responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 26  صفحه : 457
نُسَلِّمُ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ مَا لَمْ يَأْذَنْ فِي الشَّفَاعَةِ لَمْ يَقْدِرْ أَحَدٌ عَلَى الشَّفَاعَةِ، فَإِنْ قِيلَ قَوْلُهُ: اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها فِيهِ سُؤَالٌ لِأَنَّ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُتَوَفِّيَ هُوَ اللَّهُ فَقَطْ، وَتَأَكَّدَ هَذَا بِقَوْلِهِ: الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ [الْمُلْكِ: 2] وَبِقَوْلِهِ: رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ [الْبَقَرَةِ: 258] وَبِقَوْلِهِ: كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ [الْبَقَرَةِ: 28] ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى: قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ [السَّجْدَةِ: 11] وَقَالَ فِي آيَةٍ ثَالِثَةٍ: حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا [الْأَنْعَامِ: 61] وَجَوَابُهُ أَنَّ الْمُتَوَفِّيَ فِي الْحَقِيقَةِ هُوَ اللَّهُ، إِلَّا أَنَّهُ تَعَالَى فَوَّضَ فِي عَالَمِ الْأَسْبَابِ كُلَّ نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ الْأَعْمَالِ إِلَى مَلَكٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، فَفَوَّضَ قَبْضَ الْأَرْوَاحِ إِلَى مَلَكِ الْمَوْتِ وَهُوَ رَئِيسٌ وَتَحْتَهُ أَتْبَاعٌ وَخَدَمٌ فَأُضِيفَ التَّوَفِّي فِي هَذِهِ الْآيَةِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى بِالْإِضَافَةِ الْحَقِيقِيَّةِ، وَفِي الْآيَةِ الثَّانِيَةِ إِلَى مَلَكِ الْمَوْتِ لِأَنَّهُ هُوَ الرَّئِيسُ فِي هَذَا الْعَمَلِ وَإِلَى سَائِرِ الْمَلَائِكَةِ لِأَنَّهُمْ هُمُ الأتباع لملك الموت والله أعلم.

[سورة الزمر (39) : الآيات 45 الى 48]
وَإِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (45) قُلِ اللَّهُمَّ فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ عالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبادِكَ فِي مَا كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (46) وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لافْتَدَوْا بِهِ مِنْ سُوءِ الْعَذابِ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَبَدا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ (47) وَبَدا لَهُمْ سَيِّئاتُ مَا كَسَبُوا وَحاقَ بِهِمْ مَا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (48)
اعْلَمْ أَنَّ هَذَا نَوْعٌ آخَرُ مِنَ الْأَعْمَالِ الْقَبِيحَةِ لِلْمُشْرِكِينَ، وَهُوَ أَنَّكَ إِذَا ذَكَرْتَ اللَّهَ وَحْدَهُ تَقُولُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، ظَهَرَتْ آثَارُ النَّفْرَةِ مِنْ وُجُوهِهِمْ وَقُلُوبِهِمْ، وَإِذَا ذُكِرَتِ الْأَصْنَامُ وَالْأَوْثَانُ ظَهَرَتْ آثَارُ الْفَرَحِ وَالْبِشَارَةِ فِي قُلُوبِهِمْ وَصُدُورِهِمْ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى الْجَهْلِ وَالْحَمَاقَةِ، لِأَنَّ ذِكْرَ اللَّهِ رَأْسُ السَّعَادَاتِ وَعُنْوَانُ الْخَيْرَاتِ، وَأَمَّا ذِكْرُ الْأَصْنَامِ الَّتِي هِيَ الْجَمَادَاتُ الْخَسِيسَةُ، فَهُوَ رَأْسُ الْجَهَالَاتِ وَالْحَمَاقَاتِ، فَنَفْرَتُهُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَحْدَهُ وَاسْتِبْشَارُهُمْ بِذِكْرِ هَذِهِ الْأَصْنَامِ مِنْ أَقْوَى الدَّلَائِلِ عَلَى الْجَهْلِ الْغَلِيظِ وَالْحُمْقِ الشَّدِيدِ، قَالَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» وَقَدْ يُقَابَلُ الِاسْتِبْشَارُ وَالِاشْمِئْزَازُ إِذْ كَلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا غَايَةٌ فِي بَابِهِ لِأَنَّ الِاسْتِبْشَارَ أَنْ يَمْتَلِئَ قَلْبُهُ سُرُورًا حَتَّى يَظْهَرَ أَثَرُ ذَلِكَ السُّرُورِ فِي بَشَرَةِ وَجْهِهِ وَيَتَهَلَّلُ، وَالِاشْمِئْزَازُ أَنْ يَعْظُمَ غَمُّهُ وَغَيْظُهُ فَيَنْقَبِضَ الرُّوحُ إِلَى دَاخِلِ الْقَلْبِ فَيَبْقَى فِي أَدِيمِ الْوَجْهِ أَثَرُ الْغَبَرَةِ وَالظُّلْمَةِ الْأَرْضِيَّةِ، وَلَمَّا حَكَى عَنْهُمْ هَذَا الْأَمْرَ الْعَجِيبَ الَّذِي تَشْهَدُ فِطْرَةُ الْعَقْلِ بِفَسَادِهِ أَرْدَفَهُ بِأَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ ذَكَرَ الدُّعَاءَ الْعَظِيمَ، فَوَصَفَهُ أَوَّلًا بِالْقُدْرَةِ التَّامَّةِ وَهِيَ قَوْلُهُ:
قُلِ اللَّهُمَّ فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَثَانِيًا بِالْعِلْمِ الْكَامِلِ وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى عالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ وَإِنَّمَا قَدَّمَ ذِكْرَ الْقُدْرَةِ عَلَى ذِكْرِ الْعِلْمِ لِأَنَّ الْعِلْمَ بِكَوْنِهِ تَعَالَى قَادِرًا مُتَقَدِّمٌ عَلَى الْعِلْمِ بِكَوْنِهِ عَالِمًا، وَلَمَّا ذَكَرَ هَذَا الدُّعَاءَ قَالَ: أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبادِكَ فِي مَا كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ يَعْنِي أَنَّ نَفَّرَتَهُمْ عَنِ التَّوْحِيدِ وَفَرَحَهُمْ عِنْدَ سَمَاعِ الشِّرْكِ أَمْرٌ مَعْلُومُ الْفَسَادِ بِبَدِيهَةِ الْعَقْلِ، وَمَعَ ذَلِكَ، الْقَوْمُ قَدْ أَصَرُّوا عَلَيْهِ، فَلَا يَقْدِرُ أَحَدٌ عَلَى إِزَالَتِهِمْ عَنْ هَذَا الِاعْتِقَادِ الْفَاسِدِ وَالْمَذْهَبِ الْبَاطِلِ إِلَّا أَنْتَ.
عَنْ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ بِمَ كَانَ يَفْتَتِحُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلاته بالليل؟

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 26  صفحه : 457
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست