responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 29  صفحه : 271
الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ لِأَنَّ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ لَا يَقْرَبُونَهُ فَكَأَنَّهُ قَالَ: لَا يَقْرَبُونَهُ إِلَّا مقاربة من غير مواقعة وهو اللمم.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: إِنَّ رَبَّكَ واسِعُ الْمَغْفِرَةِ وَذَلِكَ عَلَى قَوْلِنَا: الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ ابْتِدَاءُ الْكَلَامِ فِي غَايَةِ الظُّهُورِ، لِأَنَّ الْمُحْسِنَ مُجْزَى وَذَنْبُهُ مَغْفُورٌ، وَمُجْتَنِبَ الْكَبَائِرِ كَذَلِكَ ذَنَبُهُ الصَّغِيرُ مَغْفُورٌ، وَالْمُقْدِمُ عَلَى الْكَبَائِرِ إِذَا تَابَ مَغْفُورُ الذَّنْبِ، فَلَمْ يَبْقَ مِمَّنْ لَمْ تَصِلُ إِلَيْهِمْ مَغْفِرَةٌ إلا الذين أساؤا وَأَصَرُّوا عَلَيْهَا، فَالْمَغْفِرَةُ وَاسِعَةٌ وَفِيهِ مَعْنًى آخَرُ لَطِيفٌ، وَهُوَ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا أَخْرَجَ الْمُسِيءَ عَنِ الْمَغْفِرَةِ بَيَّنَ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ لِضِيقٍ فِيهَا، بَلْ ذَلِكَ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَوْ أَرَادَ اللَّهُ مَغْفِرَةَ كُلِّ مَنْ أَحْسَنَ وَأَسَاءَ لَفَعَلَ، وَمَا كَانَ يَضِيقُ عَنْهُمْ مَغْفِرَتُهُ، وَالْمَغْفِرَةُ مِنَ السَّتْرِ، وَهُوَ لَا يَكُونُ إِلَّا عَلَى قَبِيحٍ، وَكُلُّ مَنْ خَلَقَهُ اللَّهُ إِذَا نَظَرْتَ فِي فِعْلِهِ، وَنِسْبَتِهِ إِلَى نِعَمِ اللَّهِ تَجِدُهُ مُقَصِّرًا مُسِيئًا، فَإِنَّ مَنْ جَازَى الْمُنْعِمَ بِنِعَمٍ لَا تُحْصَى مَعَ اسْتِغْنَائِهِ الظَّاهِرِ، وَعَظَمَتِهِ الْوَاضِحَةِ بِدِرْهَمٍ أَوْ أَقَلَّ مِنْهُ يَحْتَاجُ إِلَى سَتْرِ مَا فَعَلَهُ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقى وَفِي الْمُنَاسَبَةِ وُجُوهٌ أَحَدُهَا: هُوَ تَقْرِيرٌ لِمَا مَرَّ مِنْ قَوْلِهِ: هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ [النجم: 30] كَأَنَّ الْعَامِلَ مِنَ الْكُفَّارِ يَقُولُ: نَحْنُ نَعْمَلُ أُمُورًا فِي جَوْفِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ، وَفِي الْبَيْتِ الْخَالِي فَكَيْفَ يَعْلَمُهُ اللَّهُ تَعَالَى؟ فَقَالَ: لَيْسَ عَمَلُكُمْ أَخْفَى مِنْ أَحْوَالِكُمْ وَأَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ، وَاللَّهُ عَالِمٌ بِتِلْكَ الْأَحْوَالِ ثَانِيهَا: هُوَ إِشَارَةٌ إِلَى الضَّالِّ وَالْمُهْتَدِي حَصَلَا عَلَى مَا هُمَا عَلَيْهِ بِتَقْدِيرِ اللَّهِ، فَإِنَّ الْحَقَّ عَلِمَ أَحْوَالَهُمْ وَهُمْ فِي بُطُونِ الْأُمَّهَاتِ، فَكَتَبَ عَلَى الْبَعْضِ أَنَّهُ ضَالٌّ، وَالْبَعْضِ أَنَّهُ مُهْتَدٍ ثَالِثُهَا: تَأْكِيدٌ وَبَيَانٌ لِلْجَزَاءِ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمَّا قال: لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا [النجم: 31] قَالَ الْكَافِرُونَ: هَذَا الْجَزَاءُ لَا يَتَحَقَّقُ إِلَّا بِالْحَشْرِ، وَجَمْعُ الْأَجْزَاءِ بَعْدَ تَفَرُّقِهَا وَإِعَادَةُ مَا كَانَ لِزَيْدٍ مِنَ الْأَجْزَاءِ فِي بَدَنِهِ مِنْ غَيْرِ اخْتِلَاطٍ غَيْرِ مُمْكِنٍ، فَقَالَ تَعَالَى: هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ فَيَجْمَعُهَا بِقُدْرَتِهِ عَلَى وَفْقِ عِلْمِهِ كَمَا أَنْشَأَكُمْ، وَفِيهِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: الْعَامِلُ فِي: إِذْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ: أَعْلَمُ أَيْ عَلِمَكُمْ وَقْتَ الْإِنْشَاءِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ اذْكُرُوا فَيَكُونُ تَقْرِيرًا لِكَوْنِهِ عَالِمًا وَيَكُونُ تَقْدِيرُهُ: هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ وَقَدْ تَمَّ الْكَلَامُ، ثُمَّ يَقُولُ:
إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ عِلْمِهِ بِكُمْ فَاذْكُرُوا حَالَ إِنْشَائِكُمْ مِنَ التُّرَابِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: ذَكَرْنَا مِرَارًا أَنَّ قَوْلَهُ: مِنَ الْأَرْضِ مِنَ النَّاسِ مَنْ قَالَ آدَمُ فَإِنَّهُ مِنْ تُرَابٍ، وَقَرَّرْنَا أَنَّ كُلَّ أَحَدٍ أَصْلُهُ مِنَ التُّرَابِ، فَإِنَّهُ يَصِيرُ غِذَاءً، ثُمَّ يَصِيرُ نُطْفَةً.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: لَوْ قَالَ قَائِلٌ: لَا بُدَّ مِنْ صَرْفِ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ إِلَى آدَمَ، لِأَنَّ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ عَائِدٌ إِلَى غَيْرِهِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ جَنِينًا، وَلَوْ قُلْتَ بِأَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى/ إِذْ أَنْشَأَكُمْ عَائِدٌ إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ جَمِيعُ النَّاسِ أَجِنَّةً فِي بُطُونِ الْأُمَّهَاتِ، وَهُوَ قَوْلُ الْفَلَاسِفَةِ؟ نَقُولُ لَيْسَ كَذَلِكَ، لِأَنَّا نَقُولُ: الْخِطَابُ مَعَ الْمَوْجُودِينَ حَالَةَ الْخِطَابِ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ خِطَابٌ مَعَ كُلِّ مَنْ بَعْدَ الْإِنْزَالِ عَلَى قَوْلٍ، وَمَعَ مَنْ حَضَرَ وَقْتَ الْإِنْزَالِ عَلَى قَوْلٍ، وَلَا شَكَّ أَنَّ كُلَّ هَؤُلَاءِ مِنَ الْأَرْضِ وَهُمْ كَانُوا أَجِنَّةً.
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: الْأَجِنَّةُ هُمُ الَّذِينَ فِي بُطُونِ الْأُمَّهَاتِ، وَبَعْدَ الْخُرُوجِ لَا يُسَمَّى إِلَّا وَلَدًا أَوْ سَقْطًا، فما فائدة

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 29  صفحه : 271
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست