى أَمَاتَ وَأَحْيَا حَتَّى يَعْلَمَ ذَلِكَ بَلْ مُشَاهَدَةُ الْإِحْيَاءِ وَالْإِمَاتَةِ بِنَاءً عَلَى الْحَيَاةِ وَالْمَوْتِ؟ نَقُولُ: فِيهِ وُجُوهٌ أَحَدُهَا: أَنَّهُ عَلَى التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ كَأَنَّهُ قَالَ: أَحْيَا وَأَمَاتَ ثَانِيهَا: هُوَ بِمَعْنَى الْمُسْتَقْبَلِ، فَإِنَّ الْأَمْرَ قَرِيبٌ يُقَالُ: فُلَانٌ وَصَلَ وَاللَّيْلُ دَخَلَ إِذَا قَرُبَ مَكَانُهُ وَزَمَانُهُ، فَكَذَلِكَ الْإِحْيَاءُ وَالْإِمَاتَةُ ثَالِثُهَا: أَمَاتَ أَيْ خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْجُمُودَ فِي الْعَنَاصِرِ، ثُمَّ رَكَّبَهَا وَأَحْيَا أَيْ خَلَقَ الْحِسَّ والحركة فيها. ثم قال تعالى:

[سورة النجم (53) : آية 45]
وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى (45)
وَهُوَ أَيْضًا مِنْ جُمْلَةِ الْمُتَضَادَّاتِ الَّتِي تَتَوَارَدُ عَلَى النُّطْفَةِ فَبَعْضُهَا يُخْلَقُ ذَكَرًا، وَبَعْضُهَا أُنْثَى وَلَا يَصِلُ إِلَيْهِ فَهْمُ الطَّبِيعِيِّ الَّذِي يَقُولُ: إِنَّهُ مِنَ الْبَرْدِ وَالرُّطُوبَةِ فِي الْأُنْثَى، فَرُبَّ امْرَأَةٍ أَيْبَسُ مِزَاجًا مِنَ الرَّجُلِ، وَكَيْفَ وَإِذَا نَظَرْتَ فِي الْمُمَيِّزَاتِ/ بَيْنَ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ تَجِدُهَا أُمُورًا عَجِيبَةً مِنْهَا نَبَاتُ اللِّحْيَةِ، وَأَقْوَى مَا قَالُوا فِي نَبَاتِ اللِّحْيَةِ أَنَّهُمْ قَالُوا: الشُّعُورُ مُكَوَّنَةٌ مِنْ بخار دخاني يَنْحَدِرُ إِلَى الْمَسَامِّ، فَإِذَا كَانَتِ الْمَسَامُّ فِي غَايَةِ الرُّطُوبَةِ وَالتَّحَلُّلِ كَمَا فِي مِزَاجِ الصَّبِيِّ وَالْمَرْأَةِ، لَا يَنْبُتُ الشَّعْرُ لِخُرُوجِ تِلْكَ الْأَدْخِنَةِ مِنَ الْمَسَامِّ الرَّطْبَةِ بِسُهُولَةٍ قَبْلَ أَنْ يَتَكَوَّنَ شعرا، وَإِذَا كَانَتْ فِي غَايَةِ الْيُبُوسَةِ وَالتَّكَاثُفِ يَنْبُتُ الشَّعْرُ لِعُسْرِ خُرُوجِهِ مِنَ الْمَخْرَجِ الضَّيِّقِ، ثُمَّ إِنَّ تِلْكَ الْمَوَادَّ تَنْجَذِبُ إِلَى مَوَاضِعَ مَخْصُوصَةٍ فَتَنْدَفِعُ، إِمَّا إِلَى الرَّأْسِ فَتَنْدَفِعُ إِلَيْهِ لِأَنَّهُ مَخْلُوقٌ كَقُبَّةٍ فَوْقَ الْأَبْخِرَةِ وَالْأَدْخِنَةِ فَتَتَصَاعَدُ إِلَيْهِ تِلْكَ الْمَوَادُّ، فَلِهَذَا يَكُونُ شَعْرُ الرَّأْسِ أَكْثَرَ وَأَطْوَلَ، وَلِهَذَا فِي الرَّجُلِ مَوَاضِعُ تَنْجَذِبُ إِلَيْهَا الْأَبْخِرَةُ وَالْأَدْخِنَةُ، مِنْهَا الصَّدْرُ لِحَرَارَةِ الْقَلْبِ وَالْحَرَارَةُ تَجْذِبُ الرُّطُوبَةَ كَالسِّرَاجِ لِلزَّيْتِ، وَمِنْهَا بِقُرْبِ آلَةِ التَّنَاسُلِ لِأَنَّ حَرَارَةَ الشَّهْوَةِ تَجْذِبُ أَيْضًا، وَمِنْهَا اللِّحْيَانِ فَإِنَّهَا كَثِيرَةُ الْحَرَكَةِ بِسَبَبِ الْأَكْلِ، وَالْكَلَامِ وَالْحَرَكَةُ أَيْضًا جَاذِبَةٌ، فَإِذَا قِيلَ لَهُمْ: فَمَا السَّبَبُ الْمُوجِبُ لِتَلَازُمِ نَبَاتِ شَعْرِ اللِّحْيَةِ وَآلَةِ التَّنَاسُلِ فَإِنَّهَا إِذَا قُطِعَتْ لَمْ تَنْبُتِ اللِّحْيَةُ؟ وَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ سِنِّ الصِّبَا وَسِنِّ الشَّبَابِ وَبَيْنَ الْمَرْأَةِ وَالرَّجُلِ؟ فَفِي بَعْضِهَا يُبْهَتُ وَفِي بَعْضِهَا يُتَكَلَّمُ بِأُمُورٍ وَاهِيَةٍ، وَلَوْ فَوَّضَهَا إِلَى حِكْمَةٍ إِلَهِيَّةٍ لَكَانَ أَوْلَى، وَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ:
الْأَوَّلُ: قَالَ تَعَالَى: وَأَنَّهُ خَلَقَ وَلَمْ يَقُلْ: وَأَنَّهُ هُوَ خَلَقَ كَمَا قَالَ: وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكى [النجم: 43] وَذَلِكَ لِأَنَّ الضَّحِكَ وَالْبُكَاءَ رُبَّمَا يَتَوَهَّمُ مُتَوَهِّمٌ أَنَّهُ بِفِعْلِ الْإِنْسَانِ، وَفِي الْإِمَاتَةِ وَالْإِحْيَاءِ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ التَّوَهُّمُ بَعِيدًا، لَكِنْ رُبَّمَا يَقُولُ بِهِ جَاهِلٌ، كَمَا قَالَ مَنْ حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ حَيْثُ قَالَ: أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ [الْبَقَرَةِ: 258] فَأَكَّدَ ذَلِكَ بِذِكْرِ الْفَصْلِ، وَأَمَّا خَلْقُ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى مِنَ النُّطْفَةِ فَلَا يَتَوَهَّمُ أَحَدٌ أَنْ يَفْعَلَ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ فَلَمْ يُؤَكِّدْ بِالْفَصْلِ أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنى وَأَقْنى [النَّجْمِ: 48] حَيْثُ

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 29  صفحه : 280
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست