responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 28  صفحه : 61
فَافْعَلُوا الْخَيْرَ، وَقَوْلُهُ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ يَحْتَمِلُ وُجُوهًا أَحُدُهَا: دُومُوا عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ وَلَا تُشْرِكُوا فَتَبْطُلَ أَعْمَالُكُمْ، قَالَ تَعَالَى: لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ [الزمر: 65] الوجه الثاني: لا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ بِتَرْكِ طَاعَةِ الرَّسُولِ كَمَا أَبْطَلَ الْكِتَابِ أَعْمَالَهُمْ بِتَكْذِيبِ الرَّسُولِ وَعِصْيَانِهِ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ إِلَى أَنْ قَالَ: أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ [الْحُجُرَاتِ: 2] الثَّالِثُ: لَا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى [الْبَقَرَةِ: 264] كَمَا قَالَ تَعَالَى: يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ [الْحُجُرَاتِ: 17] وَذَلِكَ أَنَّ مَنْ يَمُنُّ بِالطَّاعَةِ عَلَى الرَّسُولِ كَأَنَّهُ يَقُولُ هَذَا فَعَلْتُهُ لِأَجْلِ قَلْبِكَ، وَلَوْلَا رِضَاكَ بِهِ لَمَا فَعَلْتُ، وَهُوَ مُنَافٍ لِلْإِخْلَاصِ، وَاللَّهُ لَا يَقْبَلُ إِلَّا الْعَمَلَ الخالص. ثم قال تعالى:

[سورة محمد (47) : آية 34]
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ ماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ (34)
بَيَّنَ أَنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ الشِّرْكَ وَمَا دُونَ ذَلِكَ يَغْفِرُهُ إِنْ شَاءَ حَتَّى لَا يَظُنَّ ظَانٌّ أَنَّ أَعْمَالَهُمْ وَإِنْ بَطَلَتْ لَكِنَّ فَضْلَ اللَّهِ بَاقٍ يَغْفِرُ لَهُمْ بِفَضْلِهِ، وَإِنْ لَمْ يَغْفِرْ لَهُمْ بِعَمَلِهِمْ. ثُمَّ قَالَ تعالى:

[سورة محمد (47) : آية 35]
فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمالَكُمْ (35)
لَمَّا بَيَّنَ أَنَّ عَمَلَ الْكَافِرِ الَّذِي لَهُ صُورَةُ الْحَسَنَاتِ مُحْبَطٌ، وَذَنْبَهُ الَّذِي هُوَ أَقْبَحُ السَّيِّئَاتِ غَيْرُ مَغْفُورٍ، بَيَّنَ أَنْ لَا حُرْمَةَ فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ، وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بطاعة الرسول بقوله وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ [النساء: 59] وَأَمَرَ بِالْقِتَالِ بِقَوْلِهِ فَلا تَهِنُوا أَيْ لَا تَضْعُفُوا بَعْدَ مَا وُجِدَ السَّبَبُ فِي الْجِدِّ في الأمر والاجتهاد في الجهاد فقال فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَفِي الْآيَاتِ تَرْتِيبٌ فِي غَايَةِ الْحُسْنِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ يَقْتَضِي السَّعْيَ فِي الْقِتَالِ لِأَنَّ أَمْرَ اللَّهِ وَأَمْرَ الرَّسُولِ وَرَدَ بِالْجِهَادِ وَقَدْ أُمِرُوا بِالطَّاعَةِ، فَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنْ لَا يَضْعُفَ الْمُكَلَّفُ وَلَا يَكْسَلَ وَلَا يَهِنَ وَلَا يَتَهَاوَنَ، ثُمَّ إِنَّ بَعْدَ الْمُقْتَضَى قَدْ يَتَحَقَّقُ مَانِعٌ وَلَا يَتَحَقَّقُ الْمُسَبِّبُ، وَالْمَانِعُ مِنَ الْقِتَالِ إِمَّا أُخْرَوِيٌّ وَإِمَّا دُنْيَوِيٌّ، فَذَكَرَ الْأُخْرَوِيَّ وَهُوَ أَنَّ الْكَافِرَ لَا حُرْمَةَ لَهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، لِأَنَّهُ لَا عَمَلَ لَهُ فِي الدُّنْيَا وَلَا مَغْفِرَةَ لَهُ فِي الْآخِرَةِ، فَإِذَا وُجِدَ السَّبَبُ وَلَمْ يُوجَدِ الْمَانِعُ يَنْبَغِي أَنْ يَتَحَقَّقَ الْمُسَبِّبُ، وَلَمْ يُقَدِّمِ الْمَانِعَ الدُّنْيَوِيَّ عَلَى قَوْلِهِ فَلا تَهِنُوا إِشَارَةً إِلَى أَنَّ الْأُمُورَ الدُّنْيَوِيَّةَ لَا يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ/ مَانِعَةً مِنَ الْإِتْيَانِ، فَلَا تَهِنُوا فَإِنَّ لَكُمُ النَّصْرَ، أَوْ عَلَيْكُمْ بِالْعَزِيمَةِ عَلَى تَقْدِيرِ الِاعْتِزَامِ لِلْهَزِيمَةِ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى بَعْدَ ذَلِكَ الْمَانِعُ الدُّنْيَوِيُّ مَعَ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَانِعًا لَيْسَ بِمَوْجُودٍ أَيْضًا حَيْثُ أَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَالْأَعْلَوْنَ وَالْمُصْطَفَوْنَ فِي الْجَمْعِ حَالَةَ الرَّفْعِ مَعْلُومُ الْأَصْلِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْأَمْرَ كَيْفَ آلَ إِلَى هَذِهِ الصِّيغَةِ فِي التَّصْرِيفِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ أَصْلَهُ فِي الْجَمْعِ الْمُوَافِقِ أَعْلِيُونَ وَمُصْطَفِيُونَ فَسُكِّنَتِ الْيَاءُ لِكَوْنِهَا حَرْفَ عِلَّةٍ فَتَحَرَّكَ مَا قَبْلَهَا وَالْوَاوُ كَانَتْ سَاكِنَةً فَالْتَقَى سَاكِنَانِ وَلَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ حَذْفِ أَحَدِهِمَا أَوْ تَحْرِيكِهِ وَالتَّحْرِيكُ كَانَ يُوقِعُ فِي الْمَحْذُورِ الَّذِي اجْتُنِبَ مِنْهُ فَوَجَبَ الْحَذْفُ، وَالْوَاوُ كَانَتْ فِيهِ لِمَعْنًى لَا يُسْتَفَادُ إِلَّا مِنْهَا وَهُوَ الْجَمْعُ فَأُسْقِطَتِ الْيَاءُ وَبَقِيَ أَعْلَوْنَ، وَبِهَذَا الدَّلِيلِ صَارَ فِي الْجَرِّ أَعْلَيْنَ وَمُصْطَفَيْنَ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَاللَّهُ مَعَكُمْ هِدَايَةٌ وَإِرْشَادٌ يَمْنَعُ الْمُكَلَّفَ مِنَ الْإِعْجَابِ بِنَفْسِهِ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا قَالَ: وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ كَانَ ذَلِكَ سَبَبَ الِافْتِخَارِ فَقَالَ: وَاللَّهُ مَعَكُمْ يَعْنِي لَيْسَ ذَلِكَ مِنْ أَنْفُسِكُمْ بَلْ مِنَ اللَّهِ، أَوْ نَقُولُ لَمَّا قَالَ: وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ فَكَانَ الْمُؤْمِنُونَ يَرَوْنَ ضَعْفَ أنفسهم وقتلهم مَعَ كَثْرَةِ الْكُفَّارِ وَشَوْكَتِهِمْ وَكَانَ يَقَعُ فِي نَفْسِ بَعْضِهِمْ أَنَّهُمْ كَيْفَ

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 28  صفحه : 61
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست